ظاهرة تغرز براثنها بصمت في مجتمع المراهقين الافتراضي

مع التطور التكنولوجي تطورت أشكال الإيذاء المتكرر (التنمر) لينتقل من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي وتنعكس نتائجه مجددا على أرض الواقع. وباتت ظاهرة المضايقات الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنتشر في أوساط تلاميذ مدارس الأردن، كما في بقية البلدان حول العالم. وينتج عنها مشاكل قد تؤثر على الأداء الدراسي للتلاميذ ومنها ما يصل إلى قضايا الشرف. حنين أبو الروس تسلط الضوء لموقع قنطرة على ظاهرة التنمر الرقمي وعواقبه في الأردن.

الكاتبة ، الكاتب: حنين أبو الروس

لطالما سمعنا عن ظاهرة التنمر بين طلاب المدارس على امتداد عقود طويلة، ويعرف التنمر بأنه شكل من أشكال الإساءة والإيذاء المتكررين، كالتحرش الفعلي والاعتداء الجسدي، تجاه شخص يكون غالبا أضعف من الشخص القائم بهذه الأفعال أو من يطلق عليه اسم التنمر. ومع التطور التكنولوجي تطور التنمر ليتعدى العالم الواقعي و ينتقل إلى العالم الافتراضي، ليطلق عليه اسم التنمر الإلكتروني. يعرف التنمر الإلكتروني بأنه  استخدام الإنترنت والتقنيات المتعلقة به من أجل إيذاء أشخاص آخرين بطريقة متعمدة ومتكررة وعدائية.

ظاهرة تتفشى بأشكال مختلفة

التنمر الإلكتروني كمصطلح، غير معروف في أواسط المجتمع الأردني، لكنه كمشكله مستمر بالتفشي بأشكال مختلفة خصوصا بين المراهقين من طلاب المدارس أي التلاميذ بين سن 14-18 عاما.

تقول منى الطريفي، المرشدة التربوية لإحدى المدارس الخاصه في عمان، في حوار أجرته مع موقع قنطرة أن ظاهرة التنمر الإلكتروني منتشرة بكثرة في المدرسة، لكن التعامل معها يتم بشكل سري ولا يتحدث عنها بشكل صريح، كما أنهم في إدارة المدرسة يبذلون قصارى جهدهم لحل المشاكل بين التلاميذ داخل أسوار المدرسة. وتضيف: "لكنني أعتقد أن هذه الظاهرة ستتطور خلال الخمس سنوات القادمة مع التطور السريع للتكنولوجيا لتصبح تناقش بشكل صريح".

مواقع التواصل الاجتماعي..منبر للتنمر الإلكتروني
مواقع التواصل الاجتماعي..منبر للتنمر الإلكتروني

و كأمثله على حالات التنمر الإلكتروني الحاصلة في المدرسه، تذكر الطريفي في هذا السياق أنه قد تم إنشاء مجموعة على الفيس بوك خاصة بطلاب المدرسة ليكتب التلاميذ عن تجاربهم بالمدرسة وذكرياتهم، لكن تم استخدام هذا الجروب من قبل مجموعة من الطلاب بطريقة غير لائقة من وجهة نظر المدرسة، حيث تم استغلاله لنشر صور المعلمين والتعليق على هذه الصور تعليقات ساخرة وشتمهم على الملأ وكذلك ذم أنظمة المدرسة، بحسب الطريفي.

و من أحد التعليقات من قبل واحدة من الطالبات، مستهدفة المديرة: "عندما انتسبت لهذه المدرسة رأيت نسخة من القذافي قلبا و قالبا". وكإجراء ردعي اتخدت المدرسه قرار بفصل الطالبه المؤسسة لهذه الجروب نهائيا من المدرسة وتهديدها بالمدعي العام كما ذكرت الطريفي.

 تعددت الأشكال والعواقب واحدة

وفي الإطار نفسه تذكر الطريفي شكل آخر من أشكال التنمر الإلكتروني في المدارس وهو الاختراق أو ما يطلق عليه في اللغة الدارجة اسم "التهكير"، ويتم ذلك من خلال سرقة كلمة السر الخاصه بشخص و الدخول على حسابه وسرقة صوره ثم تركيب هذه الصور على أخرى تكون عادة غير لائقة. تستخدم مع المعلمات و أيضا بين التلاميذ أنفسهم. كما تقول الطريفي.

ولتشويه السمعة والمس في الشرف نصيب في قضايا التنمر الإلكتروني، فكثيرا ما يحصل أن الأخ يكتشف علاقة أخته مع شاب آخر، مما يؤدي إلى محاولة الأخ إيذاء الشاب الذي تربطه علاقة مع الأخت مما يدفع الأخير إلى التشهير بالبنت ومحاولة تشويه سمعتها، بحسب ما ذكرته الطريفي.

محاولات لكبح جماح التنمر الإلكتروني

وفي المقابل فإن المدرسة تعمل جاهدة للحد من هذه الظاهرة فتحاول تطويق الطلبه بقيود، كمنع استخدام الهاتف المحمول إلا بإذن من الإدارة، كما أنهم يقومون بحملات تفتيشية للطلبة للتأكد من عدم وجود هواتف في حوزتهم أو أي جهاز يتصل بالإنترنت. لكن المرشدة تؤكد أن هناك عددا كبيرا من التلاميذ لا يلتزمون بالتعليمات وأنهم يخفون الأجهزة في أماكن قد تصل إلى جواربهم. كما أن المدرسة قامت بتنظيم حملات توعيه بمشاركة إعلاميين أردنيين على أمل التخفيف من هذه الظاهرة، وفق ما تقول منى الطريفي.

تلاميذ مدارس في الأردن. Photo: Haneen Aburous
التنمر الإلكتروني كمصطلح، غير معروف في أواسط المجتمع الأردني، لكنه كمشكله مستمر بالتفشي بأشكال مختلفة خصوصا بين المراهقين من طلاب المدارس أي التلاميذ بين سن 14-18 عاما.

غياب الوعي هو السبب

ولم تنجُ المدارس الحكومية في الأردن من ظاهرة التنمر الإلكتروني، حيث تحدثنا راضية زريقات المرشدة التربوية لإحدى المدارس في عمان، بأن الوضع لا يختلف كثيرا عن المدارس الخاصه و تضيف أن السبب الرئيسي وراء انتشارها هو استخدام الطلاب للموقع الاجتماعي الفيس بوك من دون رقابه من الأهل.

وتضيف زريقات أن هناك حالات التفكك الأسري التي تعاني منها أسر الطلاب في مدرستهم كثيره وتصل إلى نسبة 60 %، مما يغيب الرقابه على الطلاب ويحد من فرصة توعيتهم. ومن إحدى أسباب انتشار هذه المشكله كما ترى زريقات هو غياب الوعي لدى الوالدين أو انشغالهم عن أطفالهم لتوفير لقمة العيش.

للضرر النفسي نصيب

لا يقتصر الضرر الذي تسببه ظاهرة التنمر الإلكتروني على العلاقات الاجتماعيه فحسب، بل تتعداه إلى التسبب بمشاكل نفسيه قد تصل الى الانتحار، وفي هذا الصدد يعلق دكتور الطب النفسي أشرف الصالحي أن التنمر الإلكتروني ينتج عنه عدة مضاعفات لدى الشخص الضحية كتدني الثقة بالنفس والاكتئاب والقلق النفسي وزيادة الوزن، ويضيف أن الضحية تصبح تميل إلى الانعزال عن الناس والخوف من المستقبل. ويرى الصالحي أن التنمر الإلكتروني يدفع الضحيه لتصبح عدوانيه ولديها الرغبة الدائمة في الانتقام ويتسبب باضطرابات بالشخصية كإيذاء الذات. وبحسب رأي الدكتور الصالحي فإنه ليس بالضرورة أن يكون المتنمر مريضا نفسيا وإنما هو شخص يتمتع بالاستهزاء بمن هم أقل منه وتعذيبهم.

دكتور الطب النفسي أشرف الصالحي
يقول دكتور الطب النفسي أشرف الصالحي إن التنمر الإلكتروني ينتج عنه عدة مضاعفات لدى الشخص الضحية كتدني الثقة بالنفس والاكتئاب والقلق النفسي وزيادة الوزن.

وفي سياق التعامل مع الضحيه يوضح الدكتور الصالحي: "نتعامل مع الضحية بتعزيز الثقة بالنفس وبتعليمه كيف يغضب وأن الغضب ليس شرا و كيف يقول لا ويوقف الاستمرار بالإيذاء". ويؤكد على أهميه توعية الطفل وتعليمه كيف يحمي نفسه بإعطائه أمثلة عن كيفية استخدام وسائل الاتصال الحديثة لمنع من يؤذيه من الاستمرار بإيذائه، كما أنه من المهم  تشجيعه على أن يخبر الأهل و الأصدقاء والمعلمين عن حالات التنمر ويطلب مساعدتهم، بحسب الدكتور الصالحي.

ومن جهه أخرى يعتقد الدكتور أشرف الصالحي أنه من الممكن ردع الشخص الممارس للتنمر أو المتنمر بإفهامه أن ما يقوم به ليس مزاحا وأنه مؤذٍ للآخرين ونخبره أنه لو كان مكانهم لشعر بالإحباط واليأس وأنه إن لم يتوقف فسيكون هناك قانون يحمي الأولاد الآخرين منه ويضع عليه عقوبات معينة وعلى أهله كذلك.

عقوبة غير رادعة

أما في ما يتعلق بالشؤون القانونية، فإن قانون جرائم أنظمة المعلومات الأردني ينص في مادتيه الثامنه والتاسعة على أن كل من قام بإرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتيه أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم و قدح أو تحقير أي شخص فسيعاقب بغرامة لا تقل عن 100 دينار أردني أي ما يعادل تقريبا 100 يورو ولا تزيد عن 2000 دينار أردني أي ما يعادل 2000 يورو.

تلاميذ في العاصمة الألمانية برلين مشاركين في مشروع "أبطال الإنترنت"
تلاميذ في العاصمة الألمانية برلين مشاركين في مشروع "أبطال الإنترنت": ظاهرة منتشرة ليس فقط في الأردن بل أيضاً حول العالم. تبدو ظاهرة التنمر الإلكتروني (المضايقات الإلكترونية) منتشرة بشكل كبير في ألمانيا أيضاً. لذلك انطلق مشروع مدرسي في ألمانيا يدعى "أبطال الإنترنت"، تتم من خلاله النقاش حول كيفية التعامل مع عالم الإنترنت. ويتم تمويل هذا المشروع من خلال الاتحاد الأوروبي. ويرافقه علمياً باحثون في تطوير علم النفس من جامعة برلين الحرة. وبدأت المدارس الألمانية في برلين بتفعيل هذا المشروع، حيث شارك فيه في مدينة برلين قرابة تسعة آلاف تلميذ وتلميذة تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة. وكل من هؤلاء التلاميذ تعرض غالباً للمضايقات الإلكترونية.

وفيما يخص المراهقين تنص المادة التاسعة على أن كل من أرسل أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتيه أو أي نظام معلومات قصدا كل ما هو مسموع أو مقروء أو مرئي منافٍ للحياء موجه إلى أو يمس شخصا لم يبلغ سن الثامنة عشرة من العمر فسيعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر و بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد على 500 دينار أردني.

من جهتها تعلق المحامية سالي البنا بشأن العقوبة المترتبه على المتنمر أنها غير كافية وغير رادعة كون المواقع الإلكترونية تربه خصبة للمواجهات و المناوشات وتضيف: " هنالك فراغ تشريعي بخصوص الذم والقدح بما فيها الاعتداءات الجنسية بوسائل إلكترونية ونتج عن ذلك انتشار جروبات لهذه الغاية على المواقع الاجتماعية تحت مسميات مختلفة أو من خلال البريد الإلكتروني  وغيره". وترى البنا أن قانون العقوبات لا يعالج حالات ارتكاب مثل هذه الجرائم من خلال شبكة معلومات أو موقع إلكتروني وإنما يحدد حالات التجريم و يشترط حدوث تلك الأفعال مادياً لتجريمها .

وتسهب البنا موضحة: "بمعنى أن قانون العقوبات لا يجرم تلك الأفعال إلا إذا وقعت بالفعل ويعتبر الاعتداءات الجنسية التي تحدث على المواقع الإلكترونية غير كافية لقيام الركن المادي للجريمة، ونجد من خلال النص في قانون العقوبات بأن الذم والقدح وما يتضمناهما من اعتداءات جنسية من خلال البريد الإلكتروني أو موقع رقمي يكون غير معاقب عليه بشكل صريح ".

 

 

حنين أبو الروس

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: قنطرة 2014