أحفاد التتر في أوربا

حتى يومنا هذا تعيش أقليات مسلمة في روسيا البيضاء وليتوانيا وبولندا ينحدرون من التتر الذين هاجروا إلى تلك البلدان بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلادي. كتاب صادر حديثا يتناول تاريخ التتر في ليتوانيا. تقرير كريستيان هاوك

مسجد تتري في ليتوانيا، الصورة: www.gaumina.lt
يعيش في بولونيا اليوم 15000مسلم من أصل تتري وفي ليتوانيا 5000 مسلم من أصل تتري تقريبا.

​​

قدم التتر من مناطق نفوذ باتو (حفيد جينكيز خان) والقرم إلى إمارة ليتوانيا الكبرى التي كانت تخضع لحكم تقاسمته سلالتان نبيلتان.

في شمال شرق بولندا الحالية توجد مساجد تترية مبنية من الخشب في قريتي بوهونيكي وكروسنيانياني بالقرب من حدود ليتوانيا. كما توجد مقبرة إسلامية. لكن أغلبية المسلمين ولا سيما الشباب منهم يفضلون اليوم العيش في المدن الكبيرة.

تهميش الحضارة الليتوانية

إمارة ليتوانيا الكبرى تضمنت في القرن السادس عشر الميلادي كافة مناطق ليتوانيا وروسيا البيضاء وأجزاء كبيرة من أوكرانيا. حيث امتدت مساحتها من بحر البلطيق إلى البحر الأسود. وقد عمد العلماء المختصون إلى تلقيب التتر المسلمين المقيمين في الإمارة الكبرى ب"التتر الليتوانيين".

وقعت وما زالت تقع المنطقة الرئيسية لتواجد التتر الليتوانيين في الإقليم الجغرافي الواقع بين فيلنا شمالا ومينسك شرقا وبريست- ليتوفسك في الغرب. وبناء على التقديرات الواقعية حول عدد التتر المقيمين في إمارة ليتوانيا الكبرى في القرنين 16 و17 فقد بلغ عددهم حوالي 50 إلى 60 ألف نسمة.

تبنت إمارة ليتوانيا الكبرى أثناء توغلها في المناطق السلافية المذهب المسيحي الأرثوذكسي ديانة لها كما استخدمت اللغة السلافية الكنسية لغة للعبادة والثقافة.

وتزامن ذلك مع تهميش كبير للغة الليتوانية نفسها. فاتسمت كافة مجالات الحياة والدين والتعليم والإدارة لا سيما ما يختص النبلاء في ليتوانيا نتيجة لذلك بطابع سلافي وبيلاروسي وبولندي.

محاولات الحفاظ على الثقافة

انخرط التتر بعد هجرتهم إلى إمارة ليتوانيا الكبرى لغويا وثقافيا بمحيطهم السلافي الجديد. أما الإسلام فقد احتفظت به أقلية منهم. وحرصا من التتر على نقل تعاليم الدين الإسلامي إلى الأجيال المقبلة فقد اعتنوا عناية كبيرة بفن الترجمة منذ القرن السادس عشر.

فترجم القرآن وكتب أخرى تختص بالتربية الدينية مثل كتب تعاليم الدين والأساطير والأحاديث والمصادر الشبيهة. وما زالت هناك مخطوطات محفوظة عن التتر الليتوانيين تعود إلى الفترة الواقعة بين القرنين السابع عشر والعشرين.

بحث عالم الدراسات السلافية باول سوتر في كتابه الصادر عام 2004 بالتفصيل في كتب التتر الليتوانيين التي كانت قد صدرت بلغات سلافية. وقد صدرت أغلب الكتب باللغتين البيلاروسية والبولندية.

أما اللغات الشرقية فقد استخدمت فقط لأغراض الاستشهاد بالمصادر الأولية. في بعض الحالات تمت ترجمة كتب من العربية والتركية إلى اللغتين البولندية والبيلاروسية مع تفسير محتوياتها.

عدم اكتراث بالمخطوطات القديمة

جاء في كتاب سوتر "لا يوجد حتى اليوم أرشيف كامل لمخطوطات تتر ليتوانيا. وأهمها يتواجد دون ترتيب في متاحف ومكتبات فيلنا ومينسك وبطرسبورغ وكاسان ووارسوفيا وليبزيغ ولندن". ويضيف بأن جزءا كبيرا من هذه المخطوطات ملك شخصي لعائلات ليتوانية تناقلت المخطوطات جيلا بعد جيل.

ولا يمكن استخدام هذه المخطوطات لأغراض البحث العلمي في أغلب الحالات إلا بصورة محدودة. وكثيرا ما يتم فقدان بعض المخطوطات إلى ما رجعة له في الأغلب لعدم وجود العناية أو لفقدان الاهتمام تجاه تراث التتر المسلمين.

صدر عام 1616 في فيلنا باللغة البولندية كتاب تحاملي يحمل عنوان "الفرقان تاترسكي". وقد قدّم سوتر بناء على هذا الكتاب دراسة شاملة حول أوضاع تتر ليتوانيا الحضارية واللغوية.

وقد استخدم مؤلف هذا الكتاب الذي مضى على صدوره نحو 400 عام اسما مستعارا هو "بيوتر تشيسفيسكي" ولم تعرف هوية المؤلف الحقيقية. والطبعة الأولى مفقودة.

عداء تجاه الجالية المسلمة

عندما يقرأ المرء النصوص المتناقلة عن الكتاب أمكنه الاستنتاج بأن المؤلف كان ينتمي إلى طبقة صغار النبلاء وأنه ربما تلقى تعليما كاثوليكيا بل حتى يسوعيا، نظرا لأنه كان حسن الاطلاع على مجريات الأمور القضائية والقانونية.

كتاب "الفرقان تاترسكي" يتضمن من الناحية المبدئية تحاملا على أقلية التتر المسلمين في إمارة ليتوانيا الكبرى، وبلغت ذروة التحامل في مطالبة المؤلف بإجبارهم على اعتناق المذهب الكاثوليكي وإما إبعادهم عن البلاد.

وكان لدى تتر ليتوانيا في بداية القرن السابع عشر قرآن مترجم إلى اللغة البولندية. وهذا هو السياق الأصلي لعبارة "الفرقان تاترسكي" أي كتاب صادر عن تتر ليتوانيا يتضمن تفسيرا للقرآن.

كريستيان هاوك
حقوق الطبع قنطرة 2005

باول سوتر، "الفرقان تاترسكي"، كتاب تفسير القرآن لتتار ليتوانيا (مجموعة مكوّنات اللغات السلافية وتاريخ حضارات الشعوب السلافية، الجزء الجديد، المجلد رقم 43) ، كولونيا 2004، 555 صفحة.