النخب الحاكمة لم تتغير

الاعتقالات الأخيرة في سوريا تشكك في مدى استعداد السلطة في دمشق للقيام بإصلاحات جدية في مجال الحريات المدنية. الصحفي السوري على الأتاسي يتحدث في الحوار التالي عن وضع المجتمع المدني في سوريا.

بشار الأسد، الصورة: أ ب
النخب الحاكمة لم تتغير

​​

ما هو الوضع الحالي للمجتمع المدني في سوريا؟

محمد علي الأتاسي: المجتمع المدني في سوريا قد لا يتطابق مع التعريف الدقيق في علم السياسة مثلما تطور في الغرب. على سبيل المثال، المنظمات غير الحكومية المستقلة ممنوعة قانونيا في سوريا. ولكن هناك مبادرات سياسية خارج الإطار الرسمي للحكومة السورية التي يمكن اعتبارها تحت سقف مصطلح المجتمع المدني.

بالرغم من سنوات القمع السياسي، لا تزال الانشطة السياسية موجودة في سوريا كنوع من الدفاع عن الذات، لكن الخوف يبقى قويا بين السوريين، بالرغم من انه في نهاية عهد حافظ الاسد تم اطلاق سراح عدد محدود من السجناء السياسيين، ولكن المجتمع المدني ما زال مهمشاً.

عندما تسلم بشار الاسد الحكم وعدّل الدستور في غضون 30 دقيقة، شعر بعض المثقفين والمعارضين أن الوقت قد حان لفعل شيء ما. في بداية عهد بشار لم يكن واضحاً كيف ستتطور السياسية ،وبدأ عهد من الانفتاح النسبي والتسامح.

وعلى النقيض من العراق حيث تم اغتيال معظم المثقفين والمعارضين أو أكرهوا على العيش في المنفى، لم تخسر سوريا مثقفيها. هؤلاء بدأوا بنشر العرائض وتنظيم المنتديات لبحث القضايا السياسية، ونشأ ما سُمي بربيع دمشق.

ثلاثة مطالب رئيسية تمت صياغتها في ذلك الوقت: رفع قانون الطواريء، اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح بعودة المنفيين السياسيين، تنفيذ الإصلاح السياسي.
ولكن في 2001 مع اعتقال اربعة من المعارضين البارزين، رياض الترك، رياض سيف، مأمون الحمصي والدكتور عارف دليلة، جاءت النهاية السريعة لربيع دمشق، ومجددا بدأ النظام في تهديد المجتمع.

لكن الوقت تغير. الثورة في تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة الى التغيرات الاقليمية الواسعة، جعل من المستحيل على الحكومة اعادة سوريا الى سجن كبير ثانية ، واصبح المجتمع السوري مكشوفا بشكل متنام للعالم الخارجي.

بعد خمس سنوات من حكم بشار الاسد اصبح من الواضح أن الإصلاحات الاقتصادية لا يمكن أن تنجح بدون اصلاحات سياسية، غير ان النظام رفض تنفيذ هذا الاصلاح السياسي، هناك حاجة للضغط، ليس فقط من خارج سوريا بل ايضاً من الداخل.

ما هو تأثير انهيار أجهزة الامن السورية-اللبنانية في لبنان على سوريا والمجتمع المدني السوري؟

الأتاسي: أجهزة الأمن تلعب الدور الأساسي في سوريا. وقد أسست نظاماً مبنيا على الخوف. وقد هُزم هذا النظام في لبنان. حاليا لا يعُتقل قادة سياسيون كما في السابق، ولكن هذا لا يعني ان هناك تغييرات أساسية. هذا النظام الذي اصبح أضعف من ذي قبل ما زالت القوة في أيدي نفس النخب الحاكمة مما يعيق فرص التحسين الفعلي.

ما هو الدور الذي من الممكن أن تلعبه الاحزاب السياسية المختلفة في عملية الإصلاح؟

الأتاسي: تحدثت الحكومة عن اصدار قانون سينظم نشاط الاحزاب السياسية، ولكني لا اعتقد انها مهتمة فعلا بالسماح لممثلين سياسيين بالمشاركة في الحياة السياسية. الحكومة تريد فقط منح نفسها شرعية جديدة.

وقد حان الوقت لاحزاب المعارضة أن تتحد. إنها تعيش في الماضي أكثر من الحاضر، على المجموعات اليسارية والليبرالية بالإضافة الى الاخوان المسلمين ان يشكلوا تحالفاً ويعملوا على أساس برنامج وطني مشترك. أحزاب المعارضة تحضر حالياً المؤتمر الوطني للحوار، نحن في حاجة لشخصيات سياسية جديدة تتحدث عن هموم المجتمع.

ما هو الدور الذي يلعبه الناشطون في مجال حقوق الانسان؟

الأتاسي: هناك عدد قليل من مجموعات حقوق الانسان في سوريا، لكنها ليست جميعها مهتمة بحقوق الانسان، العديد من الناشطين أكثر اهتماما بالشؤون السياسية. هم ناشطون في قضايا حقوق الانسان كبديل عن نوايهم السياسية.

كيف ترى دور الإسلاميين؟

الأتاسي: الإخوان المسلمون في سوريا تعلموا من التجربة المصرية، وأصبحوا معتدلين، بعد أن عانوا كثيرا في الثمانينات. يتم تصويرهم في الإعلام الغربي كبديل محتمل للحكومة السورية. هذا ليس صحيحاً، الاخوان المسلمون يمثلون جزءً من المجتمع السوري. التيار المتطرف فيها اُبعد في بداية الثمانينات من قبل الحكومة السورية.

هناك ايضاً الإسلام الرسمي الذي يتعاون مع النظام وهو غير متورط بالشؤون السياسية. يوجد بين السنة تيارات سياسية غير اسلامية. كذلك معظم المجموعات السنية الكردية لا تؤيد الفكر الاسلامي، اضافة الى أن هناك 20% من سكان سوريا هم غير سنة بل اقليات مختلفة. الاسلاميون في سوريا أقلية.

عودة الى لبنان، هل للتطورات في لبنان أي تأثير على سوريا؟

الأتاسي: الحالة في لبنان، حيث تمركزت القوات السورية، مختلفة جداً عن الحالة في سوريا. طالب المجتمع الدولي السوريين بالانسحاب. الوضع في سوريا ليس شأنا دوليامع احتمال تدخل أجنبي.

لكن التطورات في لبنان أثبتت للشعب السوري أن التغيير ممكن بالوسائل السلمية. كذلك بينت أهمية وحدة المعارضة لكي تحرك الناس من اجل التظاهر في الشارع. أخيراً وليس آخرا هم أثبتوا أن الجيش يمكن أن يبقى محايداً.

على أي حال علينا أن نتذكر أن لبنان كان مكشوفاً للعالم الخارجي أكثر من سوريا، وأن إعلامه أكثر استقلالية، وهذا يعود جزئيا الى وجود الإعلام الاجنبي في لبنان.

كل المظاهرات كانت تعرض على البث المباشر في التلفزيون، المعارضة لم تقمع، وهذا ما يجعل من المستبعد تكرار نفس الاحداث في سوريا.

اليوم، سوريا ضعيفة، فقد فقدت شركاءها السياسيين في المنطقة. الضغط الاميريكي على سوريا قوي. وعلى المسؤولين السوريين أن يدركوا انهم ان ارادوا حماية بلدهم من هذا الضغط، فعليهم ان يتعاونوا مع المعارضة والشعب لإنجاز التغيير السياسي.

المشكلات واضحة، وسوريا لا يمكنها أن تخبّئ مشاكلها المحلية عبر استخدام ذريعة الوضع في العراق او لبنان. على النظام السوري أن يبدأ الحوار مع شعبه.

لذا لا توحد فرصة أن يتبع السوريون النموذج اللبناني؟

الأتاسي: لا أعتقد ذلك. وكما قلت، الوضع في سوريا مختلف جداً. في لبنان كانت المشكلة بين دولتين، في حين أن المشكلة في سوريا هي بين الدولة وشعبها. الى جانب ذلك، هل اتبع اللبنانيون النموذج العراقي؟ هل اتبع التشيكوسلوفاكيين النموذج البولندي؟ كل بلد له خصائصه وحالته المحددة.

التغيير السياسي في سوريا يجب أن يأتي من الداخل، ولكن على اوروبا والغرب بشكل عام أن يستمروا في ضغطهم على النظام السوري من أجل تنفيذ الإصلاح السياسي واحترام حقوق الانسان. عليهم أن لا يقعوا في فخ الاقتناع أن الاسلاميين هم البديل للنظام، التهديد الاسلامي اُخترع من قبل النظام السوري ، لكنه لم يعد موجوداً.

أجرى الحوار برنهارد هيلنكامب
ترجمة وليد طه
حقوق الطبع قنطرة 2005
محمد علي الأتاسي صحفي سوري يكتب في الملحق الثقافي الأسبوعي في جريدة النهار اللبنانية.