عوائق لغوية خلال العلاج النفسي للمهاجرين في ألمانيا

يعتبر الكلام أثناء معالجة الاضطرابات النفسية جزءًا مهمًا من العلاج. ولكن كيف تكون المعالجة النفسية ممكنة حين لا يتكلم المريض والمُعالِج اللغة ذاتها؟ هذا الأمر يضع المهاجرين في ألمانيا أمام مشاكل كبيرة. ماركوس لوتيكه بحث لنا حول متعلقات هذه المشكلة في ألمانيا.

الكاتبة ، الكاتب: Marcus Lütticke

يعاني سنويًا حوالي ثلث الراشدين في ألمانيا من اضطرابات نفسية مؤقتة على الأقل. هذا ما تبينه الأعداد الراهنة الصادرة عن معهد روبرت كوخ. لكن ليس كلّ هذه الاضطرابات تستدعي العلاج، فأحيانًا يكفي للعلاج مجرد القيام بتمارين استرخاء أو إحداث تغيير ما في بيئة الشخص المعني. لكن لا بدَّ من الاستعانة بالعلاج النفسي إذا كانت درجة المعاناة شديدة.

 بيد أنَّ البحث عن المعالج المناسب ليس بالأمر السهل، ففي أغلب الأحيان تكون فترات الانتظار حتى البدء بالعلاج طويلة، كما تكمن أهمية كبيرة في العلاج النفسي بالذات في قدرة المُعالِج والمريض على فهم بعضهما البعض، شخصيًا ولغويًا على حدٍّ سواء.

 يشكل هذا مشكلة كبيرة للمهاجرين المقيمين في ألمانيا إذا كانت معرفتهم باللغة الألمانية ضئيلة أو غير متوفرة، فعند زيارة الطبيب يمكن غالبًا أن يترجم أحد أفراد العائلة أو أحد الأصدقاء، إلا أنَّ هذه الإمكانية تغدو عمومٍا غير واردة في جلسات العلاج النفسي، فالقضايا التي يتم تناولها خلال الجلسات تكون شخصية للغاية، وغالبًا ما تتناول وضع الأسرة أو المحيط الاجتماعي.

  مساعدة من قِبَل وسطاء اللغة والاندماج "سبرينت"

مترجم ذو معرفة بالعلاج النفسي في جلسة علاج نفسية حقيقية.  Photo: picture-alliance/dpa
Bei Arztbesuchen sind Übersetzungen leichter als bei einer Psychotherapie.

يمكن ملء هذه الفجوة بالاستعانة بمترجمين مؤهلين تأهيلاً خاصًا ويتمتعون بمعرفةٍ اختصاصيةٍ وثقافية. حاليًا يتم في تسع ولايات انطلاقًا من منظمات الرعاية الاجتماعية البروتستانتية (دياكوني) في مدينة فوبرتال تأهيل ما يسمى بـــ "وسطاء اللغة والاندماج" بحسب معايير موحَّدة ومنحهم الشهادات، وتوفير خدماتهم للجهات المعنية. وسطاء اللغة والاندماج "سبرينت" أنفسهم هم بشكل عام من المهاجرين ممن يجري إعدادهم للقيام بمهماتهم من خلال تأهيلٍ مهنيٍ يستغرق 18 شهرًا، ينال المشاركون بعده شهادة "سبرينت الموحَّدة" الصالحة في كل الولايات الألمانية، والتي تمنحها ثلاث جامعات ألمانية.

 هايكه تيمِن تدير المشروع في مدينة فوبرتال، وتقول عن مهام وسطاء اللغة والاندماج المتنوعة: "يعمل وسطاء اللغة والاندماج في مراكز العمل (Jobcenter) عندما يكون هناك داعٍ للتوسّط، لكنهم يذهبون أيضًا إلى جلسات العلاج وينضمون إليها لفترات مطوّلة من مسار العلاج"، حيث يكونون وسطاء بين المعالِجين والمرضى.

دود الفعل الواردة من عيادات العلاج النفسي إيجابية في الغالب، بحسب تيمِن التي تقول: "بطبيعة الحال هناك من يقول بأن الشخص الثالث (هكذا يُشار غالبًا للوسطاء) قد يشكّل عائقًا في الغرفة"، لكنها تضيف من ناحية أخرى قولها: "سمعت من معالجين أيضًا، بأن وجود الوسيط يتيح لهم المجال لإدراك لغة الجسد لدى مرضاهم بشكلٍ أفضل".

 نقص في عدد عيادات العلاج النفسي

راينر ريشتر، رئيس غرفة المعالجة النفسانية في ألمانيا. Foto: BPtK
Rainer Richter, Präsident der Bundespsychotherapeutenkammer, wünscht sich bessere Angebote für Migranten.

هذا ما يؤكده أيضًا راينر ريشتر المُعالِج النفسي ورئيس الغرفة الاتحادية للمعالجين النفسيين بقوله "للتواصل البصري وتعابير الوجه والإيماء أهمية كبيرة للغاية". ومع ذلك لا يعتبر العلاج النفسي بوساطة الترجمة إلا ثاني أفضل خيار غالبًا، بينما يكون تحدُّث المُعالِج والمريض لغةً واحدة هو الحالة المثلى، لذا تدعو الغرفة الاتحادية للمعالجين النفسيين في ألمانيا منذ فترة طويلة لتوفير المزيد من العلاجات النفسية باللغة الأم.

 ليس هناك بحسب راينر ريشتر نقص في أعداد المعالجين الذين أتمّوا تعليمهم ويتقنون لغات أجنبية. "لكنهم لا يحصلون على ترخيص بمزاولة العمل". فكما هي الحال لدى الأطباء، هناك تحديدٌ من الدولة لعدد المعالجين النفسانيين في ألمانيا ممن يُسمح لهم بافتتاح عيادة وتقاضي أتعابهم من شركات التأمين الصحِّي. ويرى راينر ريشتر أن ألمانيا عمومًا تعاني من نقص في المعالجين النفسيين المزاولين لمهنتهم، بيد أن شدة النقص في العروض المتاحة للمهاجرين كبيرة للغاية، ويرى أيضًا أنه تتوجَّب زيادة تراخيص عيادات المعالجين في المناطق التي تسكنها نسبة مرتفعة جدًا من جالية معينة من المهاجرين.

 التمويل غير مضمون

القدرات اللغوية للأطباء والمعالجين النفسانيين الأخصائيين بالأطفال واليافعين يمكن الاطلاع عليها عن طريق برنامج حاسوبي للبحث لدى جمعية أطباء التأمين الصحي القانوني. وفي مدينة ألمانية مثل كولونيا، حيث يعيش أكثر من 60 ألف شخص يحملون جوازات سفر تركية، لا يوجد في قاعدة البيانات إلا معالجان نفسيان اثنان يتمتعان بإتقان اللغة التركية.

 لا يوجد عمومًا حق في تمويل كلفة علاج باللغة الأم أو بمساعدة مترجم. ووفقًا لحكم أصدرته المحكمة الاتحادية الاجتماعية، لا يُعتبر تمكين التواصل اللغوي بين المعالج والمريض بلغة أجنبية ضمن نِطَاق خدمات شركات التأمين الصحي القانوني. ومع ذلك تتكلّف بعض شركات التأمين دفع هذه المستحقات بشكل طوعي. وقد بيّنت الحكومة الاتحادية السابقة في إجابتها على سؤال للكتلة النيابية لحزب الخضر في نيسان/ أبريل 2013 بأنها غير عازمة على تغيير شيء بهذا الصدد.

 

 

 

ماركوس لوتيكه

ترجمة: يوسف حجازي

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2014