السياسة الإخوانية في منزلق دفع مصر لأنياب الرأسمالية؟

يرى الخبير في العلوم السياسية عبد المطلب حسيني أن سياسة الإخوان المسلمين الحالية في إدارة الاقتصاد المصري تتبنى فكر النيوليبرالية، أي الليبرالية الجديدة، فتزيد من إفقار الشعب، كما تصب في مصلحة الغرب. ويرى أنهم سائرون على خطى مبارك في عدم تقديمهم أية برامج لحل المشاكل الاقتصادية. بل ويتقبلون "وحشية" النظام الرأسمالي ويقدسون الملكية الخاصة محاولين التوفيق بينها وبين الدين الإسلامي.

الكاتبة ، الكاتب: Abdel Mottaleb Hussein

الوضع الاقتصادي في مصر كارثي، والعملة (الجنيه المصري) في حالة انهيار، ولا تلوح في الأفق أي بوادر للحصول على إعانات، على الرغم من أن حكومة مرسي قد استأنفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قدره 4.8 مليار دولار.

لا توجد لدى الإخوان المسلمين أية خطة لإنعاش الاقتصاد المصري المنهك. ولتحويل الأنظار عن هذا العجز، فإنهم يجرون نقاشات مجردة حول الإسلام ودوره في الدولة والدستور والشريعة.

ومع ذلك، فقد أدرك غالبية المصريين منذ فترة طويلة أن الإسلاميين بتوجهاتهم الاقتصادية النيوليبرالية وأطماعهم الديكتاتورية في الاستحواذ على السلطة لا يختلفون كثيرا عن النظام القديم.

لذلك، تواجه مصر الآن فترة من عدم الاستقرار السياسي، والتي من الممكن أن تهدد التنمية الديمقراطية للبلاد على نحو خطير.

ويتسم الإخوان المسلمون بانغلاق فكري لا مثيل له. وباعتبارهم إحدى الحركات الإسلامية السلفية استندوا منذ تأسيس جماعتهم قبل 80 عاما إلى أفكار فقهاء مثل ابن حنبل (780-855) وابن تيمية (1263-1328)، المشهورين بالتشدد الديني وعداوتهما للتوجهات العقلانية في الإسلام.

البحث عن القدوة في الماضي

يبحث الإخوان المسلمون دائما عن نموذجهم السياسي في الماضي، ويطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في الدولة والمجتمع. هذا الموقف السياسي المبدئي أدى إلى دخول الجماعة في مواجهات مع كل القوى الديمقراطية والعلمانية التي تريد تحديث مصر.

اضطهاد جماعة الإخوان المسلمين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر (1953-1970) دفع بهم إلى أيدي النظام الملكي السعودي. في هذه المرحلة، استطاع العديد من أعضاء الجماعة جمع ثروات كبيرة، وهذا من ناحية.

الرئيس المصري في زيارة للملك السعودي في الرياض. رويترز
صداقة فكرية: يرى عبد المطلب حسيني أن: "جماعة الإخوان المسلمين شهدت من خلال تحالفها مع الإسلام الوهابي مزيدا من الجمود الفكري، ساعد على تعزيز النزعات المتطرفة والرجعية داخل الجماعة".

​​

كما شهدت الجماعة من ناحية أخرى نوعا آخر من الجمود الفكري نتيجة تحالفها مع الإسلام الوهابي، الذي ساعد على تعزيز النزعات المتطرفة والرجعية داخل الجماعة.

بعد ذلك جاء الرئيس أنور السادات وهو الرئيس المصري التالي لعبد الناصر واستخدم الإخوان المسلمين في السبعينيات كحليف رئيسي في معركته ضد اليسار المصري وفي تقاربه مع الغرب وسياسته الاقتصادية الليبرالية.

وخلال ذلك الوقت، ازداد نفوذ الإسلاميين العائدين في كل مكان، في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. بل إنهم تمكنوا من إعلان الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في الدستور المصري لعام 1971. وانتهى تحالف الإسلاميين مع السادات بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1978.

معاً ضد اليسار

بعد اغتيال السادات على يد أحد التنظيمات الإسلامية المتطرفة تولى حسني مبارك زمام السلطة في مصر- ولكن ذلك لم يقلل من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين.

وبرغم الحظر السياسي لجماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكم مبارك، وبرغم اضطهادها سياسيا بين الحين والآخر، إلا أن الجماعة كانت قادرة على التوصل إلى تفاهمات مع النظام، ومواصلة أنشطتها الدينية والاجتماعية.

ولم تكن الديمقراطية أبدا في نطاق اهتماماتها آنذاك. وظل الإخوان المسلمون أوفياء لشعارهم "الإسلام هو الحل".

لا يقدم الإخوان المسلمون أي برنامج من أجل حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمصريين البالغ عددهم 80 مليون نسمة ومكافحة الفساد، بل إنهم يتقبلون "وحشية" النظام الرأسمالي في مصر، ويقدسون الملكية الخاصة ويحاولون التوفيق بينها وبين الدين الإسلامي.

الرئيس المصري الأسبق: أنور السادات. أ ب
بتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي أنهي الرئيس المصري السادات سياسات الاقتصاد الموجه من قبل الدولة، التي انتهجها سلفه جمال عبد الناصر، لصالح الاقتصاد الليبرالي.

​​

وبناء على ذلك أصبحوا يعتبرون الفوائد البنكية التي يحرمها الإسلام "مرابحة" في ظل ما يعرف بالاقتصاد الإسلامي.

وقد أيد الإسلاميون في عهد مبارك عمليات خصخصة القطاع العام وإلغاء سياسات الإصلاح الزراعي التي طبقها الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات. وقد أدى القضاء على الإصلاح الزراعي إلى إفقار قطاعات عريضة من الفلاحين.

يؤيد الإخوان المسلمون اقتصاد السوق الحر غير المقيد بقيود، ويرفضون أي تدخل من الدولة لتنظيم ذلك. كما يرحبون بانفتاح الأسواق المصرية أمام المنتجات الأجنبية، الأمر الذي يؤدي إلى مواصلة ارتفاع العجز في الميزان التجاري.

الرغبة في الربح السريع

جمع رجال الأعمال من أصحاب المليارات بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ثرواتهم في الغالب من منطقة الخليج.

وهم يستثمرون في المقام الأول في القطاع التجاري، وخاصة في مجال استيراد البضائع من الخارج، ما يضمن لهم الربح السريع وليس خلق فرص العمل. وهم لا يبالون بتطوير الزراعة والصناعة، ولا السياحة التي كانت دائما بمثابة شوكة في عيون الإسلاميين المحافظين.

رجل يقرأ القرآن الكريم ويستخدم شعار الإخوان كعلامة لآخر صفحة بلغ قراءتها. د ب أ
من أجل قراءة نيو ليبرالية محافظة للإسلام: ينتقد خبير العلوم السياسية عبد المطلب حسيني الإخوان المسلمين قائلا:" يتقبل الإخوان المسلمون "وحشية" النظام الرأسمالي في مصر، ويقدسون الملكية الخاصة ويحاولون التوفيق بينها وبين الدين الإسلامي".

​​

ولتسوية عجز الموازنة، الذي بلغ 26 في المئة، تتبع الحكومة التي يديرها الإسلاميون سياسات الحكومة السابقة نفسها. وحاولوا الحصول على قرض بمبلغ 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ومن أجل الحصول على القرض يجب أن ترتفع أسعار المحروقات وأن ينخفض الإنفاق العام.

وبات واضحا أن مثل هذه التدابير تؤدي إلى إفقار المزيد من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر - ونسبتهم حوالي 40 في المئة. كما أسهم انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي في زيادة تكاليف المعيشة.

ولا يعمل الإخوان المسلمون بجدية من أجل مكافحة الفقر. بل على العكس، فهم منحازون للطبقة العليا الثرية. وفي واقع الأمر يحول الإسلاميون دون تحقيق مطلب الثورة في المزيد من العدالة.

سواء على المستوى السياسي أو المستوى الاقتصادي يرسي الإسلاميون القواعد من أجل تطبيع علاقاتهم مع الولايات المتحدة والغرب، عن طريق إبقائهم للسوق المصرية مفتوحة أمام المنتجات ورؤوس الأموال الغربية. وهم يطمحون بذلك في لعب نفس الدور القديم الذي لعبه من قبل نظام مبارك.

ويبدو أن الغرب ليس نافراً من فكرة التحالف مع الإخوان المسلمين، وربما يكون هذا خطأً فادحا؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين بوضعها السياسي الراهن لا تفتح أية آفاق مستقبلية.

 

عبدالمطلب حسيني
ترجمة: صلاح شرارة
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: تاغيستسايتونغ/ قنطرة 2013

عبدالمطلب حسيني خبير في العلوم السياسية وصحفي حر، ولد في لبنان