القدس وبرلين – تجارب مشتركة

"منتدى برلين-القدس" مبادرة من مؤسسة فريدريش إيبرت للاستفادة من تجربة برلين كمدينة مقسمة وتطبيقها على القدس. أنيا فون سيسفكي رافقت المشاركين في زيارتهم إلى العاصمة الألمانية

القدس وبرلين – تجارب مشتركة

الانفصال والوحدة، الاندماج والتجزئة، تلك مواضيع تشترك فيها مدينتا القدس وبرلين. في عملها من أجل تطوير حل عادل بالنسبة لمستقبل القدس، أطلقت مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية منتدى برلين ـ القدس قبل سنتين. وفي هذا الاطار الثلاثي يعمل خبراء مدنيون من الجانب الشرقي والغربي لبرلين معا مع خبراء اسرائيليين وفلسطينيين من القدس. إنهم يلتقون كل سنة، ويدخلون لمدة أسبوع في نقاشات معمقة حول هذا الموضوع. آنيا سيسفكي من الدويتشه فيلله عن اجتماعهم مؤخرا ببرلين.

الصورة: أ ب
نقطة الحدود تشارلي

​​برلين. النقطة الحدودية شارلي. مجموعة تتكون من عشرين شخصا تجتمع عند نقطة الحدود القديمة التي كانت تفصل القسم الشرقي عن القسم الغربي للمدينة. مقاطع من نقاشات نشطة بالألمانية، الانكليزية، العبرية والعربية. المجتمعون هنا ينتمون الى "ندوة القدس ـ برلين" JBF، وهي مبادرة أطلقتها مؤسسة فريدريش إيبرت سنة 2001، وتجمع بين اسرائيليين وفلسطينيين وألمان من القسم الشرقي والغربي للمدينة. إنهم يعملون كمهندسين، مخططين مدنيين، تقنيين، علماء اجتماع وباحثين سياسيين يجمعهم اهتمام مشترك: دراسة سيرورة الانفصال والاندماج للمدن التي كانت منقسمة في الماضي.
المجموعة، يقودها ثلاثة من خبراء برلين، تتبع الخط الذي كان يقوم عليه جدار برلين:" إن الأمر يذكرني شيئا ما بالقدس. ذلك أنه قبل 19 عاما كانت القدس أيضا مدينة مقسمة، بجدار وخط حدودي. ولقد فرحنا جدا عندما سقط الجدار بعد 35 سنة من ذلك التاريخ. وهنا أيضا تحولت مدينتان الى مدينة واحدة من جديد". اسرائيل كيمشي هو مخطط إقليمي من القسم اليهودي للقدس الذي يقع بغرب المدينة. وهو يمشي على طول الخط الحدودي في برلين، يتذكر حرب 1967، والتي من خلالها استولت اسرائيل على القسم الشرقي للمدينة.

الاستفادة من تجربة برلين

الصورة: أ ب
القدس الشرقية

​​وكيفما كان الحال، فإن ما يحسه الناس القادمون من القدس لدى وجودهم بالعاصمة الألمانية مرتبط بشكل حاسم بالمنطقة التي ينتمون إليها في مدينتهم. رامي نصر الله، رئيس الوفد الفلسطيني، نشأ مثلا في المنطقة العربية شرق القدس، وعاش تحت السلطة الاسرائيلية، وكلما ذهب لزيارة أسرته في قطاع غزة توجب عليه أن يمر من نقطة حدود اسرائيلية: "صدقوني، وأنا أعبر النقطة الحدودية شارلي، تملكني نفس الاحساس -لكن لا وجود لعسكر هنا ـ الذي أشعر به وأنا أعبر قلنديا شمال القدس. تغيرت الأمور في برلين، لكن كالندريا مازالت قائمة، وقدأصبحت نقطة حدودية دائمة تفصل القطاع الشمالي لشرق القدس ورام الله عن المركز. الواقع في القدس جد صعب، حين يرجع الأمر للتقسيم والانفصال، لهذا يتوجب علينا التوصل الى حل لهذه القضية."
إيجاد مثل هذا الحل للقدس هو هدف الخبراء المدنيين الذين حضروا للاجتماع في إطار منتدى JBF. والفكرة الأساسية تتمثل في الاستفادة من تجربة برلين خلال السنوات التي أعقبت سقوط الجدار.

الوفود القادمة من القدس وبرلين تجتمع للمرة الثالثة. وتتضمن الأجندة الحالية سبعة ايام من النقاشات المعمقة، القراءات والزيارات الميدانية عبر برلين. وقد أصبح التعاون بين الوفود مع مرور الوقت مثمرا. يقول هولغر كولو، عالم اجتماع مدني من شرق برلين: "إننا نجتمع للمرة الثالثة، لكنها المرة الأولى التي أشعر فيها بأننا قد أصبحنا أكثر ألفة
ومعرفة ببعضنا البعض. إننا نتبادل الآراء، حتى وإن كانت بعض الأحيان متناقضة جدا، ولكننا أحرار في الكلام والنقاش".

مصير الحوار

هذه المبادرة الثلاثية تعود الى الحوار الذي بدأه الاسرائيليون والفلسطينيون قبل ثمان سنين، والذي تضمن لقاءات ثنائية بين "معهد القدس للدراسات الاسرائيلية" و"المركز الفلسطيني للتعاون والسلام العالمي"، من أجل مناقشة مستقبل القدس. ولابد من أن يأخذ المرء بعين الاعتبار أن اندلاع إنتفاضة الأقصى سنة 2000 وضع حدا لجزء كبير من الحوار الذي كان يجمع بين الاسرائيليين والفلسطينيين. رامي نصر الله، رئيس معهد التعاون والسلام العالمي، يشرح لماذا ظل هذا التعاون قائما رغم الظروف المحيطة: "مرات كثيرة كنا نختلف، ومرات كثيرة كنا نتعارك، هناك الكثير من العواطف. للقدس أبعاد روحية وقومية ورمزية، وهذا ليس بالأمر الهين. ولكن بعد أن تخمد العواطف، نبدأ بالتفكير بطريقة عملية فيما يتوجب علينا فعله الآن."

لمدينة القدس أهمية حاسمة بالنسبة للاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وكل طرف يدعم مطالبه بحجج تاريخية ودينية. مدينة واحدة، ومطلبان: القدس هي أحد أهم العقبات في الطريق الى تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ولكن في اطار JBF فإن الجهتين معا تسعيان للاتفاق على رؤية واحدة. انهما يهدفان الى أن تصبح القدس عاصمة للدولتين ولكن بدون حدود أو جدار يفصل بينهما. كما يقول رامي فريدمان، رئيس الوفد الاسرائيلي: "القدس مدينة يصعب تقسيمها من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية والدينية. إذا نجحنا في إقامة عاصمتين وتحقيق مدينة مفتوحة، فيمكن لكل فريق من الفريقين أن يحصل فيها على مناطقه الخاصة به، لكن دون أن يمنع الفريق الآخر من حق الدخول اليها. ذلك سيساعد القدس على الازدهار. بإمكان القدس أن تصبح مدينة جميلة، لكن بشرط أن لا يتم تقسيمها."
وفريدمان متأكد من أن القدس في سيرورة تحولها، يمكن أن تستفيد من تجربة برلين. في الواقع هناك نوعا من التشابه بين المدينتين: الاثنان يعتبران مركزان مدينيان تقليديان، وكلاهما تم تقسيمهما عبر جدارالى قسمين، وهما تواجهان معا مشكلة الهوة القائمة بين قسميهما الشرقي والغربي. واذا كانت الهوة التي تفصل شرق برلين عن غربها هوة سياسية، يسهل الى حد ما ردمها، فإن الأمر يختلف بالنسبة للقدس التي تتكون من شعبين مختلفين، يتكلمان لغتين مختلفتين، ويمتلكان ثقافتين متنوعتين. وسيعمد المقدسيون على دراسة بعض أشكال التعاون التي حققت النجاح في برلين ومدى إمكانية تطبيقها على مدينتهم أيضا.
لينا شولتز تسور فيش توضح الدور الذي يلعبه الوفد البرليني في هذا الحوار الثلاثي: "إنهم يطرحون علينا أسئلة عملية، مثلا: كيف حققتم ذلك؟ كيف تمكنتم من الجمع بين أنظمة النقل والمجاري والادارة المختلفة؟ وما هي العوامل التي تقف خلف هذا النجاح؟

حلم مشترك

البرلينيون من جهتهم بدأوا بدراسة الوضع في القدس. ونشروا مؤخرا مع الوفدين الآخرين كتابا يحوي بين دفتيه النتائح الأولى لعملهم، والتعاون سيستمر. ولينا شولتز تسور فيش واثقة بأنه سيتعمق أكثر فأكثر: "في العديد من الحالات كنا جد مترددين. ذلك أننا كنا خائفين من التدخل. فرأينا بالصراع ليس الشيء الأكثر أهمية. خبرتنا هي معرفتنا بالمدينة، وفي الكثير من الحالات قالوا بأننا جد مترددين وخجولين. عليكم أن تدخلوا في العملية، إننا بحاجة إليكم اليكم."

بعد اسبوع من التبادل المعمق في برلين، حان وقت الوداع. واذا ما التقى خبراء "ندوة القدس ـ برلين" في المستقبل، فإنهم يحلمون بأن يتقدموا خطوة الى الأمام في الاسراع بتحقيق الرؤية المشتركة: القدس كعاصمة مفتوحة للدولتينن، لكن بدون جدار.

أنيا فون سيسفكي، دويتشه فيلله 2003
ترجمة رشيد بوطيب

بإمكانكم الاطلاع على موقع مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في القدس الشرقية هنا
بإمكانكم الاطلاع على موقع معهد القدس للدراسات الإسرائيلية هنا