كيف دمر نظام الاسد سوريا وشعبها بشكل منهجي؟

يرى المحلل السياسي المعروف خالد الحروب أن نظام الأسد يتحمل مسؤولية الوضع الراهن في سوريا، لأنه عمل منذ انطلاق الثورة السلمية على عسكرتها وتشويه أسلوبها السلمي، كما يتحمل مسؤولية تكريس الطائفية وتدمير النسيج الوطني السوري، علاوة على التدخل الخارجي بهذه الصورة، اذ كان رده الوحيد على مطالب الحرية والكرامة هو المزيد من الدماء وسلسلة لا تنتهي من المجازر.

الكاتبة ، الكاتب: Khaled Hroub

سلسلة الكوارث التاريخية التي جلبها نظام الاسد الاب على سوريا وعلى العرب خلال العقود الماضية يُتوجها نظام الاسد الابن بإضافات كارثية وإجرامية سوف تدخله الصفحات السوداء في التاريخ. الآلة الدعائية للنظام وأبواقه، الذين يطبلون ويزمرون على وتر “الممانعة” و”المقاومة” وشعارات استغباء الناس يعيدون تدوير الكوارث والجرائم التي ارتكبها النظام، ثم يتهمون بها الشعب السوري نفسه وثواره.

النظام يخلق الكارثة ويقوم بتصنيع الجريمة المادية والسياسية والاخلاقية ثم يتصايح ضد معارضيه متهما اياهم باختلاقها، ويبدأ بالنواح والندب الحاراتي والتجييشي مدعيا البراءة والطهر. ليست هذه عبقرية في الأداء، بل هو انحطاط اخلاقي مطلق تنسخه الدكتاتوريات بعضها عن بعض في في تكرار يستدعي الاشمئزاز اكثر من اي شيء آخر.

لكن العبقرية التي يجب ان يُشهد للنظام فيها هي استمراره التلاعب في توظيف أصوات كثيرة ما زالت مخدوعة بقصة “ممانعة النظام” و”المخطط الاستراتيجي”، الذي يستهدف إسقاطه. لنتأمل جردة الكوارث التي “ابدع” الاسد الابن في جلبها على سوريا والعرب في زمن قياسي ويصر مناصروه على ادارة ظهورهم لها وغض النظر عنها، وهي حقائق سجلها الواقع ولا يزال.

نظام الأسد أراد عسكرة الثورة السورية

نظام الأسد يتحمل مسؤولية الوضع الراهن في سوريا، لأنه عمل منذ انطلاق الثورة السلمية على عسكرتها وتشويه أسلوبها السلمي، وفق تحليل خالد الحروب

​​

الكارثة أو الجريمة الاولى، التي ارتكبها النظام تتمثل في عسكرة الثورة السورية ودفعها دفعا الى السلاح. لا أحد عنده ذرة من الاخلاق يمكن أن يجادل في اصرار الثورة وعلى مدار اشهر طويلة على سلمية الاداء وسلمية الادوات.

كان السوريون وببساطة يستلهمون التجربتين التونسية والمصرية حيث اسقطت الثورات هناك النظامين الديكتاتوريين عبر الاحتجاج السلمي والمظاهرات ومن دون اللجوء الى السلاح. الحس الشعبي العام، فضلا عن الوعي النخبوي، كان يدرك في كل هذه الحالات وعلى رأسها الحالة السورية ان استخدام السلاح هو امنية النظام والاجهزة الامنية، وهو ما تريد هذه الاجهزة توريط الناس فيه. فما أن يتم استخدام قطعة سلاح واحدة حتى تنطلق فيالق وفرق الامن والجيش والدبابات لتسحق “العصابات الارهابية المسلحة”، كما يدعي اعلام النظام وأبوقه.

ومرة اخرى تنسخ الدكتاتوريات عن بعضها البعض هنا إذ تستفزها حركات الاحتجاج السلمي لأنها تكبل يدها الأمنية المتوحشة وتسحب منها مسوغ “الضرب بيد من حديد”. ولها فإن الممارسة التقليدية هي توفير السلاح في الشارع واغراء اية عناصر باستخدامه وسط الاحتجاجات السلمية، وإن لم ينجح هذا فلا بأس من قتل بعض عناصر الامن هنا أو هناك واتهام “العناصر الارهابية” و"المتسللين" بذلك، وبهذا يتم قمع الثورة السلمية بأعتى قدر من البطش المسلح. النظام السوري اتبع هذا النص حرفا بحرف، وعلى مدار اشهر طويلة من الاحتجاج السلمي امعن في القتل والبطش وفي عسكرة الاحتجاجات، حتى صارت الثورة مسلحة فعلا.

وهنا دخلت سوريا والشعب السوري نفقا مظلما، لأن فتح الساحة السورية للعمل المسلح كما هو الوضع حاليا يعني خروج السيطرة عليه من يد الدولة الباطشة نفسها، ومن يد الثوار. نظام الاسد هو الذي يتحمل هذه الجريمة الكبرى، وهو الآن وابواقه يتصايحون بأن هناك جماعات مسلحة وقاعدة وسلفيون جهاديون يقاتلونه في سوريا. النظام ولا احد غير النظام هو الذي تسبب في الوضع الراهن.

نظام الأسد كرس الطائفية ودمير النسيج الوطني السوري

تواصل القصف العنيف اليوم من القوات النظامية السورية على أحياء في مدينة حمص وسط تحذير المعارضة مرة جديدة من مجزرة كبيرة في حال اقتحام المدينة

​​

الكارثة أو الجريمة التاريخية الثانية التي ارتكبها نظام الاسد الابن هي اعادة انتاج جريمة من ذات الصنف ارتكبها الاسد الاب، وهي تكريس الطائفية وتدمير النسيج الوطني السوري. ومرة أخرى هناك سوف تسجل الوقائع التاريخية على الارض كيف أن الثورة والناس العاديين كانوا يضعون يدهم على قلبهم في كل خطوة يخطوها في الشهور الاولى، نافيين عنها أي بعض أو شعار طائفي.

كان الجميع مستحوذ بالتركيز على سوريا والسوريين وبأن الثورة فيها الكل وتعبر عن الكل، وهو ما كان ولا زال الواقع وكل ذلك هروبا الى آخر الشوط من اية تصنيفات طائفية. لكن النظام الذي ترعرع على سياسة فرق تسد وتوظيف هذا الطرف السياسي او الطائفي ضد ذاك، سواء في سوريا أو لبنان، سحب من الرف وسيلة التسعير الطائفي والاحتماء بالطائفة.

وهكذا ومرة أخرى بدت العقلانية والحرص الشديد النابع من حس السوريين وخشيتهم على بلدهم في واد لا علاقة له بواد العفن السياسي الذي يرتع فيه النظام. شغّل النظام شبيحته لإمعان القتل والتقتيل الطائفي في المدن والقرى المختلطة طائفيا. وسرعان ما برزت وتجذرت خطوط التماس الطائفي.

وبطبيعة الحال تفاقم الخطاب الطائفي، لأن هناك جماعات أصولية تقف على الحدود الجغرافية والفكرية تفرك يديها كي تنزلق الامور في سوريا على ذلك النحو لأنها وإن كانت تختلف مع النظام طائفيا وايديولوجيا، إلا أنها تلتقي معه في العفن العقلي والطائفي وتقسيم الناس والاوطان بحسب التفاهات الطائفية. نظام الاسد مسؤول تاريخيا عن مستنقع الطائفية الذي يدفع الجميع اليه في سوريا، ومع ذلك يتصايح هو وأبواقه متهمين الاخرين بالطائفية واستخدامها.

الأسد يتحمل مسؤولية استدعاء التدخل الخارجي

سوف تنتهي الامور في سوريا بتدخل خارجي بسبب اجرام النظام وتعنته ورفضه لكل الحلول والمبادرات السلمية. نظام الأسد هو المتسبب في ذلك، لكنه يدور اعلامه وابواقه في كل مكان ويتهم الاخرين بما اقترف من جرائم، وفق تحليل خالد الحروب.

​​

الكارثة أو الجريمة التاريخية الثالثة التي يرتكبها نظام الاسد الابن هو استدعاء التدخل الخارجي بهذه الصورة او تلك. لم يستمع النظام للإحتجاجات السلمية، ولم يلق بالا لأية مبادرات سياسية إن من قبل الجامعة العربية او الامم المتحدة، ولم ينظر بأي قدر من الجدية للمعارضين والثورة بملايينها واعتبرهم عملاء للغرب وارهابيين وسوى ذلك.

كان رده الوحيد على مطالب الحرية والكرامة هو المزيد من الدماء وسلسلة لا تنتهي من المجازر والاستئساد على الاطفال الرضع وذبحهم في أسرتهم. يحتمي النظام بنظام نظير له في انعدام الحس الانساني والاخلاقي وهو نظام موسكو.

لكن هذا الاحتماء لا يمكنه بطبيعة الحال منع سيل الصور اليومية التي تنقل مستوى الجرائم والمجازر التي يرتكبها النظام, ولا يأبه لها. عدم الاكتراث بأثر الاعلام يدلل على غباء اضافي عند نظام الأسد الفاشي إذ يظن ان بإمكانه النجاة من الثورة والبقاء في الحكم رغم كل الدم الذي اريق. ثم يظن ان الرأي العام العربي والعالمي سوف يظل صامتا أمام هذه الجرائم بسبب الحماية الروسية.

العالم لا يعيش في زمن الحرب الباردة حيث يستطيع دكتاتور مثل بول بوت أن يقتل مليونا أو اثنين من شعبه في ما العالم مشلول الحركة يراقب ولا يستطيع التدخل. سوف تنتهي الامور في سوريا بتدخل خارجي بسبب اجرام النظام وتعنته ورفضه لكل الحلول والمبادرات السلمية. نظام الأسد هو المتسبب في ذلك، لكنه يدور اعلامه وابواقه في كل مكان ويتهم الاخرين بما اقترف من جرائم.

 

خالد الحروب

حقوق النشر: موقع قنطرة 2012

مراجعة: لؤي المدهون