اردوغان...بين الاعدام وحريم السلطان!

في ظل اخفاق المعارضة السياسية في تحقيق أي تقدم شعبي على الارض بسبب تعنتها الايدلوجي أو السياسات التقليدية القديمة، وعجزها عن تجديد نفسها بشكل قوي وطرح بديل سياسي موثوق، يبقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مهيمنا على المشهد السياسي التركي وأجندته، كما يبقى حزبه الاكثر شعبية في تركيا، كما يكتب يوسف الشريف من العاصمة التركية انقرة.



هو يبدأها وهو يضع النقطة الاخيره فيها، من دون أن يعرف أحد لماذا بدأت والى ماذا انتهت. إنه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وهي السجالات الاجتماعية و السياسية الغريبة التي يفرضها اردوغان بغته على اجندة تركيا، فتغير اولويات النقاش والاهتمام السياسي والاعلامي وتغييب وتغطي على مسائل سياسية شائكة محرجة للحكومة، وبشهادة كثيرين من السياسيين والاعلاميين، احترف أردوغان هذه «الحيلة السياسية» التي تأخذ تركيا الى عالم افتراضي ساخن يُلهيها عن متابعة القضايا السياسية والاقتصادية الحقيقية.


وعندما فُجع الشارع التركي بمقتل 34 مهرباً كردياً بقصف للطيران التركي من طريق الخطأ ظناً بأنهم مسلحون من حزب العمال الكردستاني في كانون الأول (ديسمبر) 2011، خرج أردوغان فجأة بموضوع قانون الاجهاض والولادة القيصرية الذي تم اجهاض القسم الاكبر منه بعدما أدى مهمته بشغل الرأي العام عن قضية القتلى الاكراد والمطالبة بتحقيق شفاف للكشف عن المسؤول.

تحايل اردوغاني على الراي العام التركي الصورة د ا بد
خرج أردوغان في شهر كانون الثاني فجأة بموضوع قانون الاجهاض والولادة القيصرية الذي تم اجهاض القسم الاكبر منه بعدما أدى مهمته بشغل الرأي العام عن قضية القتلى الاكراد والمطالبة بتحقيق شفاف للكشف عن المسؤول.

​​
فلا المسؤول عن الحادث ظهر ولا قانون الاجهاض تم اقراره كما وعد وتوعد أردوغان. وعندما بدأت تلوح بوادر أزمة بينه والرئيس عبدالله غول على خلفية تباين موقفيهما من الاحتفال بعيد الجمهورية والتعامل مع المتظاهرين الاتاتوركيين والعلمانيين. أردوغان طالب بقمعهم من دون تردد وغول تدخل لاعطائهم حرية التظاهر.


خرج أردوغان بسجال جديد حول رغبته في عودة عقوبة الاعدام الى القانون الجنائي، اقتراح صدم وشغل الجميع في تركيا وأنساهم ما حدث بين أهم زعيمين سياسيين في تركيا، حتى خرجت وزارة الخارجية التركية ببيان تؤكد فيه التزام الحكومة معايير الاتحاد الاوروبي وعدم جدية الحديث عن عودة عقوبة الاعدام، وتركت القضية وراءها تساؤلات حول مغزى طرح رئيس الوزراء موضوعاً كهذا من دون سند سياسي أو شعبي.


وأخيراً وليس آخراً كان مسلسل «حريم السلطان» الشهير آخر ما لجأ إليه أردوغان للتغطية ربما هذه المرة على نقاشات بطاريات «باتريوت» التي سينشرها الناتو على الحدود التركية - السورية بعد نفي أردوغان وبشدة هذا الخبر سابقاً، اذ اعتبر أردوغان ان السلطان سليمان، اشهر وأقوى السلاطين العثمانيين والملقب بالقانوني، امضى 30 عاماً على ظهور الخيل في الفتوحات والمعارك، وليس كما يصوره المسلسل الدرامي أسير حرب نسوية ساخنة في أرجاء القصر السلطاني، مشيراً الى أن حكومته تسير على خطى «السلطان العثماني المظفر»، لذا فهي تهتم بملفات الجوار الاقليمي تأثيراً ومتابعة، ومن لم يعرف السلطان القانوني على حقيقته فإنه لن يفهم أردوغان وسياساته الحالية.

السلطان اردوغان واخفاق المعارضة السياسية

السلطان اردوغان واخفاق المعارضة السياسية الصورة د ب ا
هل يريد أردوغان أن يكون سلطاناً بالفعل خصوصاً بعدما أمر ببناء مسجد كبير على تلة شاملجه، اعلى تلة في الطرف الآسيوي من اسطنبول، تمكن رؤيته من كل مكان في اسطنبول وينافس المسجد الازرق ومسجد السليمانية العثمانيين؟ أردوغان يؤكد عزم حكومته على الارتقاء بتركيا الى مراتب الدول العشر الأكثر تقدما

​​
ودفعت هذه التصريحات المعارضة الى القول ان أردوغان يريد أن يكون سلطاناً بالفعل خصوصاً بعدما أمر ببناء مسجد كبير على تلة شاملجه، اعلى تلة في الطرف الآسيوي من اسطنبول، تمكن رؤيته من كل مكان في اسطنبول وينافس المسجد الازرق ومسجد السليمانية العثمانيين، وبعد موافقته على تصميم يشبه تماماً المسجد الازرق في ساحة السلطان أحمد لبناء المسجد الجديد بينما كان الجميع ينتظر ان يكون المسجد الجديد يحمل لمسات من المعمار الحديث.


وفي ظل اخفاق المعارضة السياسية في تحقيق أي تقدم شعبي على الارض بسبب غرقها في الايديولوجيا أو السياسات التقليدية القديمة، وعجزها عن تجديد نفسها بشكل قوي وطرح بديل سياسي موثوق، يبقى أردوغان وحزبه الاكثر شعبية في تركيا.


ويرى البعض أن جزءاً من هذه الشعبية مرتبط بقدرة اردوغان على تفجير هذه النقاشات وخلق مواقف غير مسبوقة تجعل الشارع مشغولاً دائماً، وينتظر ما سيجود به اردوغان من قنبلة جديدة تشغله لبعض الوقت مستقبلاً. ولعل النقاش ولو شغل الشارع عن حقيقة سياسات الحكومة، فإنه يخلق متعة تكسر الرتابة وتنسي المشاكل، تماماً كما يحدث في برامج العروض الحية أو ما يعرف اصطلاحاً بـ "لايف شو".

 

يوسف الشريف
حقوق النشر: الحياة اللندنية 2012