المثقفون المصريون وتحديات الثورة الحديثة

مثلما فاجأت الثورة المصرية المتابعين لها فاجأت المثقفين أيضا، فأين يكمن دورهم بعد الخروج من ميدان التحرير؟ هاني درويش  التقى في القاهرة أربعة من المثقفين المصريين الذين شاركوا في الثورة.



محمد هاشم صاحب دار ميريت للنشر وأحد أكثر الأسماء التي قدمت دعما للثوار في الميدان، يرى أن المثقفين المصريين لم يلتقطوا الأنفاس بعد، فبعد إزاحة مبارك غرقوا في تفاصيل تطهير باقي النظام، ومتابعة إجراءات محاكمة رموزه، والخروج الصادم للسلفيين. وفي نظر هاشم "جدول الأعمال مفروض على الجميع من الخارج." ثم يشير إلى أن المثقفين أزاحوا وسط هذه المعارك وزير الثقافة الإسلامي محمد الصاوي، "الداعم لمنظور تصورات الإخوان عن الثقافة."

ويشكو هاشم من تهميش المثقفين من الظهور في الإعلام، مما يظهرهم بعيدين عن الحراك الثوري، ويقول إن فاعليات الثورة تدور الآن على شاشات الفضائيات عبر طبقة جديدة من خبراء الكلام على حد وصفه، "فيما لم نشاهد واحدا من مئات المثقفين الذين وقفوا خلف المتاريس يتم تقديمه للناس". ويؤكد هاشم على أن المثقفين المصريين يستعدون الآن لعقد مؤتمرهم الأول عن الثقافة والثورة، "لخلق تمثيل حقيقي للمثقفين على طاولة التفاوض المجتمعي."

احتدام الصراع بين ثلاث قوى

الصورة دويتشه فيله

​​الروائي والمترجم إيهاب عبد الحميد يرى في حواره مع دويتشه فيله أن الثورة أثبتت خطأ الفكرة السائدة عن المثقفين كجماعة منغلقة على نفسها، ويقول إن "الجسد الأساسي للمثقفين شارك فيزيقيا في الثورة"، لكن المثقفين، كما يضيف، يميلون إلى اللامركزية وعدم الاتفاق الجمعي، نظرا إلى اختلاف التركيب الذاتي والشخصي لأفرادهم، " وقد أثبتت الثورة أن حلولهم للصراع مع الدولة القمعية قديمة وعفى عليها الزمن."


ويضيف عبد الحميد في حديثه مع دويتشه فيله، أن الصراع يحتدم الآن بين ثلاث قوى في المجتمع، كل قوة منها تخاف وتحترس من القوتين المواجهتين لها؛ فلول النظام لهم مشكلات مع الإخوان المسلمين والتيار المدني الليبرالي اليساري، وقوة الإخوان في مواجهة الفلول والتيار المدني، والتيار المدني الواقع بين كماشتي فلول النظام والإخوان.

"الصوت الثقافي يدرك أن الإسلاميين عدوه الحقيقي"

الصورة دويتشه فيله
المصمم الفني وفنان الغرافيك البصري أحمد اللباد

​​وخلال يوميات الميدان اقترب المثقفون من الإخوان بل ودافعوا عن حضورهم في مواجهة النظام، كما يقول عبد الحميد، وقد أثبت الإخوان كالعادة انقلابهم على كل التحالفات الوردية، لكن اتحاد جسد المثقفين المصريين بعد الثورة يعوض عن ذلك، فقد اختفى إلى الأبد مفهوم مثقف السلطة. "والمثقفون كلهم الآن حماة للثورة في مواجهة سلطتي العسكر والإخوان المتحالفين تكنيكيا، ومجمل الصوت الثقافي الآن يدرك أن عدوه الحقيقي ممثل في الإسلاميين." المصمم الفني وفنان الغرافيك البصري أحمد اللباد يرى أن المحاولات التي يبذلها المجتمع الثقافي الآن للتفاعل مع الثورة هي محاولات خجولة، فالنظام السياسي الماضي عمل على مدى 30 عاما على تدجين المثقفين من جهة، والتأكيد على مخاصمتهم للمجتمع من جهة أخرى. وفشل المثقفون في الدفاع عن أنفسهم لفترة طويلة "ونحن الآن عدنا إلى مربع الدفاع عن النفس عبر الخوف من التيار الإسلامي."


ويتخوف اللباد من احتمال تغيير تسمية الثقافة أصلا إذا ما شكل الإسلاميون أغلبية في البرلمان، وأن يصبح من حق السلفيين المطالبة بصورة ديمقراطية بحصة من قصور الثقافة، لاستضافة الشيخ الحويني، السلفي والمعادي للمرأة والإعلام والثقافة، "نحن أمام مشهد قد تكون فيه الثقافة أولى ضحايا الثورة."

"ثقافة جديدة لا تنتمي للجماعة الثقافية"

الفنان التشكيلي عادل السيوي يرى أن الثورة ستعيد الثقافة إلى وضعها الطبيعي بعد فصلها عن السياسة، فتأميم المجال السياسي منذ ثورة 1252 حمّل الثقافة هموم هامش الهروب من السياسية، حيث أصبحت المنفذ الوحيد للسياسة، وبعد فتح المجال بعد ثورة 25 يناير تم فصل الأوراق وإعادة تحديد المجال، خاصة وأن الميدان شهد ثقافة جديدة لا تنتمي للجماعة الثقافية "ثمة جماعة جديدة أداؤها استعراضي قائم على الارتجال واللغة الجديدة المباشرة."


وفي نظر السيوي كان وجود الجماعة الثقافية التقليدية وجودا سياسيا يهدف إلى إثبات وجود قوى أخرى في الميدان غير الإسلام السياسي "حضور مدني ممثل في شخصيات عامة وكتاب ومثقفين وممثلين". ثم يعبر السيوي عن رأيه القائل بأن المثقف أصبح بعد الميدان مشتتا بين دوره في العمل العام في هذا الخصام السياسي وبين دوره في مواجهة السلطة الثقافية الممثلة في الدولة، خاصة وأن "السياسية الثقافية للعصر السابق سجنته في دور الخبير المنغلق على ذاته."

"روح الثورة تفجرت من خارج الثقافة التقليدية"

ثم يتحدث السيوي عن الورقة التي كان قد قدمها منذ فترة طويلة لتطوير المجلس الأعلى للثقافة وتتلخص في تحويل دور المؤسسة الثقافية الرسمية إلى محرك ديناميكي مهتم أكثر بالدعم والتنشيط " نحن بحاجة إلى دور الدولة بمحددات واضحة، فالثقافة المصرية يصنعها المبدعون الفاعلون." ويقول السيوي إن المثقفين عانوا كثيرا من كونهم أبناء للحداثة المشوهة "فالثورة كما يراها العالم قدمت بعدا حداثيا فارقا، أدخل مصر في نقطة من الزمن الفارق، هنا دور المثقفين فارق والتحدي كبير، خاصة وأن من دفقوا هذه الروح في المجتمع أشخاص من خارج الثقافة التقليدية."

 

هاني درويش - القاهرة
مراجعة: منى صالح
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011