هل تصبح الوحدة الجغرافية للعراق محل نقاش؟

يرى بيتر فيليب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في دويتشه فيله، ان الهجوم على مراقد الأماميين في السامراء لا يمكن أن يصنفه المرء الا انه "قمة الإرهاب". فالأمر هنا لم يتعلق، حسب فيليب، "بإلحاق أضرار مادية" بالخصم، وإنما أبعد من ذلك بكثير.

القبة الذهبية بعد الانفجار في السامراء، الصورة: أ ب
العبرة التي يجب أن يستخلصها القادة السياسيون والدينيون في العراق هو أن الحل الامثل لتفادى الانقسام الطائفي في العراق هو الإسراع في إنشاء دولة علمانية: هذا هو رأي بيتر فيليب

​​

المهاجمون، حسب رأي فيليب، يعرفون جيدا أن هجوما من هذا النوع سوف يثير مشاعر الغضب والحنق لدى أبناء الطائفة الشيعية، مما سيدفعهم حتما إلى الخروج إلى الشوارع وصب غضبهم على المتهم الأول في هذه الحالة وهي الجالية السنية.

وهذا ما حصل بالفعل. فإحراق المساجد وأحداث القتل هنا وهناك تصب في صالح المهاجمين، وكأن خطتهم تنفذ بحذافيرها، رغم تحذير جميع الأطراف وعلى رأسها المرجعيات الدينية للمذهبين السني والشيعي من الإنجرار وراء هذه السيناريو المرعب.

ويرى فيليب أن العبرة التي يجب أن يستخلصها القادة السياسيون والدينيون في العراق هو أن الحل الامثل لتفادى الانقسام الطائفي في العراق هو الإسراع في إنشاء دولة علمانية بمعنى الكلمة تقوم على أساس الفصل التام للدين عن السياسة. فبهذه الطريقة فقط يمكن تفادي استغلال الجماعات المسلحة للاختلافات المذهبية بين طوائف العراق المختلفة.

وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى إن المرء ربما يخطئ عندما يتحدث عن "الشيعة" أو "السنة" في العراق ككيان طائفي ذي توجه واحد يتشابه في كل الظروف. فهناك نسبة عالية من الشيعة ممن يحملون شهادات علمية عالية، بعضهم مازال يحمل الفكر الشيوعي، ترفض فكرة الدولة الدينية وتؤمن بالعلمانية كأسلوب حكم، كما أن داخل المجموعات الشيعية المحافظة نفسها اختلافات عميقة كتلك القائمة بين التيار الصدري وتيار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وبناء عليه يمكن القول أن دولة دينية في العراق لن تكون بالضرورة لصالح الشيعة بالرغم من تمتعهم بالأغلبية في البلاد.

الحرب الأهلية منطق مغلوط

في الوقت الذي ترجح فيه آنيا بيستورـ هاتام، من معهد العلوم الإسلامية في جامعة كيل في شمال ألمانيا، سيناريو انزلاق العراق إلى حرب أهلية نظرا لتعارض مصالح الطوائف فيه واتساع الفجوة القائمة بينها، ترى البرفسورة في العلوم الإسلامية من جامعة برلين الحرة غودرون كريمر أن استخدام مصطلح "حرب أهلية" للدلالة على الوضع القائم في العراق هو منطق مغلوط ويعبر عن قراءة غير دقيقة للوضع.

فالمواجهات القائمة في العراق هي في الواقع "ليست بين السنة والشيعة بالمعنى الدقيق للكلمة، وإنما بين أنصار مجموعات ومنظمات وأحزاب متنوعة ومتشعبة بهدف إلحاق الأذى بالآخر." وأشارت كريمر في حديث مطول مع DW-WORLD.DE أن هذا الاعتداء هو ليس الأول من نوعه الذي يوجه إلى أماكن دينية مقدسة.

ففي مختلف الصراعات التي تختلط فيها السياسة بالدين كانت هناك دائما هجمات على دور عبادة للمسلمين واليهود والمسيحيين، مشيرة في هذا السياق الى حريق المسجد الأقصى عام 1999 واحتلال الكعبة من قبل مسلحين متطرفين عام 1979.

وترى البرفسورة التي تتكلم العربية وتعرف العالم العربي والإسلامي جيدا ان مثل هذه الهجمات تصيب الخصم "معنويا"، وهذا هو المقصود في نهاية الأمر. وفي معرض ردها على سؤال يتعلق باتهام الولايات المتحدة وحلفاءها بمثل هذه الهجمات قالت كريمر:

"من حيث المبدأ يمكن للمرء أن يسوق بعض الحجج التي تحمل الولايات المتحدة الأمريكية جزءا كبيرا من المسؤولية على ضوء انعدام الأمن وتصاعد العنف بسبب غزو العراق وتغيير النظام فيه، ولكن ليس من المنطق تبني الرأي القائل أن الولايات المتحدة تقف خلف الهجوم على مزار القبة الذهبية". يذكر أن أطراف عدة منها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وحزب الله اتهما الولايات المتحدة بتنفيذ الهجوم.

سيناريو دولة الكنتونات

بعد انهيار نظام صدام حسين جرى الحديث دوما عن خطر تقسيم العراق جغرافيا على أساس طائفي يقود إلى دولة كنتونات. الخبير في معد الدراسات الشرقية في "جامعة هاليه" الألمانية، كورت فرانس، يرى أن هذا السيناريو ما يزال قائما وتبدو تداعياته على مستقبل العراق والدول المجاورة أخطر بكثير من تلك المتأتية من خلال حرب أهلية.

ففي حديث مع DW-WORLD.DE يرى المستشرق الألماني أن العراق ربما يصبح بالمفهوم الجغرافي الذي نعرفه اليوم "دولة عاجزة failed state". هذا الأمر قد يؤدي إلى "بروز شكل آخر من أشكال تقسيم السلطة في العراق يتمثل في قيام دولة كردية في الشمال، ودولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط يمكن أن تسيطر فيها مجموعات متطرفة مثل جماعة الزرقاوي على السلطة."

قد يكون رأي الخبير من الناحية النظرية صحيحا، ولكن من الناحية العملية يمكن القول أن هذا السيناريو، وان كان هناك من يدعمه ويعمل على تحقيقه في العراق، يصطدم برفض إقليمي مطلق سواء من جانب تركيا التي ترفض فكرة قيام دولة كردية مستقلة رفضا باتا وستعمل على منع ذلك حتى لو اضطرت الى استخدام القوة العسكرية، وكذا الحال بدول الخليج وخصوصا السعودية التي تقاوم فكرة إنشاء دولة شيعية في جنوب العراق يكون لإيران سلطو واسعة فيها.

حقوق الطبع دويتشه فيله 2006

قنطرة

العراق والديمقراطية
هيمنة الدين والتقاليد العشائرية على السياسة العراقية الحالية هو نتاج نظام البعث العربي الاشتراكي الذي خرب أثناء فترة حكمه البنية التحتية لبناء مجتمع مدني ومشهد سياسي تعددي. تحليل سامي زبيدة.