إردوغان بعيون ناخبيه...... ''المعلم الكبير'' و''السوبرستار''

أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية في تركيا أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يتجه لتحقيق انتصار بيِِّن بحصوله على الأغلبية المطلقة في البرلمان، لكن يُستبعد أن يتمكن من الدعوة لاستفتاء على الدستور.

الكاتبة ، الكاتب: Thomas Seibert



الشمس مشرقة، والجماهير تهلل وتلوح بأعلام ملونة. على سقف باص الدعاية الانتخابية يقف رجل ويعلن مُستثاراً عن مقدم "السوبرستار". يصيح الرجل في الميكروفون قائلاً: "الآن سيجيء المعلم الكبير". خلف السياج، وحول الباص الذي يحمل رمز والشعارات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، يتزاحم عشرة آلاف شخص في ساحة لولبورغاس الواقعة شمالي غرب تركيا. أشخاص عديدون ينتظرون منذ ساعات – وكأنهم ينتظرون المخلص. وعندما يهبط رجب طيب إردوغان من الباص أخيراً محيياً الجماهير المهللة المتحمسة، فإنه يطلب في البداية من مساعديه سترة سميكة. المعلم الكبير يشعر بالبرد.

يبدو واضحاً أن إردوغان تقدم في العمر خلال السنوات الأخيرة. لقد تهدلت كتفاه وأصبحت خطواته أكثر تمهلاً. بين الحين والآخر تفاجئ رئيس الحكومة البالغ من العمر 57 عاماً نوبات سعال تقطع خطبته الانتخابية. يلاحظ المرء علامات الإرهاق على الرجل الذي غيّر وجه تركيا أكثر من أي رئيس وزراء آخر خلال الثلاثين عاماً الأخيرة والذي يقارنه أتباعه بمصطفى كمال أتاتورك، المؤسس الأسطوري للجمهورية التركية.

تجمع انتخابي مؤيد للعدالة والتنمية
"يرى ناخبو حزب العدالة والتنمية في إردوغان رجلاً قام بترسيخ اعتراف المجتمع الدولي ببلادهم كقوة إقليمية صاعدة"

​​ستكون هذه آخر معاركه الانتخابية، هكذا أعلن إردوغان الذي رشح نفسه في الانتخابات البرلمانية. بعد هذه الدورة لن يترشح ثانيةً. وبعد عدة سنوات يريد أن يصبح رئيساً لتركيا – هكذا يقول خصومه. ولكن هدفه الآن هو الحصول على أغلبية برلمانية ستكون مهمة في المشاورات التي ستجري في الشهور القادمة حول دستور جديد لتركيا. وبإمكان إردوغان أن ينتظر مجيء الثاني عشر من يونيو / حزيران بمنتهى الهدوء: فحزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية سيحصل – حسب استطلاعات الرأي – على نسبة تتراوح بين 45 و50 في المئة من الأصوات، متقدماً بذلك على كافة الأحزاب الأخرى.

ويحق لإردوغان من الآن أن يسجل نصراً مهماً له، إذ لم يعد الشقاق الإيديولوجي بين العلمانيين وحزب إردوغان وناخبيه من سكان الأناضول التقيين يلعب أي دور تقريباً، وذلك بعد سنوات قليلة كاد خلالها أن يؤدي هذا الشقاق إلى حظر حزب العدالة والتنمية. لم يعد الحجاب هو الموضوع المسيطر على انتخابات 2011، بل الاقتصاد وفرص العمل. "لقد نجحنا في تخفيض البطالة من 130 إلى 4,3 في المئة"، يصيح إردوغان والجماهير الملتفة حول الباص تلوح بحماسة برايات حزب العدالة والتنمية ذات اللون الأبيض والبرتقالي وبأعلام تركيا الحمراء. وعندما بدأت مجموعة تهتف "السلطان إردوغان" يقاطعها "المعلم الكبير" بتواضع. كلا، ليس هو بالسلطان العثماني. "لسنا في الحكم لكي نسود ونتحكم، بل لكي نخدم". ثم يشير إردوغان إلى الطريق السريع الذي يبلغ طوله 13 ألف كيلومتر والذي شُيد في عهد حكومته، وبعدها يبدأ في إحصاء إنجازاته الأخرى.

الجيش يفشل على طول الخط

إنها معركة انتخابية عادية إذن، غير أن ما يحدث ليس عادياً في تركيا. فعندما كان الساسة الأتراك قبل أربع سنوات يكافحون للحصول على أصوات الناخبين للبرلمان في أنقرة، لم يكن أحد يتحدث عن الطرق السريعة أو أرقام البطالة، بل كان الأمر يدور حول "روح تركيا". آنذاك هدد رجال الجيش بانقلاب على سلطة إردوغان، لأن عبد الله غول – الصديق المقرب من رئيس الوزراء والورع مثله – كان على وشك أن يصبح رئيساً للدولة.

كيليكداروغلو الزعيم الجديد للحزب العلماني (CHP)  ذي التوجه الأتاتوركي، الصورة ا ب
"ينادي كيليكداروغلو بالمطالب الاشتراكية الديمقراطية المعتادة، مثل زيادة فرص العمل والعدالة الاجتماعية، بدلاً من إطلاق التحذيرات الدائمة تخوفاً مما أطلقوا عليه استيلاء الإسلاميين على السلطة مثلما كان يفعل حزبه"

​​غير أن الجيش أخفق على طول الخط، ومنح الناخبون إردوغان وحزبه نتيجة يحلم بها كل حزب: 47 في المئة من الأصوات. وهكذا أصبح غول رئيساً للبلاد وتغيرت طبيعة البلاد السياسية على نحو دراماتيكي، ثم ضعفت سلطة رجال الجيش أكثر فأكثر عندما بدأت الإصلاحات السياسية وعندما شرعت النيابة العامة تجري تحرياتها ضد القادة العسكريين المتعطشين للانقلاب. وفي عام 2008 نجا حزب العدالة والتنمية بالكاد من المنع لأنه أراد رفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعات التركية. وفي العام الماضي تم رفع الحظر في صمت تام بدون أن يقيم أحد الدنيا أو يقعدها.

هذه الأوضاع التي أصبحت عادية هي من صنع رجل آخر أيضاً، وهو رجل كان على مبعدة أمتار في ذلك اليوم من مظاهرة حزب العدالة والتنمية، كما توقف فيما بعد في ساحة لولبورغاس أيضاً. إنه كمال كيليكداروغلو الذي يكبر رئيس الوزراء بخمس سنوات ويقدم نفسه باعتباره إصلاحياً. كيليكداروغلو هو الزعيم الجديد للحزب العلماني (CHP) ذي التوجه الأتاتوركي، وهو الذي راح ينادي بالمطالب الاشتراكية الديمقراطية المعتادة، مثل زيادة فرص العمل والعدالة الاجتماعية، بدلاً من إطلاق التحذيرات الدائمة تخوفاً مما أطلقوا عليه استيلاء الإسلاميين على السلطة مثلما كان يفعل حزبه.

لا يذكر كيليكداروغلو الحجاب بكلمة في ذلك اليوم بساحة لولبورغاس. إنه يعرف أن أي حزب تركي سيدفن كافة آماله في الصعود إلى كرسي الحكم إذا توجس خيفة من أي علامة على التقوى والورع، ولم ير فيها سوى فعل من أفعال القوى الأصولية الظلامية، مثلما ظل الحزب العلماني يفعل طوال سنوات. النساء اللاتي يرتدين الحجاب لم يرهن المرء في الحشد المحيط بإردوغان فحسب، بل في وسط أنصار العلمانيين الذين تجمعوا أمام المنصة التي أقيمت في ساحة لولبورغاس. إنهن ينتظرن أن يسمعن وعداً بأن حياتهم في لولبورغاس ستصبح أسهل.

كيليكداروغلو يلبي هذه الرغبة. "معنا لن تصبح هناك بطالة": هكذا يعد الحشود في حالة انتصار حزبه في الانتخابات. "المصانع المغلقة سيُعاد افتتاحها". في المنطقة المحيطة بلولبورغاس تبلغ النسبة الرسمية للبطالة 14 في المئة ، أي أعلى من المتوسط في تركيا بنسبة 3 في المئة، غير أن النسبة تبلغ بين الشباب نحو 25 في المائة. ويتفق خصوم وأنصار حزب العدالة والتنمية على أن نقص فرص العمل يمثل المشكلة الأكثر إلحاحاً. "اسم الحزب ليس مهماً، المهم أن يفعل شيئاً"، يقول الجواهرجي إفكان كاهفا.
يراهن كيليكداروغلو أيضاً على السخط المتنامي لدى الناخبين بسبب علامات الفساد لدى حزب العدالة والتنمية. "أولادكم عاطلون عن العمل، ولكن أولادهم يعيشون في القصور"، يقول زعيم المعارضة عن عائلات كبار الساسة التي تعيش في أنقرة. ولكن لا يبدو أن كيليكداروغلو يستطيع بمثل هذه الخطب أن يصل إلى هدفه في الوقت الحالي، أي أن يحل محل إردوغان، إذ أن استطلاعات الرأي تفيد حصول الحزب العلماني على نحو 25 في المئة من الأصوات لا غير.

مديح عظيم للمعلم العظيم


رغم تقدمهم في استطلاعات الرأي فإن الشبهات تحوم حول حزب إردوغان، حزب العدالة والتنمية، بأنه يحاول تحجيم المنافسين مستخدماً وسائل قذرة. فمنذ أسابيع تهتز أركان الحزب اليمني القومي المعارض (MHP) بسبب ظهور أفلام فيديو جنسية في شبكة الانترنت تُظهر قادة الحزب المتزوجين في أوضاع غرامية مع عاشقات يكن في العادة أصغر سناً بكثير. في إحدى الحالات يُشاع أن صديقة أحد قادة الحزب حصلت من عشيقها على سيارة رباعية الدفع - على حساب الحزب.

فور ظهور تلك الأفلام فقد الحزب اليمني القومي على الفور مكانته بين الناخبين، والآن يخشى الحزب ألا يتمكن من الحصول على ما يكفي من الأصوات للدخول إلى البرلمان – وهو ما سيفيد حزب العدالة والتنمية في المقام الأول. ولهذا تتهم قيادة الحزب اليمني إردوغان بأن حكومته هي المتسببة في نشر تلك الأفلام. لكن إردوغان ينفي ذلك. "نحن لا نهتم بغسيلكم القذر"، هكذا صرح مؤخراً. على كل حال لم يستطع الحزب اليمني القومي حتى الآن أن يقدم أدلة ملموسة على اتهاماته.

مثل هذه الأدلة، في حالة وجودها، يجب أن تصمد أمام كافة الاختبارات الممكنة إذا كان الهدف هو إلحاق الضرر البالغ بمكانة إردوغان لدى الشعب. إردوغان يتمتع بشعبية تزيد بنسبة عشرة في المائة عن شعبية حزبه، أي أنها تبلغ ما بين 55 و60 في المئة على حسب ما يقول الخبير في استطلاعات الرأي بكير أغيردير. مثل هذا المستوى من الشعبية لا يصل إليه أي سياسي آخر في تركيا، وهي تعتبر بالنسبة لسياسي يدير دفة الحكم منذ ثماني سنوات شيئاً غير عادي حتى بالمقارنة مع الدول الأخرى. "إنه أفضل رئيس وزراء منذ ثمانين عاماً"، يقول أحد الناخبين في إسطنبول، وهو ناخب لا يرى غير ذلك شيئاً يستحق المديح في الحكومة التي تتمركز في أنقرة البعيدة.

شعبية "المعلم الكبير" التي تتخطى الأحزاب تمثل عائقاً أمام المعارضة. ويرى ناخبو حزب العدالة والتنمية في إردوغان رجلاً قام بترسيخ اعتراف المجتمع الدولي ببلادهم كقوة إقليمية صاعدة. "اليوم يصغي العالم إلينا"، يقول مفتخراً أحد أتباع حزب العدالة والتنمية في ساحة لولبورغاس؛ بل وحتى أتباع الحزب العلماني في المدينة أصبحوا ينظرون باحترام إلى رئيس الوزراء. "إنه يتميز بالذكاء والاجتهاد"، تقول ديميت غولفرن البالغة من العمر 32 عاماً والتي تنتخب الحزب العلماني؛ إذ إن إردوغان يرمز إلى الصعود السياسي والاقتصادي لتركيا خلال السنوات الماضية، أما كيليكداروغلو، زعيم المعارضة، فيبدو أمامه كأنه محاسب. هذا ما تعترف به غولفرن بلا مواربة: "أمام إردوغان يبدو كيليكداروغلو ضعيفاً بعض الشيء."

توماس زايبرت -إسطنبول
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011