سيناريوهات جزائرية: تحول ديمقراطي حقيقي أم تكريس لسلطة الحرس القديم؟

ترى الباحثة الألمانية في جامعة هومبولدت في برلين والمختصة في قضايا دول المغرب العربي، إيزابيل شيفر، أن الجزائر تقف أمام مفترق طرق، فإما أن تشهد تحول ديمقراطي سلمي فاعل، أو أسلمة للنظام السياسي وتمسك الحرس القديم المتشنج بآليات الحفاظ على السلطة، معتبرة أن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة لن تفيده وحزبه على المدى الطويل.

بعد الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في كل من تونس ومصر وليبيا، بدت الجزائر في سنة 2011 لفترة قصيرة وكأنها على وشك الانضمام إلى قائمة دول الربيع العربي. لكن سرعان ما تبين أن النظام هناك لم يسمح بزعزعة دعائمه بكل سهولة، وأن "ربيعاً جزائرياً" بات غير متوقع. رد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على "الثورات العربية" كان متأخراً ومتردداً، فقد وقف إلى جانب نظام القذافي حتى سقوطه، واستقبل الموالين له.


وبعد مرور 50 عاماً على استقلال الجزائر، التي سيحتفل بها الجزائريون في شهر يوليو/ تموز من العام الحالي، تقف البلاد على مفترق طرق، فإما تحول ديمقراطي سلمي فاعل، أو أسلمة للنظام السياسي، أو تمسك الحرس القديم المتشنج بآليات الحفاظ على السلطة.

الشباب الجزائري لا يريد المشاركة في الانتخابات

​​
حتى وإن تفاقمت مشاكل بطالة الشباب المرتفعة، التي تبلغ 45 بالمائة، ونقص المساكن والهوة الاجتماعية والاقتصادية وانسداد الأفق والفساد المنتشر وانعدام الحرية السياسية، وازدادت حالات الانتحار حرقاً والاحتجاجات والمظاهرات، فإن اهتمام الجزائريين بحركة واسعة النطاق لإسقاط النظام قليل، ذلك أن جروح عشر سنوات من الحرب الأهلية، بين سنتي 1992 و2002، التي خلفت أكثر من 200 ألف قتيل، لم تندمل بعد. وفيما تهيمن المخاوف من تجدد اندلاع أعمال عنف، بدأت حالة من عدم الرضا عن الواقع السياسي والاجتماعي بالانتشار.

دولة ريعية وسلام جزئي في الجزائر

الرئيس بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ سنة 1999، نجح، من جانبه، عبر قانون العفو العام، في إحلال سلام جزئي في الجزائر، والوصول إلى نوع من الإجماع الوطني وتوازن القوى. لكن هذا التوازن هش للغاية ويأتي على حساب التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمجتمع الجزائري. وفيما تعتبر العاصمة الجزائرية منطقة آمنة، تشهد عدة مناطق في البلاد منذ سنوات مصادمات، بعضها مسلح، بين الجيش والمحتجين وناشطين إسلاميين. كما بدأت التغيرات الحاصلة في المنطقة بأسرها بوضع توازن القوى هذا محل شك.
إن استعداد المؤسسة العسكرية لإجراء إصلاحات سياسية، مشروط، فهي وكوادر جبهة التحرير الوطني يستفيدون من نظام الدولة الريعي بشكل كبير. هذا النظام يعتمد على صادرات الغاز الطبيعي والبترول، التي تشكل 97 بالمائة من صادرات الجزائر.
وعندما تندلع اضطرابات اجتماعية، يتم زيادة الدعم الحكومي للمواد الغذائية قليلاً، بهدف تهدئة المواطنين.

لكن هذه الإستراتيجية لن تنجح على المدى الطويل، فعندما اندلعت اضطرابات حادة سنة 2011، قام الرئيس بوتفليقة برفع قانون الطوارئ، الذي كان سارياً منذ سنة 1992، وأعلن نيته إدخال تغييرات على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بحلول سنة 2012، بهدف إفراغ أي حركة ثورية محتملة من مضمونها.

جزائريون يتأملون قوائم المرششحين للانتخبات البرلمانية التي ستجري في العاشر من مايو 2012
جزائريون يتأملون قوائم المرششحين للانتخبات البرلمانية التي ستجري في العاشر من مايو/أيار 2012

​​

 

ضرورة تبني أجندة اصلاحية حقيقية


إلا أن فرص نجاح هذه الإستراتيجية ليست مؤكدة، فبينما يقدّم الرئيس بوتفليقة الانتخابات البرلمانية الحالية، على أنها منعطف حاسم في مستقبل البلاد، يُتوقع أن يكون الإقبال على هذه الانتخابات ضعيفاً بسبب عدم تصديق غالبية الناخبين بأنها ستكون انتخابات حرة. كما يُتوقع أن تحقق الأحزاب الإسلامية فوزاً ساحقاً، وهو ما قد يجبر بوتفليقة وحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقاً الذي يتزعمه، على تقديم تنازلات. حتى لو استمرت جبهة التحرير الوطني في احتكار السلطة وعرض نفسها على أنها الضامن لاستقرار البلاد، فإن الحزب اقترب من نهايته، فهو قد أضاع في السنوات الأخيرة فرصة تجديد شخوصه ومضامينه من الداخل، وأصيب بالضعف جراء النزاعات الداخلية والصراعات على السلطة وانعدام مصداقيته.


فعلى سبيل المثال قاد انعدام الشفافية والتعيين العشوائي لقوائم المرشحين إلى انسحاب عدد كبير من أعضاء الحزب، وإلى صراعات بين القاعدة الحزبية والأمين العام المثير للجدل عبد العزيز بلخادم، الذي سعى إلى التعاون مع الإسلاميين قبيل إجراء الانتخابات، وقام بطرح مرشحين مقربين من التيار الإسلامي، وتوقع أن يخلف بوتلفيقة كمرشح الحزب للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها سنة 2014. لكن أيامه كأمين عام للحزب يبدو أنها باتت معدودة، إذ بينما تُقدر نسبة الدعم الانتخابي لجبهة التحرير الوطني بحوالي 20 بالمائة، يطرح التجمع الوطني الديمقراطي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحي، نفسه كشريك ائتلافي للجبهة وليس كبديل حقيقي عنها، إذ تقدر نسبة دعم التجمع بحوالي 5 بالمائة.

 

توقع فوز التحالف الأخضر


الإسلاميون المعتدلون الممثلون بحركة مجتمع السلم، التي شاركت في الائتلاف الحاكم منذ سنة 1997، وانسحبت منه سنة 2011 تضامناً مع الثورات العربية، قاموا ببناء تحالف مع أحزاب إسلامية أخرى، مثل الإصلاح والنهضة، يطلق عليه اسم "التحالف الأخضر". هذا التحالف يهدف إلى الاستفادة من صعود الحركات الإسلامية في الدول المجاورة، إذ يُتوقع أن يحصل على 40 بالمائة من الأصوات. لكن قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ دعوا إلى مقاطعة الانتخابات وحذروا من التلاعب بنتائجها مجدداً.
أما حزب العمال الجزائري المعارض، الذي يتبنى المبادئ التروتسكية ويلتف حول لويزة حنون، وكذا التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، فهم جميعاً يمثلون أقليات صغيرة. أضف إلى ذلك أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية انضم إلى دعوات المقاطعة. فوز الإسلاميين في الانتخابات قد يعني تشكيل ائتلاف جديد من "التحالف الأخضر" وجبهة التحرير الوطني، تكون فيها الأخيرة الشريك الأصغر.


أما المراقبون الدوليون فهناك رغبة صريحة من الجزائر في قدومهم، ويفترض أن يتم إرسالهم من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وعدد من المنظمات الأمريكية غير الحكومية.

 

"الربيع الجزائري" غير متوقع

 

إيزابيل شيفر، المحاضرة في جامعة هومبولدت ببرلين
إيزابيل شيفر، المحاضرة في جامعة هومبولدت ببرلين

​​ويأمل الاتحاد الأوروبي ألا يستخدم الجزائر موارد الغاز الطبيعي والنفط للحفاظ على نظامه الريعي، بل لتنويع اقتصاده ولتقليل الاعتماد على المواد الغذائية المستوردة. كما يجب دعم الاندماج الإقليمي للمنطقة المغاربية، والاستثمار في إعادة توزيع الثروات الطبيعية لصالح الأجيال الشابة، وفي إصلاح قطاع التعليم وخلق فرص عمل.

وتبرز المحادثات الرسمية بين ممثلي الاتحاد الأوروبي والحكومة التونسية برئاسة حمادي الجبالي من حزب النهضة الإسلامي تغير سياسة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الحكومات الإسلامية المعتدلة. أما بالنسبة إلى الجزائر، فلا تُنتظر لحد الآن ردود فعل أوروبية رافضة لنجاح محتمل للإسلاميين في الانتخابات. إلا أن انعكاسات ذلك على التعاون العملي بين الطرفين لا تزال مفتوحة.


العلاقات بين الجزائر وفرنسا تبقى مثقلة ومتوترة، كما أن عمل المنظمات الأوروبية غير الحكومية في الجزائر لا يزال صعباً، والموقف الأوروبي المترقب تجاه التطورات في منطقة حوض المتوسط بأكملها تعكسه علاقات الاتحاد الأوروبي مع الجزائر بكل وضوح، إذ يعتبر الجزائر، الذي تربطه بالاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة منذ سنة 2005، أحد أهم مزودي الطاقة لأوروبا، وشريكاً مركزياً في حربها على الإرهاب.


التطورات في المنطقة بأكملها، خاصة في تونس المجاورة، تؤثر على الجزائر. ولذلك فإن الإصلاحات التجميلية التي يقوم بها الرئيس بوتفليقة وجبهة التحرير الوطني ليست حلاً. وبالرغم من أن "الربيع الجزائري" غير متوقع، إلا أن الإقبال الضعيف على الانتخابات وفوز الأحزاب الإسلامية فيها وارد.

 

إيزابيل شيفر - جامعة هومبولدت في برلين
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012