مدينة المحلة المصرية...مهد للثورة ومعقل للمعارضة

ينقل الصحفي ماركوس زومانك آراء المعارضين للدستور المصري من مدينة المحلة الكبرى الصناعية التي كانت واحدة من أهم معاقل معارضي مبارك ومهداً للثورة ضد نظامه الدكتاتوري، كما أن نسبة كبيرة من مواطنيها صوّتوا ضد الدستور الذي صاغته أغلبية إسلامية.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Symank

مرتدياً زوجاً من الشباشب، يشق محمد شريف طريقه بين بُقَع المياه الراكدة في الشوارع وأكياس القمامة الممزقة إلى مدرسة البنات في وسط مدينة المحلة. رائحة الفضلات تملأ الهواء، والطابور طويل ويمتد مئات الأمتار أمام المبنى، الذي يستخدم اليوم كمركز اقتراع.

منذ عامين لم يتخلف محمد، الذي يعمل ميكانيكياً، عن أية انتخابات، وفي كل مرة كان يُصوّت لصالح الإسلاميين. لكن الأمر مختلف اليوم، إذ يقول شريف، البالغ من العمر 33 عاماً، والذي تعرضت ورشته مؤخراً للسرقة: "مصر ليست ملكاً لحزب واحد، بل لنا جميعاً. الدستور يخدم الإخوان المسلمين فقط".

كما يشكو محمد شريف من أسعار الغاز الآخذة في الارتفاع والفواتير المتراكمة عليه، مضيفاً: "لقد ظننا أن الإسلاميين سيتفهموننا نحن الفقراء، فهم عانوا أيضاً في ظل النظام القديم. لكنهم مهتمون بالسلطة فقط".

سباحة ضد التيار

في مدينة المحلة، التي يقطنها حوالي نصف مليون نسمة وتقع في منطقة دلتا النيل المكتظة بالسكان، يفكر الكثيرون كما يفكر محمد شريف. وأشارت التوقعات الأولية قبل إعلان نتائج الاستفتاء في محافظة الغربية، التي تقع فيها مدينة المحلة، إلى أن نحو 52 في المئة قد صوتوا ضد مسودة الدستور التي هيمنت على صياغتها أغلبية إسلامية.

لوحة في مدينة المحلة لشهداء الثورة المصرية. ماركوس زومانك
مقاومة ذات خبرة: في مدينة المحلة، مهد حركة 6 أبريل، صوتت أغلبية السكان ضد مسودة الدستور التي صاغها الإخوان المسلمون. وينتقد أيمن عبد المنعم "أننا لم نخاطر بحياتنا أثناء الثورة من أجل ذلك".

​​

وبهذا تسبح محافظة الغربية ضد التيار، إذ بحسب الإحصاءات الرسمية، صوتت أغلبية ضئيلة تقدر بـ56.5 في المئة في العشر محافظات التي أجريت فيها المرحلة الأولى من الاستفتاء لصالح الدستور.

ويقول طالب الفيزياء أيمن عبد المنعم: "لقد تعبنا من الوصاية علينا ... الخطباء في المسجد الذي أصلي فيه يدّعون أن من يصوت بـ"لا" على الدستور مصيره جهنم. ما علاقة الدستور بالله؟ ألسنا جميعاً مسلمين؟"

ويشعر عبد المنعم بخيبة أمل كبيرة من الرئيس محمد مرسي، معتبراً أنه "أصبح نسخة من حسني مبارك. إنه يلجأ حتى إلى نفس نظريات المؤامرة. نحن لم نخاطر بحياتنا أثناء الثورة من أجل ذلك".

غضب سكان المحلة يجب أن يدفع الإخوان المسلمين إلى التفكير، فهذه المدينة، بحسب ما يقال في مصر، سابقة لوقتها. ففيها خرج الآلاف سنة 2006 للاحتجاج على النظام، وعندما قامت الشرطة في السادس من أبريل/ نيسان 2008 بقمع إضراب عمالي للمطالبة بأجور عادلة بالقوة، أضرم مواطنون غاضبون النار علناً في صور لحسني مبارك وقاموا بمهاجمة أحد مكاتب حزبه، وهو حادث اعتبر فريداً من نوعه آنذاك في مصر.

كما أن حركة 6 أبريل، التي لعب ناشطوها في الإنترنت دوراً قيادياً أثناء الثورة العام الماضي، ولدت بعد هذه الأحداث.

والآن بات الكثيرون ينظرون إلى المقر الرئيسي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة "الإخوان المسلمون"، على أنه رمز للاضطهاد، إذ قام مجهولون في السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 بإضرام النار في المبنى، وبقيت أحد النوافذ المحطمة وبعض الجدران المسودّة شاهداً على هذا الهجوم.

وبعد عشرة أيام على الهجوم، أعلن آلاف المعارضين لمرسي وللإخوان المسلمين قيام "جمهورية المحلة الكبرى المستقلة"، وقام ناشطون بسد سكك حديدية وإقامة حواجز في الشوارع واحتلال مبنى البلدية. وهتف قادة تلك الانتفاضة آنذاك بأنهم "يتبرأون من دولة الإخوان المسلمين".

لكن أحد القياديين في نقابة عمال شركة "مصر" للغزل والنسيج، أكبر مصنع للنسيج في البلاد، يقول إن إعلان الاستقلال كان مجرد حيلة، إلا أنه يستدرك بالقول: "لكن الغضب على الإخوان المسلمين حقيقي. لقد كنا ننتظر أن يضغط الإسلاميون من أجل أجور عادلة. لكن بدلاً من ذلك حاولوا تشغيل الموالين لهم في النقابات".

إحدى المصوِّتات على الدستور في المحلة. رويترز
يقول أحد عناصر الشرطة في المحلة: "نحن نراقب ما يحدث خارج مراكز الاقتراع ... أما في الداخل فالإخوان المسلمون هم من يمسكون بزمام الأمور".

​​

"مرسي بحاجة إلى مزيد من الوقت"

وعلى بعد شارعين فقط، يقف البائع محمد صبري أمام عربته المتنقلة لبيع الشطائر، وهو لا يفهم سبب غضب الناس، ويقول: "دون دستور لا يمكن لأي رئيس في العالم حكم أي بلد". قام صبري بتزيين عربته بملصقات مؤيدة للدستور، حمل أحدها عبارة "نعم للدستور، نعم للشريعة".

كما يستبعد محمد صبري أن يتم رفض الدستور، مضيفاً أن "الليبراليين يخشون الانتخابات الحرة ... إنهم يدركون أنهم لا يستطيعون الاعتماد على دعم الشارع". إحدى السيدات الواقفات تعزز موقفه بالقول: "يجب أن نعطي مرسي مزيداً من الوقت. المعارضة تعرقل فقط وليس لديها أية أفكار".

لقد قام الإخوان المسلمون بنشر أرقام تشير إلى تأييد 56.5 في المئة من الناخبين لمشروع الدستور الجديد، وبالإضافة إلى محافظة الغربية، صوتت العاصمة القاهرة أيضاً ضد الدستور ذي الصبغة الدينية. أما نسبة المشاركة في الاستفتاء فبلغت 33 في المئة فقط.

دعوات لانتخابات جديدة

الأحزاب الليبرالية واليسارية تشكو من تزوير في نتائج الانتخابات وتزعم أن الأغلبية صوتت ضد الدستور، وتطالب بانتخابات جديدة. أما المنظمات المدنية فتشير إلى حوالي أربعة آلاف انتهاك لقانون الانتخاب، وفي كثير من مراكز الاقتراع لم يراقب قاض سير العملية الانتخابية بشكل مناسب.

وإلى جانب ذلك، قام بعض الأشخاص بتزوير هويتهم والتظاهر بأنهم قضاة، ولم تتم مراقبة عملية عد الأصوات دائماً، كما تم إعاقة مشاركة بعض المواطنات المسيحيات. ومن مناطق مختلفة وردت تقارير عن تهديدات للناشطين من قبل سلفيين متطرفين. لكن يوم الاستفتاء مرّ بشكل عام دون أي عنف يذكر.

وعند سؤاله عن مصداقية الاقتراع، اكتفى أحد عناصر الشرطة في المحلة بالضحك، مضيفاً: "واجبنا هو مراقبة ما يحدث خارج مراكز الاقتراع ... أما في الداخل فالإخوان المسلمون هم من يمسكون بزمام الأمور".

ماركوس زومانك
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012