مراسيم مرسي الرئاسية...تحقيق لأهداف الثورة المصرية أم تمهيد لديكتاتورية ''إخوانية''؟

رغم أن قطاعاً كبيراً من الشعب المصري مؤيد لإعلانات الرئيس محمد مرسي الدستورية، إلا أن هذه القرارات أسفرت عن استقطاب عاصِف في المشهد السياسي المصري له تكلفته السياسية الباهظة، كما يرى الباحث المعروف والمختص في الشؤون المصرية عمر عاشور في تحليله التالي .

الكاتبة ، الكاتب: Omar Ashour

مؤخراً، قرر الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب لمصر على الإطلاق، منح نفسه سلطات مطلقة، "لتحقيق أهداف الثورة" كما يؤكد أنصاره.

ولكن القرارات التي أصدرها الرئيس المنتخب أثارت معارضة الكثير من القوى الثورية التي ساعدت في الإطاحة بحسني مبارك، فضلاً عن القوى الموالية للديكتاتور المخلوع. فنزلت قوى متناقضة و مختلفة و لامركزية إلى ميدان التحرير و محيط قصر الاتحادية الرئاسي.

"أشارككم حلمكم بدستور لكل المصريين وثلاث سلطات مستقلة: تنفيذية، وتشريعية، وقضائية. وكل من يريد أن يفوت على المصريين هذه الفرصة، فسوف أمنعه" هذا ما أكده الرئيس أمام حشود من أنصاره، في حين رفض هذا الخطاب المعارضون و اتهموا الرئيس "بالديكتاتورية"، و المضي على نهج مبارك.

احتجاجات ضد مرسي، ديسمبر 2012. رويترز
إعلان مرسي الدستوري أسفر عن احتجاجات ومظاهرات كبيرة من قِبَل القوى الليبرالية والعلمانية.

​​

قرارات ضرورية؟

فهل كانت هذه القرارات حقاً ضرورية لتحقيق الأهداف الديمقراطية المعلنة للثورة؟ الواقع أن الإعلان الدستوري الجديد، وقانون حماية الثورة، والمراسيم الرئاسية الجديدة ترمي إلى تحقيق عدة أهداف، وهي :

• إبعاد النائب العام، الذي احتفظ بمنصبه منذ عهد مبارك و فشل في إدانة العشرات من مسؤولي النظام السابق المتهمين بالفساد و/أو استغلال السلطة؛

• حماية مؤسسة منتخبة بشكل مباشر (مجلس الشورى) وأخرى بشكل غير مباشر (الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور) - واللتين تهيمن عليهما أغلبية إسلامية - من الحل من قِبَل قضاة المحكمة الدستورية (وأغلبهم ممن ظلوا في مناصبهم منذ عهد مبارك)؛

• إعادة محاكمة جنرالات مبارك في الأجهزة الأمنية؛

• وتعويض وصرف معاشات لضحايا القمع أثناء الثورة وبعدها.

وفي حين قد يؤيد أغلب المصريين أهداف مرسي، فإن التضخم الصادم للسلطات الرئاسية من أجل تحقيق هذه الأهداف كان في نظر كثيرين خطوة تجاوزت الحدود.

ففي ضوء الاستقطاب الشديد في مصر وانعدام الثقة بين الإسلاميين والقوى العلمانية، كانت هذه الاحتجاجات متوقعة.

أما أن فكرة "المعادلة الصفرية" فهي محرك رئيسي لأغلبية قوى المعارضة المختلفة: أي إنجاز يحققه الرئيس يعتبر خسارة مباشرة لهم، بما في ذلك بناء مؤسسات ديمقراطية يغلب عليه الإسلاميون.

القوى المناهضة للرئيس منقسمة بشدة على المستويين الإيديولوجي والسياسي. فلا يجمع بين الإصلاحي الليبرالي الحائز على جائزة نوبل محمد البرادعي ورئيس نادي القضاة وأحد الموالين لمبارك أحمد الزند الكثير من القواسم مشتركة.

محمد البرادعي. د ب أ
السياسي المعارض محمد البرادعي وصف الرئيس المصري محمد مرسي بأنه يتصرف في السلطة كالفراعنة وبأنه لا يمكن إجراء حوار معه.

​​

ولكن القوى المناهضة للرئيس – على الأقل الثورية منها – ترى أن ثمن تطهير القضاء باهظ للغاية، وتؤكد أن الإعلان الدستوري سيقود البلاد إلى ديكتاتورية "الإخوان".

والواقع أن الإعلان الدستوري يحصن القرارات الرئاسية من المراجعة القضائية (رغم تعهد مرسي بأن التحصين يتعلق بمسائل "السيادة" فقط، وتأكيده على طبيعته المؤقتة). وهو يمنح الرئيس أيضاً سلطة أشبه بسلطات حالة الطوارئ من أجل التصدي لمخاطر غامضة "كتهديد حياة الأمة."

وسيتم إلغاء الإعلان الدستوري بعد استفتاء الشعب المصري على مسودة الدستور الجديد، والذي تقرر عقده في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول 2012.

المعارضة ليست أكثر ديمقراطية

ولكن معظم فصائل المعارضة أيضاً ليست أكثر "ديمقراطية" بأي حال من الأحوال. فبعض المعارضين، وأغلبهم من الخاسرين في الانتخابات وفلول نظام مبارك، يسعى إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب، وليس مجرد حمله على التراجع عن قراراته.

فالبرادعي على سبيل المثال "يتوقع" أن يقوم الجيش "بواجبه الوطني" ويتدخل "إذا خرجت الأمور عن نطاق السيطرة" ــ وهو ليس بالموقف المقنع ديمقراطياً، خاصة في ضوء سجل الجيش في هذا السياق.

و لا شك أن قرارات الرئيس عمقت استقطابا يعصف بالمشهد السياسي المصري. والسيناريو الأسوأ الآن يتلخص في اتساع نطاق صدامات الشوارع بين الأجنحة الراديكالية في كلا المعسكرين، المؤيد للرئيس و المعارض له.

وتاريخيا ، كانت مثل هذه الصدامات بمثابة الشرارة التي أشعلت حروباً أهلية شرسة (كما حدث في إسبانيا عام 1936، وطاجيكستان عام 1992، على سبيل المثال) أو انقلابات عسكرية وحشية (كما حدث في إندونيسيا عام 1965، وتركيا عام 1980).

محكمة دستورية مُسَيَّسة

و قد كان من الضروري بالنسبة للرئيس وأنصاره تحييد قُضاة المحكمة الدستورية، الذين قضى حكمهم في يونيو/حزيران الماضي بحل أول مجلس شعب (مجلس النواب) جاء بانتخابات حرة بعد الثورة.

ووفقاً لمعسكر المؤيديين، فإن المحكمة المسيسة كانت تعتزم حل مجلس الشورى (مجلس الشيوخ) والجمعية التأسيسية للدستور، كما ألمح بعض القضاة علناً.

وعلى نحو مماثل، فشِلَ النائب العام المُقال في تقديم أية أدلة دامغة ضد قادة أجهزة مبارك الأمنية وضباطها الذين اتهموا بقتل المتظاهرين في "موقعة الجمل"، الأمر الذي أدى إلى تبرئتهم جميعاً – باستثناء حبيب العادلي ، وزير داخلية مبارك.

خطوة حاسمة لكنها مكلفة سياسياً

الواقع أن مرسي باعتباره رئيساً منتخباً بأغلبية 51,7% فقط لابد أن يكون حساساً في التعامل مع مطالب مؤيديه، وبالأخص مع مطالب الإسلاميين من الثوريين الذين كانوا ضحية للقوات الأمنية.

ولكن العديد من الثوريين غير الإسلاميين يرون أن هناك سبلاً أخرى لإقالة النائب العام ولتطهير النظام القضائي. فعلى سبيل المثال، كان يمكن إصدار قانون جديد ينظم السلطة القضائية، و ذلك من بين مطالب الثورة منذ أسابيعها الأولى.

لافتة مكتوب عليها : إرحل! أمام القصر الرئاسي في القاهرة. رويترز
"نظراً لحالة الاستقطاب العارمة بين الإسلاميين والعلمانيين، كان على مرسي أن يحسب حساباً للاحتجاجات ضده" كما يرى عمر عاشور.

​​

وبالنسبة للرئيس، كانت المعضلة تتلخص في أن المحكمة الدستورية ربما تقضي بإلغاء القانون، الأمر الذي يجعل المحاولة بلا معنى. و قد تراجع الرئيس مرتين من قبل: الأولى في يوليو/تموز 2012، عندما تراجع عن محاولته لإعادة البرلمان المنتخب إلى العمل بضغط من المجلس العسكري غير المنتخب؛ والثانية عندما حاول إبعاد النائب العام بجعله سفير مصر إلى الفاتيكان.

فكان "الإعلان الدستوري" الذي أصدره مرسي بمثابة خطوة حاسمة من ناحية، وغير ديمقراطية، مسببة للاستقطاب، و مكلفة سياسياً من ناحية أخرى.

ورغم حسمها فمثل هذه القرارات أدت إلى نشوء ديكتاتوريات في حالات انتقالية أخرى، وإن لم يكن بأيةٍ من تلك الحالات بوجد كيان قضائي مسيس يلعب دور "المفسد" في عملية التحول الديمقراطي.

الاستقواء بالعسكر

ومازالت الأجهزة الأمنية المصرية الحاضر الغائب في هذه الأزمة. فبعد ما يقرب من العامين على اندلاع الثورة لم تخضع الأجهزه، التي أشعلت سلوكياتها شرارات الثورة، إلى الإصلاح و المراقبة. في ظل أزمة الاستقطاب الحاد سيستمر السياسيون في مغازلة الأمنيين و العسكريين للاستقواء بهم (البرادعي نموذجاً في حالة المعارضة).

أما من ناحية الرئيس فسيتجنب على الأرجح فتح ملف إصلاح قطاع الأمن، لاحتياجه لحماية مؤسسات الدولة والحفاظ على الحد الأدنى من الأمن العام.

ويبدو أن القطاع الأمني قد يخرج من هذه الأزمة باعتباره الفائز الوحيد. فهو على استعداد لفرض سيادة الدولة، مقابل شروطه. وستنعكس تلك الشروط في الدستور أولاً، و في القواعد غير المكتوبة للسياسة الجديدة في مصر ثانياً.

وهذا سيشكل تهديداً للتحول الديمقراطي في مصر ربما أشد خطورة وأكثر دواماً من قرارات مرسي المؤقتة.

 

عمر عاشور
ترجمة: إبراهيم محمد علي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: بروجيكت سينديكيت 2012