تعثّر التقدّم وصعوبة التغلب على عقدة انعدام الثقة

يرى الخبير المعروف في شؤون الشرق الأوسط ومدير المعهد الألماني للأمن والدراسات الدولية في برلين، فولكر بِرتس، أن على الغرب أن يمد يده ناحية إيران في المسألة النووية، غير أن عليه في الوقت ذاته أن ينتقد انتهاكات حقوق الإنسان هناك.

صورة رمزية الملف النووي الإيراني، الصورة إيسنا
الملف النووي الإيراني يلقي بظلاله على مجمل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إيران

​​ قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/ حزيران 2009 لم يكن هناك اتفاق في الرأي في وزارات الخارجية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا على أي نتيجة في الانتخابات تعد الأفضل. فمن ناحية ساد الأمل في انتصار مرشح المعارضة، مير حسين موسوي الذي وعد بإدارة دفة الأمور في إيران تجاه الليبرالية والإصلاح. من ناحية أخرى ساد الاعتقاد بأن إحراز أي تقدم في النزاع النووي لا يتحقق إلا إذا جاء الرئيس من المعسكر المتشدد. فالرئيس الإيراني ينبغي عليه أن يقدم تنازلات للمجتمع الدولي وأن يمرر تلك التنازلات داخلياً، أما الإصلاحي فسيصطدم بمقاومة المحافظين في تلك النقطة. ورغم كل التعاطف مع مطالب الإصلاحيين فإن الظروف السياسية الداخلية في إيران ليست جزءاً من أولويات السياسة الدولية.

إن السياسة الغربية تجاه إيران تكاد تتركز بالفعل منذ سنوات حول النزاع النووي فحسب، بينما راحت موضوعات أخرى تتوارى إلى الخلف، ومن بينها حقوق الإنسان التي كانت تلعب دوراً مهماً، حتى في المفاوضات الأوروبية الإيرانية حول الاتفاقيات التجارية. وبسبب التأثيرات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تنتج عن احتمال استخدام القدرة النووية الإيرانية للأغراض العسكرية، اتفق الجميع تقريباً على أهمية إعطاء النزاع النووي الأولوية العظمى.

التمادي في القمع يسقط الشرعية

الرئيس الجديد والقديم محمود أحمدي نجاد أظهر عندئذ بالفعل رغبته في البقاء في حوار مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ومع ألمانيا للوصول، على الأقل، إلى حلول وسط دبلوماسية في النزاع النووي. غير أنه لم ينجح في ذلك، رغم أنه ينتمي بلا شك إلى المتشددين.

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الصورة دويتشه فيله/ مير
يرى فولكر برتس أن احمدي نجاد فشل لأسباب سياسية داخلية في التوصل إلى اتفاق يقضي بتخصيب اليورانيوم خارج إيران، الأمر الذي دفعه بعد ذلك إلى التصعيد السياسي.

​​ ويرجع ذلك الفشل إلى السياسة الداخلية في إيران، فالنظام الإيراني فقد جزءاً كبيراً من شرعيته بسبب ما قام به من قمع وحشي للاحتجاجات المستمرة، ما أدى إلى حدوث انقسام عميق في صفوف الصفوة السياسية التي تدير دفة الدولة. وفشلت المحاولات الرامية إلى وضع مختلف الأجنحة في النظام الحاكم على قاسم مشترك بينها. ولعل الرئيس أحمدي نجاد يعتقد، عن حق، أن النجاح على صعيد السياسة الخارجية سيعيد له المكانة والاعتراف على المستوى الداخلي، وأن حدوث انفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا يمكن أن يحسن مرةً أخرى الوضع الاقتصادي المتأزم في إيران. لهذا أبدى استعداده لقبول الصيغة التي تم التوصل إليها في مفاوضات خريف 2009 في جنيف وفيينا والتي تقضي بتخصيب اليورانيوم الإيراني في روسيا وفرنسا لتصنيع الوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعلات، التي كان الأمريكيون قد بنوها يوماً في طهران من أجل الأغراض البحثية الطبية.

حالة جديدة من الجمود

هذه المسودة الدبلوماسية المبتكرة أخفقت في نهاية الأمر لأن خصوم أحمدي نجاد داخل الطبقة الإيرانية الحاكمة لم يسمحوا له بتحقيق نجاح على صعيد السياسة الخارجية. وبعد أن فشل اقتراح آخر تقدم به أحمدي نجاد مطلع فبراير/ شباط اتجه الرئيس إلى التصعيد السياسي، ليس في اتجاه منافسيه في الداخل، بل عبر استعراضه التصلب والتشدد تجاه الخارج.

وهكذا اتبع نجاد سياسة الاستفزاز خارجياً، وفي محاولة لاستعراض القوة داخلياً، فأمر بتخصيب اليوارنيوم في ناتانس بنسبة عشرين في المائة لتشغيل المفاعل لأغراض بحثية. وعلى الهامش فقط ذكرت القيادة الإيرانية أن طهران مسعتدة للتوصل إلى اتفاقية لتبادل اليورانيوم الإيراني مقابل قضبان الوقود النووي للمفاعل،التي لا تستطيع إيران إنتاجها بسبب عدم وجود المنشآت اللازمة لديها.

وهكذا فإن حالة جديدة من الجمود تشل الآن إيران ومجموعة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا التي كلفها مجلس الأمن بالتفاوض مع طهران. فبعد التقرير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية سيقوم مجلس الأمن، أو – في حالة عدم التوصل إلى اتفاق– ستقوم الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات على إيران، وتوتر الوضع في منطقة الخليج تؤدي بشكل متزايد إلى عزل إيران ومجتمعها عن الأسرة الدولية. وسيظهر السياسيون في طهران، وفي العواصم الغربية أيضاً، بأنهم ظلوا متمسكين بموقفهم دون أن يقدموا تنازلات في مسألة الملف النووي.

هل هناك ثمة تقارب؟

منشاة ناتانس للأبحاث النووية في إيران، الصورة أ ب
في فبراير/ شباط 2010 أعلن متحدث باسم وكالة الطاقة النووية الإيرانية أنه سيتم البدء بتخصيب اليوارنيوم في ناتانس بنسبة عشرين في المائة. وجاء في البيان أن الهدف من ذلك استخدام اليورانيوم للأغراض البحثية والطبية.

​​ لكن ذلك لا يعني أن أحداً قد حقق نجاحاً كبيراً، إذ لا يكاد أحد يعتقد أن العقوبات التي يتم النقاش حولها في الوقت الحالي ستجبر إيران بالفعل على تغيير مسارها. صحيح أن الصراع العسكري يبدو في الوقت الحالي ليس محتملاً؛ فالحكومة الأمريكية ليست مهتمة بخوض حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، كما أن إسرائيل لن تستطيع أن تقوم بضربة فعالة ضد البرنامج النووي الإيراني بدون دعم أمريكية. غير أن زيادة التوترات الإقليمية لن تكون مفيدة نظراً للوضع في العراق وأفغانستان.

في حالة كهذه من حالات الجمود يجدر بنا التفكير في سياسة أكثر فعالية تجاه إيران، تتجاوز النزاع النووي دون إهماله. ويمكن أن تتضمن مثل هذه البداية الجديدة ثلاثة أو أربعة عناصر: على المدى القصير لا بد من التركيز في قضية الملف النووي على الحد الأدنى من الأهداف التي يمكن أن تمثل أساساً لإجراء مفاوضات لاحقة أكثر شمولاً. ومن الممكن عندئذ قبول الاقتراح الإيراني بوضع 800 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في إيران تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك لمبادلتها فيما بعد بقضبان الوقود النووي اللازم للمفاعل العلمي في طهران. ولكن على إيران أن تقدم تفاصيل أكثر تحديداً بخصوص هذه الفكرة، كما أن عليها أن تجري مفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن الممكن أيضاً تخزين اليورانيوم الإيراني تخزيناً مرحلياً في تركيا.

شجب خروق حقوق الإنسان

الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يعانق نظيره الأفغاني كارزاي، الصورة أ ب
"ومن المهم هنا بصورة خاصة إشراك إيران في الجهود الإقليمية الساعية إلى نشر الاستقرار في أفغانستان ووضع حد لتجارة المخدرات. "

​​ وعلى الرغم من أن مثل هذا الاتفاق لا يلبي طموحات واشنطن بالقدر الكافي، لأنه يسمح لطهران بالاحتفاظ بتحكمها بكميات هائلة من المواد المخصبة، لكن المجتمع الدولي لن يخسر شيئاً. فالعقوبات الحالية لن يتم رفعها، وكل العروض الخاصة بخطوات أكثر شمولية ستبقى على طاولة المفاوضات، مثل الاقتراح الذي ينادي بـ"freeze for freeze"، أي تجميد العقوبات المفروضة مقابل تجميد برنامج التخصيب الإيراني في الوقت نفسه.

إن ذلك من شأنه أن يمنع إيران، في المقام الأول، من استكمال البرامج عالية التخصيب، وهو ما يساعد بصورة دائمة على التغلب على عوائق أخرى في النزاع النووي. بالإضافة إلى ذلك، وهذا هو أحد دروس الحرب الباردة، فإن الاتفاقيات المحدودة الأهداف –التي لا تحل المشكلة الرئيسية– تساهم في استعادة هامش للتحرك الدبلوماسي.

ثانياً: أما بخصوص حقوق الإنسان فعلى السياسة الغربية أن تتحدث بلغة أكثر وضوحاً. إن تعامل الحكومة الإيرانية مع المخالفين في الرأي والصحفيين أمر لا يمكن قبوله. كما أن مطالبة طهران بالالتزام ببنود المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان والمحافظة، على الأقل، على الحقوق الأساسية للإنسان التي يضمنها أيضاً الدستور الإيراني، لا يعد تدخلاً غير مشروع في الشؤون الداخلية للبلاد.

إن باستطاعة الاتحاد الأوروبي أن يؤكد على تلك المطالب عبر إجراءات عديدة، كأن يقوم مثلاً بإعداد قائمة بأسماء السياسيين الإيرانين المسؤولين عن حدوث انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان وأن يمتنع عن إعطاء هؤلاء الأشخاص تأشيرة دخول إلى دول الاتحاد. في الوقت نفسه فإن على دول الاتحاد تحديداً أن تشدد على رغبها في الاستمرار في تشجيع التبادل العلمي والثقافي مع إيران والتأكيد على أن أبوابها ستبقى مفتوحة أمام الطلبة الإيرانين. كما ينبغي الاستمرار في تقديم الدعم إلى برامج الحوار السياسي بين الطرفين، على سبيل المثال بين أعضاء البرلمان أو العلماء.

دعم التعاون السلمي مع دول الجوار

ثالثاً: بالتحديد لأن التواصل إلى حل النزاع النووي عن طريق المفاوضات ما زال أمراً بعيد المنال، يجب استكشاف إمكانيات التعاون في حل مشكلات أخرى. ومن المهم هنا بصورة خاصة إشراك إيران في الجهود الإقليمية الساعية إلى نشر الاستقرار في أفغانستان ووضع حد لتجارة المخدرات. ولكي تشترك إيران ودول أخرى من المنطقة في تلك الأمور على نحو متكافئ فمن اللازم تكوين مجموعة اتصال خاصة بأفغانستان يشترك فيها كل دول الجوار والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والهند. إن أفغانستان بحاجة إلى دعم جيرانها لكي تنهي الحرب الأهلية التي تمزقها وتسير على طريق إعادة الإعمار. في الوقت نفسه فإن التعاون العملي في مثل تلك الهيئة الدولية قد يسهم أيضاً في إعادة القدر الأدني من الثقة بين جميع الأطراف؛ فهذه الثقة في نهاية الأمر ضرورية لبذل جهود جديدة لحل قضية الملف النووي الإيراني.

فولكر برتس، الصورة أس أف بي
فولكر برتس، مدير المعهد الألماني للأمن والدراسات الدولية في برلين

​​ رابعاً: سيكون على الولايات المتحدة وأوروبا أن تقدم إجابة على السؤال الذي يطرحه المتخوفون والمتشككون الذين لا يثقون في العملية الدبلوماسية برمتها إلا القليل من الثقة: ما العمل إذا تخطت إيران بالفعل حدود الاستفادة العسكرية من التقنية النووية؟ وفق أحدث تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة ولن نصل إليها أيضاً بعد مرور وقت طويل؛ بالرغم من ذلك فإن الإجابة تكمن مبدئياً في خطة الردع الشامل، وفي أن تقوم واشنطن بتقديم ضمانات ذات مصداقية لأصدقائها في الشرق الأوسط والأدنى.

إن نشر الأنظمة الدفاعية الصاروخية على السفن الأمريكية في الخليج لهو إشارة صحيحة لكافة الأطراف، فهو يمنح إسرائيل ودول الخليج الصغيرة مزيداً من الأمن، ويؤكد على ذلك أمام طهران أيضاً – دون التخلي في الوقت ذاته عن الاستفادة من آفاق التعاون مع إيران.

فولكر بِرتس
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

دول الخليج العربي والبرنامج النووي الإيراني:
خشية من جارة كبيرة تمتلك القنبلة النووية

تنظر دول الخليج العربي بقلق وريبة إلى جارتها إيران، وتخشى من أن تكون هذه الدولة المجاورة قد تسعى إلى فرض رغبتها في السيطرة على المنطقة من خلال امتلاكها القنبلة النووية، الأمر الذي لا يمكن للمرء تنبّؤ عواقبه. بتينا ماركس في قراءة لبعض ردود الفعل العربية على البرنامج النووي الإيراني وأبعاده على دول الخليج العربي.

حوار مع هانس بليكس حول الملف النووي الإيراني:
"المفاوضات المباشرة بدل سياسة العقوبات"

يرى هانس بليكس، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرِّية IAEA أنه لا بد من إجراء محادثات مباشرة مع طهران إزاء برنامجها النووي واعتماد سياسية الحوافز كمخرج لهذا الملف الشائك. توماس لاتشان تحدَّث إلى هانس بليكس حول تعامل الغرب مع إيران وموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الملف النووي الإيراني.

تاريخ البرنامج النووي الإيراني:
"الفكر النووي الإيراني".....دروس التاريخ ومخاوف المستقبل

تعود فكرة البرامج النووي الإيراني إلى سبعينيات القرن الماضي وذلك على الرغم من أن فكرة الأسلحة الذرية كانت تعتبر لدى القيادة الإيرانية "غير إسلامية". بيد أن تجرب الحرب العراقية الإيرانية أدت إلى قناعة طهران السياسية بأن البلاد بحاجة إلى هذا النوع من الأسلحة كنوع من الردع ولتحسين موقعها كقوة إقليمية. كتاجون أميربور تلقي الضوء على تطور تاريخ البرنامج النووي الإيراني.