حوار مع الشركاء المحليين

احتفل معهد غوته في بيروت بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسه. في اللقاء التالي يتحدث رولف شتيله عن الخطة الثقافية للمعهد والتغييرات التي طرأت على البرنامج خلال السنوات الماضية.

رولف شتيله، الصورة: معهد غوته بيروت
رولف شتيله، مدير معهد غوته في بيروت.

​​

نصف قرن من الزمن يعد مدة طويلة! لم تمر إحدى عشر سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية وإذا بيروت تصبح مقرا لأول معهد غوته في البلاد العربية. لِم بيروت بالتحديد؟

رولف شتيله: بعد أثينا في سنة 1953 ومعهدي تورين وتيسالونيكي تم افتتاح معهد غوته هنا في بيروت سنة 1955. كانت ألمانيا بسبب ما أتته من فظاعات الحرب العالمية قد جعلت لنفسها سمعة سيئة داخل المجموعة الأممية. وغدت ممارسة السياسة الخارجية بواسطة الثقافة إذن محاولة لإعادة الارتباط بالعالم ولفتح منفذ جديد إلى حظيرة المجموعة الدولية.

وكان لبنان البلد العربي الأول الذي مد يده للاستجابة إلى هذه الدعوة. ثم تلى ذلك داخل البلدان العربية افتتاح معهد غوته بتونس في سنة 1958 ثم القاهرة بعدها بسنة، وأخيرا الرباط. في تلك الفترة كانت عروض الموسيقى الكلاسيكية والفرق القادمة إلى المنطقة من ألمانيا والبرامج الإعلامية التعريفية إلى جانب دروس اللغة الألمانية هي الوسائل المعتمدة لتقديم صورة جديدة عن ألمانيا.

وكان معهد غوته حتى خلال فترة الحرب الأهلية التي امتدت لمدة 15 سنة هو المركز الثقافي الأجنبي الوحيد الذي ظل مفتوحا في بيروت وقد أصبح مقر المعهد وبرنامجه الثقافي مركزا لاحتضان أنشطة المبدعين المحليين أثناء الحرب.

وأية تطورات عرفتها أنشطة معهد غوته منذ ذلك الوقت؟

شتيله: إننا ننظر إلى عملنا كحوار مع شركائنا المحليين. نحن لا نمارس نشاط توريد ثقافي، ومعهد غوته يبحث عن مواضيع مشتركة مع الأطراف المحلية التي تتعامل معه. وبعد أن نتوصل إلى العثور على مشاريع مفيدة نعمل على تطويرها معا، ثم تطبيقها.

ينبغي أن تكون المواضيع مهمة بالنسبة للمجتمع. هناك أيضا مواضيع لا علاقة لها بألمانيا، لكنها تتضمن في محتواها فكرة التعددية؛ فكرة تناصرها ألمانيا وتدافع عنها. إنني أرى إلى عملنا كوسيلة وقائية ضد النزاعات، لذلك نحن ننظم مثلا سلسلة الحوارات التي أطلقنا عليها إسم Let’s talk (دعونا نتحادث).

تم تنظيم هذه السلسلة من الحوارات سنة 2004 بالاشتراك مع منظمة غير حكومية لبنانية ومؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية. وقد دعي لهذا البرنامج عدد من الشباب لتبادل الآراء حول مواضيع مثل التحول الديمقراطي والهجرة أو الطائفية. والشباب بكل تأكيد فئة اجتماعية هامة يهدف إلى بلوغها برنامج عملنا، فالعالم العربي مجتمع ذو تركيبة شابة؛ وبواسطة مواضيع من صلب الحياة الاجتماعية نتمكن من مخاطبتهم بما يثير اهتمامهم.

لقد توصلنا عن طريق مشروع سينمائي إلى جمع شباب من مختلف الشرائح الاجتماعية والفصائل العقائدية. وقد تمكن التلاميذ والتلميذات بمساعدة فنانين لبنانيين من تعلم تقنيات العمل السينمائي. كان موضوع هذا العمل هو التيميز والأفكار المسبقة.

وبعد أن اشترك الشبان والفتيات في ورشة عمل عن موضوع الأفكار المسبقة والخلافات استطاعوا أن ينجزوا نصوص سيناريوهات ويقوموا بتحقيقات داخل محيطهم. ثم عرضت الأشرطة السينمائية القصيرة التي تتراوح بين10 و 20 دقيقة في مهرجانات سينمائية. ضمن مشاريع من هذا النوع يجد العديد من الشباب والمدارس لأول مرة في أغلب الأحيان طريقهم إلى الجزء العقائدي "الآخر" من المدينة.

ما هي التغيرات التي طرأت على برنامج معهد غوته بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؟

شتيله: أعتقد أن المواضيع المتعلقة بالمجتمع المدني قد تصدرت بصفة مركّزة أولوية الاهتمامات. لكن أشكال العمل قد عرفت تطورا هي أيضا. وحاليا هناك عمل مكثف على مبادرات التبادل الثقافي. لنذكر برنامج "الديوان الغربي الشرقي على سبيل المثال، وهو برنامج حوار بين الكتّاب.

في البداية قضى كتاب عرب بضعة أسابيع في ألمانيا بصحبة كتاب ألمان، ثم كانت زيارات من الطرف الآخر إلى لبنان. وبهذه الطريقة لا يتم فقط تشجيع اللقاءات الأدبية ، بل تحقيق معاشرة في غمار الحياة اليومية. في هذا المشروع الذي تم تنظيمه بالاشتراك مع أطراف أخرى كان الكتاب مطالبين بتحرير نصوص عن تجاربهم.

ميشائيل كليبرغ على سبيل المثال ألف كتابا عن تجربته في بلاد الأرز، بينما نشر شريكه اللبناني عباس بيضون انطباعاته البرلينية في شكل مجموعة شعرية. أما رشيد الضعيف الذي اشترك سنة 2004 في برنامج التبادل فإنه يتطرق حاليا في كتاب له إلى دراسة حول شخصية الكاتب الألماني يوآخيم هيلفر ومثوليته الجنسية. وها هو هيلفر يجيب بدوره على كتاب الضعيف. إنه حوار حقيقي بين كتّاب عبر الكتابة الأدبية.

إن العمل الثقافي لا ينحصر إذن في مجرد الإخبار عن واقع الثقافة في البلدان المعنية. وفي هذا المضمار لا بد من الإشارة إلى أن العالم العربي أكثر اطلاعا على ما يجري لدينا من معرفتنا نحن بما لدبه. يتعلق الأمر أيضا بحوار لا بين ثقافات بل بين أشخاص.

وبالتالي لا بد أن يكون هدفنا أن نجعل عددا كبيرا قدر الإمكان يشترك في هذه اللقاءات. ولكي نعود إلى سؤالك، فإنه يمكن القول بأنه لم تحدث تغيرات كبيرة على برنامجنا في الواقع. فنحن منذ البداية لم نكن نرغب في مد طريق أحادية الاتجاه، بل عمدنا إلى بناء "طريق عبور في الاتجاهين" لمعهد غوته. وقد شهدت السياسة الثقافية بوصفها وسيلة وقاية لدرء النزاعات كثافة أكثر هي أيضا منذ الحادي عشر من سبتمبر.

كيف يجري التعاون مع بقية الهيآت الثقافية الأوروبية في بيروت؟

شتيله: إن معهد غوته يعتبر نفسه مؤسسة ثقافية وطنية وأوروبية. هناك بطبيعة الحال تعاون وتنسيق، وهناك أيضا مشاريع تنظمها البعثة الأوروبية. ومهرجان السينما الأوروبية يعد أهم حدث سينمائي في لبنان. كما أننا عملنا بصفة مشتركة مع المركز الثقافي الفرنسي على تنظيم سلسلة من العروض السينمائية ومشاريع كتب للأطفال وكذلك على تنظيم عرض Urban Dance مع روبيتسكي.

أما بقية المراكز الثقافية فتركز أنشطتها على تدريس اللغات، ومع ذلك فإن العمل المرتبط بإعداد مشاريع ثقافية قد راح يكتسب أهمية أكبر. نصف ما ننجزه من مشاريع يتم تمويله باعتمادات يقدمها طرف متعاون. نحن في أغلب الأحيان نتخيل مشاريع ثم "نحبّرها"؛ وغالبا ما ينشأ عبر هذه المشاريع تعاون مع مؤسسات ثقافية أوروبية أخرى.

ما هي المشكلة الأساسية التي يلاقيها العمل الثقافي في بيروت الحديثة وفي المنطقة بصفة عامة؟

شتيله: غالبا ما تكون البنى التحتية للمؤسسات وغياب الميزانيات العمومية هي المشكل. فليس هناك مجمع مسرحي أو فرقة رقص. وبالتالي فإن العمل يتم دوما حول مشاريع آنية منفردة. هناك العديد من المثاليين الذين ينجزون الكثير بإمكانيات مالية محدودة ودون ضمانات اجتماعية، وهنا يقتضي الأمر إذن أن ندعم وأن نكون فاعلين في عملية تأسيس الهياكل.

لقد تمكنا في معهد غوته أن ندعّم إمكانياتنا خلال السنوات الأخيرة. وبالرغم مما عرفته طاقات البعثات من تقلص عبر العالم فإنه يتم حاليا دعمنا هنا في بيروت بزملاء جدد من ألمانيا. وهو بالتأكيد مؤشر على أهمية أكبر أصبحت تولى إلى العمل الثقافي في بيروت.

في سنة 1998 اقتتح معهد غوته برام الله وفي هذه السنة في أبو ظبي. وهذه أيضا من المؤشرات على أن العمل داخل المنطقة من المحاور الرئيسية لمعهد غوته.

أجر ى الحوار برنهارد هيللنكامب
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

كاتب ألماني يقدّم مزة لبنانية
زار الكاتب الألماني كليبرغ في إطار فعاليات الديوان الغربي الشرقي بيروت حيث التقى بصديقه اللبناني عباس بيضون. نتيجة الزيارة هو الكتاب: "الحيوان الذي يبكي - يوميات رحلة لبنانية". شتيفان فايدنر يقدمه لنا

الحياة اليومية بين ثقافتين
حوار قامت به صحيفة دي تاغستسايتونغ البرلينية مع الكاتب الألماني ميشائيل كليبرغ والشاعر والصحفي اللبناني عباس بيضون

لا غنى عن حوار الثقافات!
منذ اعتداءات الحادي من سبتمبر/أيلول بدأ يطرح شعار حوار الثقافات على الساحة السياسية. وترى الباحثة نايكا فروتان أنه لا غنى عن اتباع استرتيجية الحوار بين الثقافات في السياسة الخارجية في زمن أثبتت الأساليب العسكرية فشلها.

www

معهد غوته في بيروت