مسرحية سويسرية ساخرة تثير الجروح العربية

قدمت المخرجة عزة الحسيني معالجة جديدة لعمل المسرحي فريدريش دورينمات، كتبه قبل اكثر من نصف قرن. نيللي يوسف شاهدت المسرحية في غاليري معهد غوته وتحدثت مع بعض من الجمهور ومع المخرجة

الصورة: نيللي يوسف
مشهد من المسرحية

​​

وقف القائد "جورج بلاوهالس" رئيس إدارة منكوبى البحر يتراقص على أنغام الموسيقى الكلاسيكية وينظر إلى خريطة العالم المعلقة على حائط غرفته بالسفينة المسماة "فرقة الإنقاذ العظمى"، حتى دخل إليه حراسه ومعهما برميل يقف فيه احد الأشخاص الذين انتشلوه من الغرق. يبدأ القائد على الفور في إذلاله بشدة ودفعه للجنون لدرجة تدفعه إلى أن يختار الإلقاء بنفسه في المياه مرة أخرى على البقاء مع هذا القائد وسفينته القاسية اللإنسانية.

تلك هي أحداث المسرحية السياسية الساخرة "المنقذ" للكاتب السويسري الشهير فريدريش دورينمات والتي عرضت في غاليرى معهد غوته بالقاهرة بعد أن ترجمها للغة العربية يسرى خميس وقدمتها فرقة الغجر المسرحية مع المخرجة عزة الحسيني.

وشهد العرض في اليوم الأول إقبالا جماهيريا محدودا إلى حدا ما، إلا أن اليوم الثاني اكتظ بالحاضرين من مختلف الفئات سواء المثقفين أو من الجمهور العادي بعد أن سمعوا أنها مسرحية أثارت جروحهم التي يعانون منها كأشخاص يعيشون في العالم العربي.

وقال بعض الشباب الحاضرين في حوار مع قنطرة إن الدهشة أصابتهم عندما علموا أن المسرحية كتبها دورينمات في عام 1948 لأنهم شعروا و كأن دورينمات قد كتبها هذه الأيام لتحكى عن الأحداث السياسية المعاصرة والقاسية التي يعيشها العرب.

معالجة جديدة لدورينمات

وأكدوا إعجابهم الشديد باختيار المخرجة لنص قديم مثل نص مسرحية "المنقذ" لتدخل عليه إسقاطات تمس الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة العربية.

وتجدر الإشارة إلى أن دورينمات عندما كتب المسرحية كان يقصد من خلالها انتقاد هيئة الأمم المتحدة باعتبارها هيئة تدّعى الإنقاذ. إلا أن مخرجة المسرحية تناولتها برؤية جديدة تناسب تحول القوى في العالم إلى فرقة واحدة جعلت من نفسها منقذا للعالم دون أن يطلب منها احد ذلك. وهي دولة الولايات المتحدة الامريكية بدلا من الهيئة.

واتبعت المخرجة أسلوبا ساخرا حتى أنها أطلقت على اسم القائد اسم "جورج بلاوهالس" رمزا لجورج بوش ووضعت الشخص الذي أنقذوه في برميل بترول إشارة إلى العرب.

وقالت مخرجة العرض عزة الحسيني إنها تعرفت على المسرحية بالصدفة عندما قرأتها بالعربية في مجلة "تياترو" ثم عرضت فكرة إخراجها على إدارة معهد غوته بالقاهرة الذين قبلوا على الفور.

واتاحوا لها ولفرقة الغجر مكانا ليقدموا فيه المسرحية. وأشارت إلى أنها لم تغير في المسرحية كما قال بعض الحاضرين و لكنها أضافت وجهة نظرها لتناسب الوقت والأحداث الحالية مشيرة إلى أن تيمة العمل المتعلقة بوجود قوى قوية وأخرى ضعيفة تصلح لأي زمان و مكان مثل الأعمال الشكسبيرية.
دورينمات باللغة العامية

وأضافت المخرجة أنها رأت ضرورة أن يكون العرض باللغة العامية المصرية حتى يصل لجميع فئات المتفرجين، لدرجة أنها غيرت اسم المسرحية إلى العامية وجعلته "الراجل اللي أنقذوه".

وقال بعض الحاضرين إن معظم الجمهور المصري لم يسمع من قبل عن هذه المسرحية لأنها من بواكير أعمال دورينمات ولم تترجم مطلقا إلى العربية قبل أن يقوم بترجمتها يسرى خميس على عكس أعمال دورينمات الأخرى المشهورة في مصر والعالم العربي، مثل "زيارة السيدة العجوز" و "علماء الفيزياء" والتي لا تقل مسرحية "المنقذ" أهمية عنهما.

وانتقد أحد المتفرجين الإخراج وقال: "برغم جدية الطرح إلا أنه عرض بصورة مباشرة للغاية حيث أن المتفرج الحالي لا يحتاج لمثل هذه الأشياء المباشرة ويحتاج للتفكير واستخدام عقله".

الذل و القهر في المجتمع المصري

وقال متفرج آخر إن العرض جسد الذل الذي يقع على الفرد المصري وبأنه ليس من جراء قوى أجنبية غريبة. فالمسرحية جسدت الأحوال في مصر بسخرية ممزوجة بالألم، لأن كل من هو ذي منصب و سلطة يمارس الذل و القهر على من هو اضعف منه وفي منصب اقل منه، مثلما يحدث لبعض الموظفين و العاملين في الهيئات المختلفة لدرجة تدفع البعض منهم للإقدام على الانتحار: "فليست أمريكا فقط هي التي تمارس القهر بادعاء الإنقاذ بل أن الفرد في معظم الدول العربية ومنها مصر يتعرض للذل و القهر من أفراد في نفس بلده".

على عكس ذلك هاجمت إحدى المتفرجات المعالجة الجديدة التي قدمتها مخرجة المسرحية لنص دورينمات الاصلى حيث أنها قالت إن الهجوم على أمريكا أصبح الحائط المشاع الذي يقوم به معظم مخرجي المسرح الآن، حيث أنهم يرون الشجاعة في تحوير النصوص لانتقاد وسباب أمريكا لتقديم مسرح سياسي ولكن ذلك لا يوجد به اى شجاعة أو وطنية مثلما يعتقدون.

بقلم نيللي يوسف

فريدريش دورينمات (1921-1990) من أبرز الكتاب والمسرحيين السويسريين.