موجة عداء للعرب والأجانب في مصر ما بعد مرسي

موجة من كراهية غير المصريين اجتاحت مصر بعد إطاحة الجيش بمرسي، ليس ضد الأمريكيين فقط، ولكن ضد السوريين والفلسطينيين أيضاً الذين يرزحون تحت وطأة تحريض إعلامي غير مسبوق في مصر، فيما لم يتخذ النظام الجديد أي إجراء حيال ذلك، بحسب ملاحظات ماتياس زايلر.

الكاتبة ، الكاتب: Matthias Sailer

أوضاع الأجانب في مصر حاليا لا تبدو سهلة على الإطلاق، وهناك جزء من الإعلام المصري يقوم بحملة تحريض ضدهم. الدولة تقف موقف المتفرج مما يجري. ونتيجة هذا التحريض دفع الكثير من المصريين للنظر إلى غير المصريين (من عرب وأجانب) بنظرة الريبة وحتى العداء.

وأكثر من يعاني من هذا الأمر هم الأمريكيون: ففي المظاهرات – سواء التي ينظمها الإسلاميون أو خصومهم – يلحظ المرء وجود الكثير من الصور الممزقة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع عبارات معادية له. كما أن هناك كثيراً من الشتائم على صور السفيرة الأمريكية في القاهرة. ومن النادر أن ترى أحدا يتكلم بشكل إيجابي إزاء الأمريكيين.

وحتى في الأماكن العامة الكبيرة، يمكن رؤية لافتات كبيرة الحجم تهاجم الحكومة الأمريكية. خصوم الإسلاميين يتهمون الولايات المتحدة بأنها اكتفت بموقف المتفرج حيال الممارسات الاستبدادية للإخوان المسلمين. وبالمقابل، فإن معظم الإسلاميين يكرهون الولايات المتحدة لأنها سحبت دعمها للرئيس المنتخب محمد مرسي.

كثير من المصريين تعصف في رؤوسهم هذه الأيام نظرية المؤامرة، مثل محمد حسن: "كان لدينا ديمقراطية، لكن الجيش لم يعجبه ذلك؛ كما أن الجيش تلقى الكثير من الضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا للإطاحة بمرسي، لأن لديهم مصالحهم الخاصة في مصر ويسعون لضمانها".

الكثير من السوريين في حالة خوف

ولكن حملة التحريض اتسعت لتطال اللاجئين السوريين والفلسطينيين أيضا. ومنذ أول اشتباكات عنيفة بين أنصار جماعة الإخوان المسلمين وخصومهم الذين حشدوا لمظاهرات مناهضة، قُدّم السوريون والفلسطينيون ككبش فداء. فيما تدّعي السلطات العسكرية والأمنية أن جماعة الإخوان المسلمين دفعت أموالا للاجئين السوريين، كي يقوموا بإطلاق النار على المحتجين المناهضين لمرسي وعلى عناصر الجيش.

عناصر من الحرس الجمهوري المصري في مدينة نصر بالقاهرة بتاريخ 8 يوليو 2013 . رويترز
عناصر من الحرس الجمهوري المصري في مدينة نصر بالقاهرة بتاريخ 8 يوليو 2013

​​وقد تلقفت وسائل الإعلام – سواء الحكومية منها أو الخاصة –الموضوع وخصصت له حيزا في تغطيتها، لتبدأ حملة حقيقية ضد السوريين والفلسطينيين. وخير مثال على ذلك يقدمه مصطفى الجندي، وهو عضو سابق في البرلمان المصري، الذي اقترح على شاشة قناة ONTV الخاصة، القيام بإجراء خاص لتحديد أجانب، يزعم أنهم هاجموا محتجين مناهضين لمرسي. وحول ذلك يقول الجندي: يجب إغلاق الشوارع المحيطة بمناطق العنف وإقامة نقاط تفتيش، وبهذا يمكن تحديد من هم "غير المصريين" المشاركين، وإذا تم العثور على أي شخص سوري أو فلسطيني، فيجب "إعدامه"، بحسب قوله.

مثل هذا التحريض يجد أرضا خصبة له بين أجزاء من السكان: معظم المصريين وطنيون جدا ويكادون يقدسون الجيش. وأن يجري الآن اتهام بعض السوريين بتلقي أموال من قبل جماعة الإخوان المسلمين كي يهاجموا الجيش، يعتبر ذلك بالنسبة لبعض المصريين سببا كافيا كي ينظروا إلى جميع السوريين على أنهم أعداء للدولة.

وهذا يعد تطورا سيئا للغاية بالنسبة للاجئين السوريين الهاربين من العنف في بلادهم إلى مصر، كما هو حال أحمد البالغ من العمر 27 عاما: "إن لهذا تأثيراً عليّ، لأنه لن يكون بوسعي الآن التحرك بحرية كما كنت من قبل، وخاصة الذهاب إلى وسط المدينة. ويصيبني حزن شديد، عندما أجلس في مقهى على الرصيف وأستمع إلى أناس يحرضون ضد السوريين".

الوضع القانوني الجديد

وهكذا أمست الأمور الآن مأساوية، لأن الكثير من السوريين تمكنوا من دخول مصر في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي بسهولة وبدون تأشيرة. ولم يكن يحمل تصريح إقامة رسمي سوى عدد قليل من السوريين. كان ذلك أمرا عاديا في عهد مرسي. ولكن الوضع تغير تماما في ظل النظام العسكري. وبسبب المزاج العدائي اضطر بعض السوريين لمغادرة مساكنهم، خوفا من التعرض لمداهمة من قبل الشرطة وبالتالي أن يتم ترحيلهم إلى بلدهم سوريا حيث الحرب المستمرة منذ أشهر طويلة.

مظاهرة مناصرة لمرسي في القاهرة. أ ف ب   غيتي إميجيس
مظاهرة مناصرة لمرسي في القاهرة.

​​موازاة لذلك، تم اعتماد نظام جديد، يطلب بموجبه من السوريين التقدم بطلب للحصول على تأشيرة دخول قبل وصولهم إلى مصر. وهكذا صارت الأمور أصعب بكثير بالنسبة للسوريين الذين يرغبون في الفرار إلى مصر، وهذا ما يعرفه أحمد أيضا: "لقد أعادت السلطات المصرية في المطار طائرتين قادمتين مع جميع الركاب. إحداهما قادمة من دمشق، والأخرى من بيروت". الركاب لم يكونوا يعلمون شيئا عن الإجراءات الجديدة وشرط الحصول على تأشيرة الذي اتخذ بين عشية وضحاها.

الفلسطينيون عرضة للاشتباه العام

وكذلك الفلسطينيون هم أيضا باتوا هذه الأسابيع غير مرحب بهم في مصر. وبسبب التغطية الإعلامية غير الدقيقة، أصبحوا عرضة للاشتباه العام بأنهم تابعون لحركة حماس-الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين. وتتهم حماس أيضا بأنها مسؤولة عن العنف في مصر، كما اتهم الرئيس السابق محمد مرسي – المتواجد حاليا رهن الاعتقال– بأنه فر من سجنه السابق بمساعدة حماس، وذلك أثناء ثورة يناير عام 2011.

النظام العسكري الحالي يضرب بهذه الإستراتيجية المعادية للأجانب عدة عصافير بحجر واحد: من جهة يقدم نفسه على أنه منقذ البلاد من المتآمرين الأجانب. وفي الوقت نفسه يمكن أن يبرر استعماله للقوة، والذي أدى، على سبيل المثال، إلى مقتل العشرات من الإسلاميين بالرصاص، ويلقي باللوم في ذلك على الفلسطينيين والسوريين، إضافة إلى أن ذلك يؤدي إلى فقدان الإسلاميين لمصداقيتهم.

 

ماتياس زايلر
ترجمة: ف.ي
تحرير: وفاق بنكيران
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013