السياسة الأمنية الألمانية تجاه السلفيين- كثير من الشعبوية وقليل من الاستراتيجية

كيف يجب التعامل مع السلفيين في ألمانيا؟ أصبح العديد من موظَّفي الأجهزة الأمنية الألمانية المختصة في حيرة إزاء طريقة تعامل الساسة مع هذه الظاهرة. وتتلخص المآخذ الرئيسية التي يأخذها الخبراء الأمنيون على السياسيين في استخدامهم الكثير من الشعبوية والقليل من التفكير الإستراتيجي بالإضافة إلى إستراتيجية التواصل الخاطئة. ألبريشت ميتسغر ومزيد من التفاصيل في تقريرة التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Albrecht Metzger



داهمت في الساعة السادسة صباحًا يوم الرابع عشر من شهر حزيران/يونيو الماضي مجموعة من نحو مائة شرطي مسجد ملة إبراهيم في مدينة زولينغن الألمانية وأفرغوه من المصلين. وثم أعلن بعد بضعة ساعات وزير الداخلية الألماني هانس بيتر فريدريش عن حظر جمعية مسجد ملة إبراهيم التي كان يجاهر أعضاؤها بتأييدهم لتنظيم القاعدة وأمر بإغلاق موقعهم على شبكة الإنترنت.

لم يتأخَّر أبو أسامة الغريب الذي كان قبل عدة أشهر خطيبًا في هذا المسجد وعلى الأرجح أنَّه موجود الآن في مصر في الحديث حول هذا الموضوع من خلال مدوِّنته التي كتب فيها: "من الواضح أنَّ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده. لا يمكن حظر ملة إبراهيم لأنَّنا نحمل ملة إبراهيم في قلوبنا. إمَّا النصر أو الشهادة".

ومنذ ذلك الحين ساد الصمت أوساط المتطرِّفين الإسلامويين. ولكن السؤال إلى متى سيطول صمتهم لا سيما وأنَّ "الجدال مع السلفية قد بدأ للتو"، مثلما يقول غيدو شتاينبرغ، خبير مكافحة الإرهاب في معهد الدراسات الدولية والأمنية في برلين ويضيف: "كانت جمعية ملة إبراهيم تدعو بصراحة لصالح تنظيم القاعدة. ولكن الصعوبة الأكبر تكمن في التعامل مع السلفيين الذين يتبنّون الجهاد ولكنهم لا يجاهرون بذلك".

كيفية التعامل مع السلفيين

د ب ا
مستهدفون من الدولة - قامت الشرطة الألمانية في الرابع عشر من شهر حزيران/يونيو بحملات واسعة النطاق استهدفت السلفيين المتطرِّفين في أنحاء كثيرة من ألمانيا منها مسجد ملة إبراهيم في مدينة زولينغن.

​​ولهذا السبب كيف سيتعامل المرء مع السلفيين الذين ازداد الخوف منهم منذ أن بدأوا قبل بضعة أشهر بتوزيع المصاحف في بعض الشوارع والأماكن العامة في ألمانيا. والسلفية هي بحسب تحذيرات الهيئة الألمانية لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) "التربة العقائدية الخصبة للإرهاب". وكذلك قال وزير الداخلية الألماني في حوار أجري معه ملخصًا موقف الأجهزة الأمنية في وصفه للسلفيين: "ليس كلّ سلفي إرهابي ولكن يكاد يكون لكلِّ إرهابي إسلاموي علاقة ما بالفكر السلفي".

تفاقمت الأوضاع في بداية شهر أيَّار/مايو الماضي وذلك بعدما أقدم أنصار "حزب برو إن إر في" - حركة من أجل ولاية شمال الراين فيستفاليا المعادية للإسلام التي تخضع هي الأخرى للمراقبة من قبل الهيئة الألمانية لحماية الدستور، على الوقوف أمام المساجد لرفع الرسوم الكاريكاتورية المسية للنبي. الأمر الذي يعدّ استفزازًا مقصودًا من جانب المتطرِّفين اليمينيين للطرف المقابل. ومضت هذه الوقفات بهدوء في كلِّ مكان ولكن لم تكن الحال كذلك في مدينتي بون وزولينغن حيث هجم السلفيون الغاضبون ومن بينهم أيضًا أعضاء من مسجد ملة إبراهيم بالعصي والسكاكين على رجال الشرطة وقد أسفر ذلك عن العديد من الإصابات والاعتقالات. ومنذ ذلك الحين قرَّر وزير الداخلية على ما يبدو إيقاف السلفيين عند حدِّهم من خلال حظرهم. ويصف وزير الداخلة فريدريش المداهمات التي تنفذتها قوَّات الأمن بأنَّها "ناجحة للغاية" وحتى أنَّ حزب الخضر قابلها بالترحيب والجميع متَّفقون على أنَّ المتديِّنين المتطرِّفين الذين يحرِّضون على العنف لا مكان لهم في ألمانيا.

مآحذ أمنية

د ب ا
يرى ألبريشت ميتسغر أنَّ السلفية حركة مشاكسة تحب الجدال وتثير الخلافات ويكافح الخطباء السلفيون من أجل سيادة الرأي حيث يدَّعي كلّ واحد منهم أنَّه لا يمثِّل شيئًا آخر غير الحقيقة الحقيقية.

​​ولكن في الواقع إذا تحدَّث المرء مع الخبراء الذين يعملون لدى هيئة حماية الدستور والشرطة ويتعاملون منذ عدة أعوام مع هذا الموضوع فسيجد أنَّ لديهم قدرًا أقل من التوافق مما لدى السياسيين، ولكنه في المقابل سيجد ومن المثير للدهشة الكثير من الانتقادات - وكذلك من النقد الذاتي. وهذه الانتقادات غير موجَّهة فقط لوزير الداخلية وتحليلات الأجهزة الأمنية، بل كذلك أيضًا لوسائل الإعلام. وصحيح أنَّ لا أحد يتعاطف مع السلفيين وأنَّ الجميع يبحثون عن الوسائل للتمكّن من مواجهة هذه الحركة المعادية للديمقراطية والمستعدة جزئيًا لاستخدام العنف، ولكن الكثير من موظفي هيئة حماية الدستور في حيرة من أمرهم إزاء طريقة تعامل السياسيين مع هذه الظاهرة. وتتلخص المآخذ الرئيسية التي يأخذها الخبراء الأمنيون على الساسة الألمان في استخدامهم الكثير من الشعبوية والقليل من التفكير الإستراتيجي بالإضافة إلى إستراتيجية التواصل الخاطئة.

وتعتبر السلفية حركة مشاكسة تحب الجدال وتثير الخلافات ويكافح الخطباء السلفيون من أجل سيادة الرأي حيث يدَّعي كلّ واحد منهم أنَّه لا يمثِّل شيئًا آخر غير الحقيقة الحقيقية. والمثير للاهتمام رأيهم في موضوع العنف، لأنَّ معظم السلفيين يرفضون استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافهم، سواء كان رفضهم هذا لاعتبارات تكتيكية أو إيديولوجية. ولكنهم يهاجمون على أية حال أي شخص يخالفهم في الرأي وخير مثال على ذلك الخطيب المقيم في مدينة لايبزيغ الألمانية حسن الدباغ الذي وجَّه بعد أعمال العنف التي وقعت في شهر أيَّار/مايو انتقادات حادة إلى أبو أسامة الغريب المعروف في مدينة زولينغن من خلال رسالة مسجلة على شريط فيديو وصفه فيها بأنَّه شخص جاهل سليط اللسان يحتاج طبيبًا نفسيًا. وقال: "والله، أقسم بالله إنَّه لا يمثِّل الحقيقة" وإنَّ ألمانيا بلد مضيف جيِّد وعلى العموم ليس جميع الكافرين أعداء للإسلام.

نظرية السلفية

الصورة دويتشه فيله

​​وتتجاهل النظرية التي تقول إنَّ السلفية هي "التربة الخصبة للإرهاب" هذه الخلافات ويتم تكرارها منذ حملة توزيع المصاحف مثل تعويذة من قبل السياسيين ووسائل الإعلام. وفي هذا الصدد يقول خبير في شؤون الإسلام يعمل لدى الشرطة الألمانية: "أعتقد أنَّ نتيجة ذلك سلبية للغاية. ويجب علينا التمييز بين العنف واللاعنف. ولهذا السبب لا يجوز للمرء أن يثير زوبعة حول حملة توزيع المصاحف وكذلك لا يجوز ربطها بالإرهاب. وذلك لأنَّ هذا سيصب في مصلحة السلفيين ويثبت لهم جنون الاضطهاد والبارانويا التي يعانون منها. وهذه هي بالذات القوَّة المحرِّكة لحركتهم". ونظرًا إلى هذا التصعيد من الممكن أن يتضامن السلفيون المسالمون مع إخوتهم المستعدِّين لاستخدام العنف، وبالتالي سيفقد الخلاف الذي ينمو في داخل الحركة السلفية تأثيره.

إنَّ ما نحتاجه حسب تعبير هذا الخبير في شؤون الإسلام هو إستراتيجية تواصل صحيحة. ويقول هذا الخيبر "يجب على وزير الداخلية أن يرسل رسالة مزدوجة إلى السلفيين، يجب عليه أن يقول لهم: أنا بصفتي وزيرًا للداخلية أضمن التعددية وحماية الأقليات. وأنا لا أحبّكم كما أنَّنا نراقبكم ولكنكم لديك الحقّ في العمل هنا مثلكم مثل غيركم من الأصوليين ولكن العنف خط أحمر لا يجوز تجاوزه". لكن مَنْ من السياسيين يريد مواجهة السلفيين في مثل هذه الأوقات؟ إذ لا يمكن تقريبًا لأي سياسي جمع نقاط لدى الناخبين من خلال ذلك، بل على العكس تمامًا لأنَّ "مجتمعنا أصبح مجتمعًا يشكِّك في الإسلام أو حتى معاديًا للإسلام"، مثلما يقول الباحث في العلوم السياسية سيباستيان هونهولتس من معهد الأخوة شول للدراسات السياسية في مدينة ميونخ. ويضيف: "أصبح الرأي العام في ريبة من أمره بسبب السلفيين، وأمَّا وزير الداخلية فهو يعتقد أنَّ عليه استخدام هذه المخاوف".

وعلى ما يبدو يستخدم سياسيون آخرون مثل وزير داخلية ولاية سكسونيا السفلى أوفه شونمان هذا الموضوع ليظهر على أنَّه متشدد. كما أنَّهم لا يتورَّعون أيضًا عن التصريح بافتراضات متسرِّعة يتبيَّن فيما بعد أنَّها افتراضات خاطئة. وهكذا فقد ادَّعى الوزير شونمان أنَّ حملة توزيع المصاحف مموَّلة من المملكة العربية السعودية وقال إنَّه يتعيَّن في هذه الحالة التفكير في وقف توريد الأسلحة إلى السعودية. "لكن ذلك ليس صحيحًا"، مثلما يقول خبير الاستخبارات الداخلية: "وهذا المال من ألمانيا. وأمَّا ادِّعاء الوزير فهو مجرَّد شعبوية لا تساعدنا في مواصلة عملنا".

جمعية ملة إبراهيم

ولكن حظر جمعية ملة إبراهيم في مدينة زولينغن التي كانت تدعو بصراحة لصالح تنظيم القاعدة يجد قبولاً واسعًا لدى الأجهزة الأمنية التي تصف هذا الحضر بأنَّه إشارة إلى السلفيين الجهاديين لا أكثر ولا أقل. وفي المقابل يفضِّل سيباستيان هونهولتس النموذج الأنجلوسكسوني، حيث يُسمح في إنجلترا للمتطرِّفين الإسلاموين الكلام أكثر بكثير مما عليه الحال هنا كما يوجد هناك الكثير من الخطباء الذين يمجِّدون الجهاد. "وربَّما يكون من الحكمة لو تُركت لهؤلاء المتطرِّفين منتديات بإمكان الأجهزة الأمنية مراقبتها بصورة جيِّدة"، حسب قول الخبير هونهولتس: "وإلاَّ فسوف تكون هناك رغبة في الدخول إلى شبكات خارجية ولا يمكن أن يكون هذا هو الحلّ. إذ إنَّ السلفية الجهادية هي عقيدة أكثر من كونها تنظيمًا ولذلك لا يمكن حظرها. ومن المرجَّح الآن أنَّهم سيعملون بصورة سرية أكثر من ذي قبل وهذا يزيد فقط من صعوبة مراقبتهم من قبل الأجهزة الأمنية".

 

ألبريشت ميتسغر
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012