الخلافات اللبنانية...انعكاسات سياسية لحالة إقليمية

تُلقي الحرب في سوريا بظلالها على البلد الصغير المجاور وكثرت في الآونة الأخيرة المواجهات بين لبنانيين سنة وشيعة وليس من المتوقع أن تشهد هذه التوترات تهدئة قريباً كما تطلع منى نجار موقع قنطرة من بيروت.

الكاتبة ، الكاتب: Mona Naggar

بينما كان الجيش اللبناني والشيخ أحمد الأسير وأنصاره يخوضون معركة دموية في صيدا، كانت الدبابات تتحرك في شوارع بيروت. فقد تمركز الجيش اللبناني في أحياء كان من الممكن أن تشهد أعمال عنف، مثل طريق الجديدة، قصقص، كورنيش المزرعة أو رأس النبع. هذه المناطق تشكل نقاط التماس الجديدة في المدينة بين سكان سنّة من جهة وشيعة من جهة أخرى.

هذه المواقع ليست من إرث الحرب الأهلية الطويلة، ولكنها نتاج التطور السياسي في السنوات الماضية. خطوط التماس هذه موجودة قبل ظهور الشيخ الأسير الشعبوي وقبل اندلاع الحرب في سوريا. عندما احتل "حزب الله" الشيعي في 7 أيار/ مايو أجزاء من بيروت، شهدت هذه الأحياء مواجهات مسلحة أيضا.

إذا تحدثنا مع سكان هذه الأحياء عن التوتر السني-الشيعي في لبنان اليوم، فالإجابات كلها تتمحور حول أسباب سياسية لهذا التوتر. إبراهيم المصري البالغ 18 سنة يسكن في طريق الجديدة، حي بيروتي ذو غالبية سنية.

"حزب الله" أقوى ترسانة عسكرية في لبنان

يقول الشاب إن سلطة "حزب الله" تنامت في السنوات الماضية في الدولة اللبنانية بشكل مطّرد وأصبح يمسك بزمام القرار بيده مما يولّد ضيقا لدى السنة: "يوجد لدينا في الحي أحيانا مشاكل بين أنصار "تيار المستقبل" وأنصار "حزب الله". فهم لا يتقبلونّ بعضهم البعض!". منطقة خندق الغميق، في مركز بيروت تسكنها غالبية شيعية، حيث تزين صورٌ ضخمة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله الجدران، بالإضافة إلى أعلام الحزب الصفراء. في الشارع الرئيس لهذا الحي يدير حسين فياض سوبرماركت صغيرا.

مسيرة لحزب الله في لبنان. أ ف ب ، غيتي إميجيس
"حزب الله" بترسانته العسكرية أقوى سلطة سياسية وعسكرية في لبنان. وسويةً مع "حركة أمل" يمثل الحزب غالبية الشيعة في البلاد.

​​

وعند سؤاله عن خلفيات التوتر السني-الشيعي في البلاد يقول بأن الأمر واضح: "هناك مؤامرة أمريكية إسرائيلية بالاتفاق مع بعض الدول العربية مثل قطر والسعودية للنيل من "حزب الله "لأنه قاوم إسرائيل وهزمها في جنوب لبنان". قُتِلَ شباب من الحي في الحرب ضد إسرائيل في الجنوب عام 2006، كما قُتل آخرون حديثا في سوريا. كان هؤلاء يقاتلون سنّة متطرفين، بحسب قول فياض البالغ من العمر 53 سنة.

المواجهات السنية-الشيعية، في بيروت، أو في بعض قرى البقاع، لا تنبع من خلافات دينية بل هي انعكاس للمشهد الحزبي في لبنان، والصراعات بين القوى السياسية المختلفة في البلاد والتحالفات الإقليمية لهذه القوى. ويثبّت النظام السياسي القائم على أسس طائفية التقسيم في البلاد حسب الانتماءات الدينية للمواطنين.

"حزب الله" بترسانته العسكرية أقوى سلطة سياسية وعسكرية في لبنان. وسويةً مع "حركة أمل" يمثل الحزب غالبية الشيعة في البلاد. الحليفان الإقليميان هما طهران ودمشق. ويدعم "حزب الله" الرئيس السوري بشار الأسد ويبعث مقاتليه للمشاركة في الحرب الدائرة في سوريا ضد المعارضة السورية المسلحة.

رئيس الوزراء المستقيل نجيب ميقاتي. رويترز
في بداية الأزمة في سوريا كانت الحكومة اللبنانية تتبع رسميا سياسة "النأي بالنفس" تجاه التطورات الداخلية في سوريا. ولكن في نهاية حكومة نجيب ميقاتي وبعد استقالته في شهر آذار/ مارس 2013، اختفى هذا الشعار من المشهد السياسي في لبنان، ولم يعد مطروحا بشكل جدي في الآونة الحالية.

​​

"تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري يمثل مصالح غالبية السنة اللبنانيين، حليف المملكة العربية السعودية، ويؤيد المعارضة السورية. جماعات إسلامية متطرفة مثل جماعة أحمد الأسير، التي تعد ظاهرة هامشية بين السنة اللبنانيين، تدعو بدورها إلى القتال في سوريا ضد نظام البعث في صفوف المعارضة المسلحة. في بداية الأزمة في البلد المجاور كانت الحكومة اللبنانية تتبع رسميا سياسة "النأي بالنفس" تجاه التطورات الداخلية في سوريا. ولكن في نهاية حكومة نجيب ميقاتي وبعد استقالته في شهر آذار/ مارس 2013، اختفى هذا الشعار من المشهد السياسي في لبنان، ولم يعد مطروحا بشكل جدي في الآونة الحالية.

محمد سماك لديه خبرة طويلة في الحوار الإسلامي-المسيحي والإسلامي-الإسلامي. فهو أمين عام القمة الروحية الإسلامية في لبنان التي تضم مختلف المذاهب الإسلامية. يصف سماك التوتر بين الشيعة والسنة في لبنان "بالعصبية الحزبية السياسية، التي تعبر عن نفسها تحت المظلة الدينية".

ويتابع قائلا بأن الصراع السني الشيعي في لبنان هو انعكاس لحالة إقليمية: "إذا تم غدا لقاء بين الرئيس الإيراني الجديد الذي أوحى بالانفتاح، من جهة والسعودية والمجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى وتوصل الطرفان إلى تفاهم، سنرى أن كل الظروف تتغير عندنا".

طابع سياسي للخلاف السني الشيعي

الفقيه الشيعي السيد علي فضل الله يتخذ موقفا مشابها ويقول بأن طابع الخلاف السني الشيعي سياسي "يُستخدم فيه الجانب المذهبي كعملية إثارة". فضل الله الذائع الصيت خارج لبنان أيضا يرى دوره كرجل دين في المقام الأول في إطفاء النار والأحقاد وتبريد الأجواء وليس صب الزيت على النار. ويدعو الفقيه إلى الفصل بين الداخل اللبناني والخارج والتركيز على المواضيع السياسية الأساسية مثل تشكيل الحكومة الجديدة.

ويلقي علي فضل الله كل يوم جمعة الخطبة في جامع الحسنين في حارة حريك الواقعة في الضاحية الجنوبية من بيروت. في هذا الحي ذي الأغلبية الشيعية يؤيد الكثيرون "حزب الله". عندما استعادت القوات السورية السيطرة على مدينة القصير الحدودية السورية، بدعم من مقاتلي "حزب الله"، أطلق البعض الرصاص في الهواء ووزع أنصار الحزب الحلوى في الشوارع فرحا بهذا الحدث. شباب من هذا الحي أيضا يشاركون في القتال في سوريا.

رئيس الوزراء المستقيل نجيب ميقاتي. رويترز
الفقيه الشيعي السيد علي فضل الله يقول إن طابع الخلاف السني الشيعي في لبنان سياسي "يُستَخدم فيه الجانب المذهبي كعملية إثارة".

​​

السيد فضل الله يتحدث في خطبه عن التسامح في المجتمع، عن المغفرة والعفو والإحساس بالمسؤولية. لا يبدو رجل الدين الشيعي متفائلا بالمستقبل ويقول: "نحن نلتقي ونتحدث مع الجميع ولكن الأزمة أكبر من تحركنا. الأمور صارت متفاقمة إلى حد كبير."

محمد سماك بدوره يعبّر عن خيبة أمله . فقد شارك قبل فترة وجيزة في اجتماع في دار الفتوى ببيروت ضم قضاة شرع سنة وشيعة وعلماء وأئمة مساجد والمفتي ونائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى. يعّلق سماك على هذه النشاطات ويقول بأنها ليسن كافية: "لو كانت كافية لكان وضعنا أفضل." ويستطرد قائلا: "نحن لا نملك إلا الكلمة، لذلك نخاطب العقل والمخ، نخاطب الناس بعقولهم."

تهيمن الحرب في سوريا على مجريات الأمور في لبنان. طالما لا تعمل جميع الأطراف المشاركة في الحرب على إيجاد حل لها، ستستمر التوترات بين الشيعة والسنة في لبنان أيضا، وربما تتفاقم تزامنا مع التطورات في البلد المجاور.

 


منى نجار
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013