هل يتكرر التاريخ مجددا؟

قبل 60 عاما هجّر ستالين مئات الآلاف من الشيشان من مواطنهم إلى سيبيريا وكازاخستان. وتتزامن هذه الذكرى مع حرب إبادة روسية ضد سكان هذه المنطقة. غسّان غوزينوف يفتح صفحة الماضي

الصورة: أ ب
نازحون شيشان

​​في 23 فبراير/شباط 1944 هجّر ستالين مئات الآلاف من الشيشان من مواطنهم إلى سيبيريا وكازاخستان. وتتزامن هذه الذكرى مع حرب إبادة روسية ضد سكان هذه المنطقة. غسّان غوزينوف يفتح صفحة الماضي

قبل 60 عاما لم يجر الحديث لا حول الإرهاب الدولي ولا حول الأصولية الإسلامية. في ذلك الحين اتهم سكان الشيشان وإنغوشيا بالتواطؤ مع قوات الاحتلال الألمانية. ومن خلال تلك الحجة استطاع ستالين أن يبرر وينفذ مشروع تشريد شعوب أخرى من شعوب الاتحاد السوفيتي.

سكان الفولغا الألمان طبقت عليهم مبكرا أي في عام 1941 إجراءات التشريد "الوقائية" أيضا. وحتى في عام 1944 أي عندما اقتربت نهاية الحرب تم تشريد سكان تتار القرم وقلموق وغيرهم من السكان المنحدرين من قبائل تركية أو من شعوب أخرى صغيرة ، وقد تم ذلك في ظل ظروف مروعة.

وعلى عكس حال الألمان أو تتار القرم الذين لم ينالوا أبدا من الاتحاد السوفيتي الحق في العودة إلى ديارهم تمكن سكان كل من الشيشان وإنغوشيا من الرجوع إلى القوقاز. فبعد ثلاث سنوات من موت ستالين أي في عام 1956 عاد معظم سكان هاتين الجمهوريتين الذين تبقوا على الحياة إلى ديارهم.

تهمة التواطؤ

تدل المراجع الأرشيفية التي سمح للباحثين في بداية التسعينيات باستعمالها لفترة قصيرة بما لا يقبل الشك على أن تهمة التواطؤ استغلت من قبل ستالين وحكومته حجة لتبرير احتلال القوقاز على نحو دائم.

وكانت الامبراطورية الروسية لم تضع سيطرتها على الشيشان وبعض المناطق الأخرى الواقعة شمالي القوقاز إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي بعد عقود عديدة من احتلال جنوب القوقاز. ولم يتحقق ذلك إلا من خلال تشريد أعداد كبيرة من سكان تلك المناطق إلى مناطق نائية تابعة للإمبراطورية العثمانية التي كانت تقع في ذلك الحين بالقرب من روسيا.

يعيش اليوم المنحدرون من تلك الأصول والذين تطلق عليهم تسمية المهاجرين في سائر أنحاء الشرق الأوسط بالمفهوم الشامل أي من الأردن امتدادا إلى مصر ومن إسرائيل إلى السعودية.

تجربة التشريد تركت آثارا عميقة

نالت المستعمرات الواقعة في وسط آسيا وفي القوقاز استقلالها لفترة قصيرة وذلك في عام 1917 عندما انهارت الإمبراطورية الروسية. ولكن إعادة تأسيس الإمبراطورية القديمة تحت تسمية جديدة هي "اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية" في العشرينيات من القرن العشرين لم تثن من عزم الشيشان على المقاومة. فقد دام الكفاح المسلح من أجل نيل الاستقلال حتى بداية الغزو الهتلري للاتحاد السوفيتي.

ولم ينجح ستالين في كبح جماح التطلعات الانفصالية لشعوب القوقاز الصغيرة على نحو حاسم إلا من خلال تشريدها بالقوة والتنكيل بها في نهاية الحرب العالمية الثانية تقريبا أي منذ تحول الاتحاد السوفيتي إلى دولة عظمى.

اعتبرت الدراسات التاريخية الرسمية للاتحاد السوفيتي حتى نهاية الثمانينيات حول تلك الفترة التاريخية بحكم المعدومة. ولم يسترد الشيشان حقوقهم ومركزهم إلا في بداية التسعينيات. وتشكّل تجربة التشريد بالنسبة لمعظم الشيشان الحدث الأهم في القرن العشرين فيما يتعلق بإدراكهم لهويتهم ومصيرهم.

الانفصالية والإسلام

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 ظهرت آمال جديدة بنيل الاستقلال من روسيا. فتساءل الناس في غروسني (عاصمة الشيشان) لماذا لا يتاح لهم ما تحقق لغيرهم الشعوب مثل أذربيجان وأوزبيكستان وأكرانيا.

وكان جواب روسيا على تلك التساؤلات حربين شنتهما على الشيشان. الحرب الأولى (1994-1996) انتهت بعقد اتفاقية سلام. أما الحرب الثانية فقد اندلعت عام 1999. اتسم توغل القوات الروسية في أراضي الشيشان بوحشية لا حدود لها، كما أن حرب العصابات التي شنها الثوار الشيشان ردا على ذلك لم تقل وحشية وإرهابا عن ذلك.

بناء على عدة مصادر نالت حركة الاستقلال الشيشانية أثناء المرحلة الثانية من الحرب دعما من قبل المنظمات الإسلامية الدولية. وبناء على المصادر الرسمية الروسية كافح بجانب الشيشان مواطنون من دول واقعة في منطقة الشرق الأوسط أو من تركيا. على الأرجح فإن هؤلاء الأشخاص ينحدرون من أصول "المهاجرين" الذين شردوا قبل قرابة 150 عاما من شمال القوقاز.

كفاح ضد الإرهاب أم دعم مقصود؟

يقر نشطاء حقوق الإنسان الروس والأجانب الذين زاروا مخيمات اللاجئين في إنغوشيا المجاورة للشيشان أو في جمهورية الشيشان نفسها بأن هناك مساسا فاضحا في المقاييس القانونية سواء لدى الجيش الروسي أو لدى ثوار الشيشان.

تسبب تصعيد الهجمات التي استهدفت الشيشان من قبل الرئيس الروسي بوتين الذي يصور تلك الهجمات بأنها تقع ضمن إطار مكافحة الإرهاب الدولي، لا فقط في مصرع آلاف السكان المدنيين في الشيشان بل أيضا في انتشار العنف الإرهابي في غيرها من مناطق الاتحاد الروسي.

تسوية النزاع بالطرق غير العسكرية

تعتقد القيادة الروسية الحالية على ما يبدو بأنها قادرة على احتواء حركة الشيشان الانفصالية من خلال حرب الإبادة، وذلك بمحاولة وضع هذه الحركة في ملف الإرهاب الدولي. وتعتقد روسيا بإمكانية الحيلولة دون حصول هذه الحركة على الدعم الدولي من خلال هذه الرؤية.

صحيح أن جانبا كبيرا من الرأي العام الأوروبي يعتبر نزاع الشيشان مسألة داخلية روسية. إلا أنه يطالب بصورة متزايدة بالبحث على نحو جدي عن حل سياسي للنزاع بدلا من الحل العسكري.

يرى أغلبية السياسيين الروس بأن الحرب المشتعلة اليوم في الشيشان هي جزء من الحرب المعلنة ضد الإرهاب. أما أغلبية سكان الشيشان فإنها تعتبر هذه الحرب ليست إلا تكرارا للتاريخ وتجديدا لمحاولة ستالين في 23 فبراير 1944 في حل مشكلة الشيشان على وجه دائم ومبني على التشريد والإبادة.

وحتى يومنا هذا لا توجد من قبل المجموعة الدولية مبادرات جدية للتوسط من أجل حل هذا النزاع.

غسّان غوزينوف، محرر في القسم الروسي في الدويتشه فيلله أونلاين 2004