سميح شقير: الأغنية دخلت المقدّس.. النّاس قدّست حراكها

لم يرضَ الفنان السوري سميح شقير أن يصمت مثل العديد من زملائه الفنانين إزاء ما يحصل في سوريا، فشقير المعروف بمناهضته للظلم والاستبداد أينما كان، كان دائما في طليعة الفنانين الذين غنوا خارج أقفاص الرقابة ومقصاتها، إذ تُعبر أعماله عن وعي جيل كامل تبلور من خلال أغانيه الوطنية والملتزمة منذ الثمانينات وحتى يومنا هذا. ربيع عيد حاور الفنان الملتزم سميح شقير في مدينة مالمو السويدية.

"على مدى التاريخ والطغيان يحاصر القلوب ويحاصر الفكر ويحاصر المدن.. ينتحر الطغيان، أما المدن فلها نشيد الخلود يغنيها بقاءً.. فتبقى"، جملة قالها سميح شقير في إحدى الحفلات عن حصار بيروت، لم يتوقع يوما ما أنها ستناسب الوضع الراهن في سوريا أيضا.


صاحب "إن عشت فعش حرا" و"سقط القناع" (كلمات محمود درويش)، يؤكد، على هامش مهرجان "الموريسكان" للأغاني في مدينة مالمو بالسويد، أن واجب الفنان الحقيقي، خصوصا في المراحل المفصلية والتاريخية، يتمثل في الوقوف إلى جانب الشعب ضد الظلم والاستبداد، مبديًا غضبًا على كل من صمت في هذه المرحلة، خصوصًا من فنانين ومغنين نادوا بالثورة طوال حياتهم، وعندما حدثت فعلًا تنحوا جانبًا، على حد قوله.


شقير المتواجد خارج سوريا منذ أكثر من سنتين، جل همه هذه الأيام دعم الحراك الشعبي عبر أعماله الفنية، والمساهمة في النشاط المدني للثورة، ودعمها من الخارج أيضًا من خلال إحياء الحفلات في عدة مدن مختلفة في العالم، مبديًا تخوفه لما تمر به سوريا هذه الأيام، وساعيًا إلى توسيع التضامن العالمي مع الشعب السوري.


أغاني شقير الوطنية والملتزمة التي لا تستأذن لدخول قلوب الناس، عبرت ومنذ انطلاقته الفنية في سنوات الثمانينات عن تطلعات وأماني الشعوب العربية في التحرر، وشكلت وعيًا سياسيًّا لجيل كامل، ومع اندلاع الثورات العربية كان شقير موجودًا بقوة، ومنذ الأيام الأولى.

أسماء فنية جديدة التقطت روح الثورة، وأسماء كبيرة تخاذلت

الفنان سميح شقير حول دور الاغنية في الثورة السورية  ،  الصورة ربيع عيد
ينشط شقير أيضا هو وعدد كبير من الفنانين السورين في "تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية"، ليكون خطوة موازية للتكتلات التي تؤيد النظام، وليكون لبنة إضافية في الحراك المدني السلمي للثورة السورية.

​​
وعن دور الأغنية الملتزمة في زمن الثورات يقول شقير:"مع بداية الحراك العربي شهدنا ظاهرة من شقين فيما يتعلق بالغناء الملتزم، الأول صعود أسماء جديدة معظمها من الشباب، لم يحترفوا في السابق الغناء الملتزم، التقطوا روح الثورة وكانوا جزءًا منها، حيث شاهدناهم في ساحات تونس، وميدان التحرير، وليبيا، واليمن، والبحرين، وسوريا، وكان لهم دورًا أساسيًّا في الحراك مع أساليبهم الخاصة والجديدة، وهذه ظاهرة جديدة وصحية".

أما الشق الثاني فهو "الأغنية الملتزمة المحترفة التي شكلت حالة غريبة وغير مفهومة على الإطلاق. هنالك العديد من الفنانين ومن مختلف الدول العربية صمتوا أو تأخروا في أعمالهم المساندة للثورة، وقسم منهم وقف مع الأنظمة، وأنا أتحدث عن أسماء كبيرة لا أريد ذكرها، لها جمهورها وتاريخها المعروف، والذين كانوا يدعون للثورة طوال حياتهم ومن خلال أعمالهم، لكنهم تخاذلوا لحظة قدومها.. هذا أمر غير مفهوم بالمرة ومرفوض ويجب أن يُدان، على الفنان مسؤولية كبيرة تجاه شعبه وحرية وطنه."
وهذا الأمر ينطبق على زملاء شقير السوريين أيضا، لكنه أشار إلى أن العديد من الفنانين العرب عبروا مؤخرًا عن وقوفهم إلى جانب الحراك المطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، بعد بطش النظام بالشعب بهذه الصورة، كما يقول.

 

سوريا الديمقراطية وبناء المؤسسات


ينشط شقير أيضا هو وعدد كبير من الفنانين السورين في "تجمع فناني ومبدعي سوريا من أجل الحرية"، ليكون خطوة موازية للتكتلات التي تؤيد النظام، وليكون لبنة إضافية في الحراك المدني السلمي للثورة السورية، عبر فعاليات ونشاطات فنية وأدبية مختلفة، وليلعب دورا في سوريا الجديدة عبر بناء المؤسسات في الدولة الديمقراطية التي يطمحون إليها بعد أن هيمن النظام على مؤسسات الدولة المختلفة.

 

الأغاني دخلت المساجد.. الناس قدست حراكها

 

واستغرب شقير من المستغربين على سرعة "رده" مع بداية الحراك في سوريا عبر أغنية "يا حيف"، إذ قال: "المشاهد التي رأيناها في الأيام الأولى صدمتني، فخرجت معي ’يا حيف‘ خلال ساعتين، بعد تدقيق بشكل كبير حول صحة ما يحدث، لأن الموضوع خطير جدا، فأمسكت العود وخرجت الكلمات وخرج اللحن، وفي اليوم التالي مباشرة قمت بتسجيلها ورفعها على موقع ’يوتيوب‘ على الإنترنت.. لنستيقظ في اليوم التالي على أعداد مشاهدة خيالية للأغنية، وأيضا التقطها الناس في الشوارع والساحات والمظاهرات وحتى المساجد."

 

"الغناء في المساجد يعتبر من المحرمات في التاريخ الإسلامي، لكن الثورة السورية كسرت هذا الشيء، وإن دل هذا على شيء فيدل على أن الثورة قدست حراكها، والناس قدست الحراك نفسه من خلال دخوله في المقدس، والأغنية أصبحت جزءًا من هذا المقدس، هذا أمر عظيم، أن يتحد الحراك مع المقدس لدى الناس"، يضيف شقير في تعلقيه حول غناء أغنية "يا حيف" في بعض مساجد سوريا.


ولم يتوقف شقير عند "يا حيف"، إذ ألف أيضا فيما بعد "قربنا يا الحرية"، و"يا حمص"، و"صراخكن"، كما وصرح بأنه من المفترض خلال الأيام القادمة إطلاق أغنية جديدة سوف يؤديها الفنان المصري علي الحجار، من كلمات وألحان شقير.

 

عنف وبطش النظام حالا دون أن تبقى الثورة سلمية

 

يعبر شقير عن قلقه من الوضع الحالي في سوريا قائلا: "نحن في عنق الزجاجة حاليا، هنالك انسداد في الأفق السياسي، وهذا الانسداد يدفع نحو الحسم العسكري بين الجهتين، كنا نتمنى أن ننجز الثورة بطابع مدني دون سلاح كما حدث في تونس ومصر، لكن عنف وبطش النظام حالا دون ذلك، لكننا كلنا مؤمنون أن الثورة سوف تنتصر ولن يستطيع أي طاغية مهما كان أن يهزم شعبا بأكمله، وإرادة شعب تخرج يوميا تهتف للحرية."


وقال أيضا إن الثورة السورية ثورة عزلاء من أي دعم حقيقي، لأن الإرادة الدولية ترغب في تأجيل الحسم بهدف تدمير سوريا قبل إنجاز التغيير، أو على الأقل إنجاز تغيير مُتحكم به من الخارج، فالبلد قادم على استحقاقات كبيرة، خصوصا في المرحلة الانتقالية التي ستحدد هوية البلد على حد قوله، آملا أن يتم الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تحافظ على التعددية وتصون الحريات.

 

ربيع عيد
حقوق النشر: عرب 48