حملة عنصرية ضد زنوج قوات الإحتلال

أثار استخدام بلجيكا وبريطانيا وفرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى فرقا حربية من الملونين معارضة شديدة في أوربا خاصة من ألمانيا. تحلل أريس فيغر في كتابها "العار الأسود على نهر الراين" الحملة الدولية ضد استخدام هؤلاء الجنود الملونين، وتكشف عن النزعة العنصرية وراءها.

​​

إستخدمت بلجيكا وبريطانيا وفرنسا في الحرب العالمية الأولى في أوروبا وحدات يقتصر أغلبها على الجنود الملونين من مستعمراتها. وكان بين الجنود الأميركيين بعض الملونين أيضا.

شجبت دعاية الحرب الألمانية استخدام قوات من المستعمرات الفرنسية واعتبرته خطرا على الثقافة والحضارة الأوروبيتين. وكان على مفاوضي عملية السلام من الألمان فيما بعد – بناء على رغبة وزارة الخارجية - أن يضمنوا إبعاد الزنوج من جيش الإحتلال المتوقع، إلا أنهم لم يجدوا آذانا صاغية أثناء المفاوضات في مدينة فيرساي.

وضعت الحكومة الفرنسية خلال فترة الإحتلال التي دامت خمسة عشر عاما في المناطق الواقعة غرب نهر الراين وفي رؤوس الجسور في كولونيا وكوبلنتس وماينز بين الحين والآخر كتائب من الجزائر ومدغشقر والمغرب والسنغال وتونس والمستعمرات الأخرى.

وقد كان استخدام الزنوج ضمن جنود الإحتلال سببا في إثارة المشاعر سنوات طويلة، ليس فقط في ألمانيا ولكن أيضا في بعض الدول الأوروبية وفي أمريكا. تحلل الباحثة في علم الاجتماع إيرس فيغر الحملة العالمية التي انطلقت من ألمانيا بدءا بعام 1920 تحت عنوان "العار الأسود" ضد استخدام هؤلاء الجنود الملونين.

خليط عنصري

توضح فيغر كيف يصبح العرق والأمة والجنس والطبقة، كعلاقات تمييز مكملة لبعضها، خليطا عنصريا متماسكا في آخر الأمر. إستُخدِمت في الحملة تقارير عن أعمال عنف جماعية مزعومة ارتكبها الجنود الملونون، وخاصة اعتداءاتهم الجنسية التي لا حصر لها على النساء الألمانيات. واتخذ عرض هذه الاعتداءت شكلا داعرا تقريبا، أعطى مُعِدّوها فيه الحرية لخيالهم الجنسي العدواني كما يبدو.

جعل القائمون على حملة "العار الأسود" النساء ضحايا، إضافة إلى التأكيد على الشهوانية التي ألصقت بالجنود الملونين من وجهة نظر عنصرية والتناقض بين طبيعتهم البدائية والثقافة البيضاء. ربط مصطلح العنصر بالجنس ربطا وثيقا وربطت فكرة السيادة البيضاء بـ "امتلاك" النساء البيضاوات.

فضلا عن ذلك بدا شرف النساء مرتبط ارتباطا وثيقا بشرف القومية الألمانية. ومن خلال ربط "العار الأسود" بالأمة الفرنسية مباشرة نشأ أيضا اتهام قومي واضح.

فرنسا كأمة متدهورة

ليست الثقافة، حسب الافتراض الاويجيني، سوى واجهة، إن هذه الدولة الأوربية في الحقيقة أمة متدهورة اختلطت بمستعمراتها. فالتدهور الثقافي يصاحب التدهور البيولوجي.

شارك الاستياء الألماني الذي أثير من خلال الأخبار المخيفة عدد كبير من السياسيين الأوربيين والمثقفين مثل رئيس الوزراء السويدي غالمار برانتينغ والبارون الهولندي فان فريدنبروخ والكاتبة البريطانية الليدي فرانسيس ايفيلين وورويك.

رأوا "العار الأسود" كما رآه رئيس الوزراء الايطالي السابق فرانشيسكو س. نيتي كعار ثقافي، عار أوربي. ولم يكن رئيس الوزراء نيتي هو الوحيد الذي اعتبر إخضاع الشعب الألماني المتقدم ذي الحضارة لسيادة "الجنود الزنوج" إذلالا وخيم العواقب، بل إشارة لإهانة واغتصاب ألمانيا على يد القوى المنتصرة.

وقد عبر هذا الإيطالي عن ذلك قائلا: " من كانوا يمثلون بالأمس أجناسا من أكلة لحوم البشر أصبحوا اليوم في بلد أكبر مفكري أوروبا". وقد تبنى هتلر هذه الفكرة فيما بعد.

تفسر المؤلفة البعد الثقافي والسلطوي "للعار الأسود"، كتعبير عن القلق المتزايد جراء انهيار نظام السلطة الاستعماري خلال الحرب العالمية الأولى والذي افتُرض من قبل أنه سيطرة بديهية للإمبريالية البيضاء.

هذا يوضح أن العنصرية للأسف ليست ظاهرة محددة بعصر، وإنما نمط من انتزاع الإنسانية يمتد على مدى تاريخ الاستلاب. ولا ينبغي لتعقيد العنصرية المعروض أن يثبط من العزم على المشاركة في التغلب عليها.

بقلم راينر بومرن
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
صدر المقال في صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتوغ

إيريس فيغر: "العار الأسود على نهر الراين" تمييز عنصري بين الأجناس والطبقات والقوميات والأعراق