''الفن ميدان''......تجربة فنية بألوان الثورة المصرية

في ميادين مختلفة بخمس محافظات مصرية نظم إئتلاف الثقافة المستقلة يوما فنيا في الهواء الطلق تعرض فيه فاعليات فنية متنوعة مثل الرسم والغناء والمسرح وإلقاء الشعر، في خطوة مستقاة من روح ميدان التحرير أيام ثورة 25 يناير. هاني درويش من القاهرة يعرفنا بهذه التجربة الفنية.

 

الكاتب المسرحي ياسر علام، أحد الفاعلين في إئتلاف الثقافة المستقلة، يشرح كيف إنتزع الفنانون شرعية العمل في ميدان عابدين القاهري دون الحصول علي تصريح من الجهات المختصة قائلا: "جئنا في الصباح مستلهمين روح الثورة حين احتلت الشارع، فمن قضوا 18 يوما في الطرقات يحق لهم أن يستمروا فيها. قمنا بجولة في شوارع الحي الشعبية موجهين الدعوة لأناسه بوصفنا ضيوفا عليهم، لكسر حالة الفن النخبوي، نحن استمعنا لبعضنا البعض كثيرا، وما نقدمه هو من وحي الناس، فلابد أن يشاهده الناس، خصوصا أن أهالي الحي جاورونا في الميدان خلال الثورة ونحن نشاركهم الآن الفرحة بإنتصارها".

ويضيف ياسر علام: "الثورة كسرت حاجز الخوف وحان وقت بناء الحميمية مع أهالينا، خاصة وأن مشوار إستكمال الثورة يتعلق بالشارع والقدرة علي التواصل معه، الفنانون اليوم يغنون "مدنية ...مدنية" والناس متفاعلون مع الشعار، الذي يواجه التعصب والإنغلاق والطائفية".

وفيما يتعلق بإئتلاف الثقافة المستقلة المنظم لهذه الفعاليات الفنية، يشير علام إلى أنه "نسق جماعي لفرق ومؤسسات أهلية وأشخاص اتفقوا بعد الثورة علي ضرورة إستلهام روح الثورة ثقافيا" و"الفن ميدان" هو "تعبير عن الصيغة الحاشدة، التي أفرزتها الثورة حين إلتقي الفنان بالمثقف بالعامل بالحرفي تحت شعار واحد، وميدان مصر تحولت خلال ذلك إلي "مصهر" أعاد تشكيل الشخصية المصرية من جديد، بعيدا عن الأفكار والمواقف المسبقة، نحن اليوم في خمس ميادين في خمس محافظات، في السويس والإسكندرية والمنيا وأسيوط مع القاهرة، وشهريا سنوسع مياديننا".

الصعيد يستمع للراب في القاهرة

تجربة فنية بألوان الثورة المصرية
روح الهواة والهواية هي ما ستكسر خوف الناس من الفن بوصفه "عرضا منضبطا"

​​الصديقان علي محمد محمود ومسعد علي عبد اللطيف وقفا مندهشين أمام عرض موسيقي راب، لقد حضرا من محافظة قنا، الأول يعمل في مجال السياحة المتوقف حاليا والثاني عامل بشركة مصر للألمونيوم بنجع حمادي، حضرا للقاهرة لقضاء بعض المصالح وأثناء طوافهما في ميدان التحرير سمعا الموسيقي القادمة من ميدان عابدين. يقول علي: "الموضوع شبه السامر الشعبي، وهو رائع، والأغاني فعلا تشبه ماكنا نقوله في الثورة، أهالي قنا أيضا شاركوا في الثورة بمظاهرة كبيرة في الإسبوع الثاني وقد شاركنا في إحتفالية شهداء الثورة، لقد سقط عندنا ثلاثة شهداء، وأتمني أن أشاهد هذا المهرجان لدينا في ميدان بنزيون بوسط المدينة، نحن في السراء والضراء مع بعضنا، أنا عضو في إئتلاف شباب قنا وعلي إستعداد لإستقبال وإستضافة المهرجان لدينا".


الفنان التشكيلي محمد عبلة إستقدم لوحة كبيرة شفافة، يقف الشباب والأطفال خلفها ويقوم بنقل صورهم أو محاكاتها بألوانه، وفي لقاءه مع دويتشه فيله يقول عبلة:" هذه الفاعلية بداية لإكتشاف مواهب جديدة من الجمهور، بتكرار هذا الحدث سنخرج بالفن من منطقه النخبوي إلي المنطق العفوي، الألفة الموجودة الآن بعيدا عن الهتاف السياسي ستدفع نفس الجمهور في حالة ذهابهم يوم الجمعة المقبلة لميدان التحرير ومتابعتنا في حالة أخري سيدرك عدم الفصل بين السياسة والفن. نحن هنا لإلتقاط الأنفاس وشحن الطاقة من الناس، نحن نوصل لهم رسالة مضادة لما يقدمه الإعلام عنا كمحترفين سياسية، نحن أناس مثلكم لنا وجوهنا المتنوعة".

رامي عصام ، أو مطرب الميدان كما صار معروفا، يواجه جمهورا لأول مرة من علي منصة مسرح، فإبن مدينة المنصورة الذي حضر إلى القاهرة بجيتاره الأسباني وأعتقلته الشرطة العسكرية وعذبته يوم 9 مارس الماضي لا زال يطور أغانيه السياسية الأقرب للنصوص النثر. يقول رامي:"أكتب وأؤلف من وحي هذه الإقامة، وأحضر لألبوم بإسم "الثورة"، سأطرحه علي النت، أنا طالب في كلية الهندسة، ولخصت تجربة التعذيب في أغنية بعنوان "أضربني" ، الجمهور جديد، وأنا مع أي غناء في الشارع، فما فعلته الثورة بنا هو إعادة توجيهنا عن حق إلي الشارع".

فن بلا منصة ...فن بلا إنضباط

تجربة فنية بألوان الثورة المصرية

​​كاتبة السيناريو نادين شمس تري أن الفن خلال السنوات الماضية تم عزله في منصة وجمهور، ومايخلقه "الفن ميدان" هو "إعادة الإعتبار لدائرة التفاعل بين الجمهور الحقيقي وفنانيه، العزلة جعلت من الفن تعاليا وإحتقارا، الثورة أعادت للفنانين الأرض والفضاء، ونموذج كفرقة "كورال مشروع ...مشروع كورال"، التي يقدم اليوم شكاوي وأصوات المدينة الغائبة بشكل فني خلاق تفاعل مع الجمهور بشكل رائع. كما أن رمزية ميدان عابدين، الذي يقع فيه القصر الجمهوري بها كثير من التحدي، الميدان هنا دعوة لخروج الناس مرة أخري من البيوت وعدم متابعة الثورة عبر نقاشات النخب في برامج "التوك شو"، فالمدخل لتحريك الناس يحتاج لغة ثانية غير الطريقة المباشرة، فمشاعر البسطاء قد يحركها مسرح الشارع أكثر من كلام السياسة، وبإلحاح التجربة والتسويق لها مثلا عبر ميكرفون يمر في الحي سنحول الإحتفالية إلي "مولد شعبي" يعتاده الناس".

عبد الحكم سليمان ، طبيب وناقد أدبي قابلته دويتشه فيله بجانب معرض كتب لبعض دور النشر في الميدان. يري سليمان أن مايحدث أقرب إلي "المظاهرة الفؤية" للفنانين، أي أنه التعبير الأجمل عن علاقة الفن بالثورة، فأشكال العرض أكثر عفوية وأقل تصنعا، والنظام القديم فشل فعليا في السيطرة علي فضاء الثقافة، بل وتنازل مجبرا أو بفعل مرونته عن الضبط المركزي لما يقال أو يسمع، وكأننا قمنا بتفكيك الطاقة التي كانت في ميدان التحرير إلي طاقات فنية في ميادين أخر.، لقد شارك في الثورة نحو 8 ملايين مصري، وقد لمستهم دون شك ذائقة خاصة خلال تلك الأيام الطويلة، ومن يأتي منهم للميدان الآن يبحث عن إستكمال لتلك الحالة، لابد أن يتحول الميدان إلي معمل لتجريب الفن بشكل مرن، روح الهواة والهواية هي ما ستكسر خوف الناس من الفن بوصفه "عرضا منضبطا".




هاني درويش ـ القاهرة
مراجعة: لؤي المدهون
حقوق النشر: قنطرة 2011