البحث عن جذور التمييز بين "الحق" و"الباطل"

في كتابه "التمييز الموسوي"، الذي تُرجم مؤخراً إلى العربية، يبحث عالم الآثار الألماني يان أسمان تطور فكرة التوحيد التي تمثل مأثورا مشتركا للديانات الإبراهيمية.هايكه فريزل قدمت مراجعة حول هذا الكتاب.

مقطع من تمثال موسى للفنان ميشيل أجلو، الصورة: أ ب
موسى، كما يراه الفنان الإيطالي ميشيل أنجلو

​​في كتابه "التمييز الموسوي" يدعو عالم الآثار الألماني يان أسمان إلى عودة الألوهية الكونية – التي كانت متواجدة قبل عقيدة التوحيد – لتكون سارية المفعول ثقافياً من جديد. الكتاب صدرت ترجمته عربياً في درا نشر الجمل 2005. هايكه فريزل قدمت مراجعة حول هذا الكتاب.

تمتلك الديانات التوحيدية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، مأثورا مشتركا ومفهوما متقاربا عن الله. ومع ذلك فإن تاريخها مطبوع بطابع الصراع، لا يزال له أثره إلى يومنا هذا. فالديانات الثلاث تشترك في محاربتها جميعاً لمحيطها الوثني في البداية. ولكن مع مرور الزمن، نقلت تلك الديانات مفهوم الوثنية إلى الديانات المجاورة لتحديد حقيقتها التوحيدية في كل مرة، في مقابل أنه لا حقيقة للوثنيين الآخرين.

زمن تعدد الآلهة عرف الحق والباطل

يبحث العالم بالآثار المصرية والمؤرخ الثقافي يان أسمان - الذي اشتهر عالمياً مع زوجته ألايدا بنظرية " الذاكرة الثقافية " والذي اشتهر أيضاً بلغته العملية البسيطة التي تدرب عليها في لغة ماكس فيبر وسيغموند فرويد ـ يبحث في جذور نتائج التمييز بين "الحق" "والباطل" في المسائل الدينية، التي لم تكن موجودة قبل الديانة التوحيدية.

لقد أدخل، وهو يعمق كتابه "موسى المصري" (1998) ويواصل البحث فيه، أن تاريخ ذاكرة الوحي في سيناء - وما ارتبط به من الكتابة التي تتسم بها كل الديانات التوحيدية – تضمن مفاهيم الحق/الباطل، حيث كان هناك تبنى لتعدد الطقوس والآلهة الأجنبية وتمثلها. أما الديانة التوحيدية، فقد وضعت الإله الحق في مقابل "أصنام الوثنية". وفي أثناء ذلك، أخذت الديانة التوحيدية تقيم في شكلها المتطرف حداً فاصلاً بين العالم والله، لم يُعرف في تعدد الآلهة.

الألوهية الكونية والتوحيد في معترك

ولما كان تعدد الآلهة يفهم بصفته إيمانا بكون لا يخلو من ألوهية، فإن أسمان يسميه لذلك "الألوهية الكونية". وكانت الديانة التوحيدية في بدايتها ديانة مضادة "للألوهية الكونية"، فلم تنشأ عنها تطورا، وإنما نشأت عنها عن طريق عملية ثورية أدت إلى عزلها.

وأشهر مثل لشكل سابق من أشكال وحدانية الله، هو طقوس أتون في عهد فرعون المصري أخناتون في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد. فإدخال طقوس قرص الشمس الخاص، وما ارتبط بها خلال وقت قصير من تحطيم معابد الآلهة المصرية القديمة، أدى إلى صدمة ثقافية. وبعد موت إخناتون، مُحيت لاهوتيته الشبيهة بالديانة التوحيدية، فأُهملت ثقافيا ًوشُطب اسم إخناتون من قوائم الملوك، ورغم ذلك يمكن تتبع آثار إخناتون عبر التاريخ.

كتاب فرويد "الرجل موسى"

حقا إنه ليس من الممكن البرهنة على أن لذلك علاقة مباشرة بنشأة الديانة التوحيدية الموسوية، ولم يكن هذا أيضا هدفاً من أهداف أسمان. فهو يبحث عن "آثار الذاكرة" لمأثورات هذه الديانة التوحيدية الإنجيلية في العصور القديمة والمتأخرة عبر تاريخ الفكر، وصولاً إلى عصر كتاب فرويد "الرجل موسى".

يصف أسمان، من غير تقويم، ومن غير أن ينسب الألوهية الكونية إلى المثالية، وعلى وعي تام "بالتقدم الروحاني" الذى تعنيه الديانة التوحيدية، ـ يصف التطور التاريخي المتبادل بين المراحل، التي طرأ فيها تطرف جديد على "التمييز الموسوي"، والمراحل التي تصبح فيها الألوهية الكونية سارية المفعول ثقافيا من جديد.

وهذه المراحل هي مراحل النهضة الإنسانية، التي يَطَّرِد ظهورها في الديانات التوحيدية الثلاث. ويتعلق الأمر، حسب عالم النفس الثقافي الفرويدي، بعودة مقومات ثقافية تم إبعادها في فترة سابقة. إذن، فالأمر يتعلق عند أسمان بعمل تذكيرى، يظهر المُبعد إلى النور، وذلك من أجل الانشغال به، و"التسامي به" بالمعنى، الذى أراده فرويد.

إن "التمييز الموسوي" يجب، وهذه مرافعة أسمان الأخيرة، أن يتخذَ "موضوع تأمل وإعادة تحديد بصورة متواصلة إذا أريد له أن يبقى قاعدة للتقدم في الإنسانية".

هايكه فريزل
ترجمة: بوليد دودو
حقوق الطبع ليتريكس

صدر كتاب "التمييز الموسوي" عن منشورات الجمل 2005.

قنطرة

لماذا يعارض الإسلام مقولات التحليل النفسي؟
لا يعترف الإسلام بالتحليل النفسي لأسباب تتعلق بشخصية مؤسس النظرية فرويد الذي يعتبر الدين وهما لا وجود له الا في ذهن الإنسان. كما يرى الأصوليون المعادون للحداثة في فرضياته شكلا من أشكال التفكير اليهودي. هذا ما يقوله فتحي بن سلامة في الحوار التالي مع غبرييللا م. كللر.

www

litrix.de