مقاومة الإرهاب بدأت مع علاقة حب فاشلة!

الصحفي وكاتب السيناريو الأمريكي لورنس رايت يروي قصة الحركة الإسلامية في ما يشبه الرواية البوليسية السياسية. لا يركز على وقائع الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فحسب، بل يمضي بعيدا في سبر الأغوار العميقة لتاريخ الحركة الإسلامية. بقلم أندريان كرايه

مجموعة من أهالي ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر
مجموعة من أهالي ضحايا اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر

​​

هناك قصص يجب أن تعاد روايتها أكثر من مرة. من بينها مثلا قصة الجاذبية الخارقة للحركة الإسلامية التي بدأت تعتمل في القاهرة منذ الثلاثينات من القرن المنصرم لتعرف ذروة تطورها التاريخي في عمليات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. لا يكاد يوجد شخص قد فهم هذه القصة وعرف كيف يرويها بطريقة لامعة مثل لورنس رايت محرر مجلة النيويوركر. ولئن كان هناك الكثيرون ممن سبق لهم أن حاولوا التطرق إلى هذه القصة فإن كتابه "سيجد الموت طريقه إليكم" يظل حدثا في هذا المجال.

خلال الصائفة الماضية قام رايت بإخراج نتائج عمليات التحري التي قام بها. وحتى إن ما لم يكن يتمتع بخصال المنشط المقتدر، فإنه كلما وقف على ركح الـCulture Project Theaters في حي المعارض الفنية النيويوركي سوهو، وراح يروي وقائع الدسائس التي تدور داخل صفوف القاعدة والـCIA والـFBI، ويتحدث عن مئات الحوارات التي أجراها إعدادا لكتابه، إلا وتحول ذلك الكاتب اليساري ذي الهندام المهمل شيئا ما إلى دليل مقتدر يقود مشاهديه عبر مفازات عالم غريب ومخيف.

وعندما تسلم جائزة بوليتزر في الربيع المنصرم أحيا أمسية احتفاله تحت عنوان "طريقي إلى القاعدة" في قاعة حفلات تاون هال بتايمز سكوير أمام ما يقارب الألف وخمسمائة مستمع. ومرة أخرى بات واضحا للجميع أية جاذبية يمارسها فنه الروائي على الجمهور.

قصة حب فاشلة في أمريكا

وبفضل هذه الطريقة التي يتبعها رايت في رواية وقائع تاريخ الحركة الإسلامية على الخشبة كما في كتابه، أصبحت هذه المسألة على مستوى من الوضوح لم يكتب لها أن بلغته من قبل. ذلك لأنه لا يقتصر على التركيز على وقائع الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بل يمضي بعيدا في سبر الأغوار العميقة لتاريخ الحركة الإسلامية.

وللوهلة الأولى سيكون من العسير على المرء أن يصدق بأن مقاومة الإرهاب قد بدأت مع علاقة حب محبطة لناقد أدبي من القاهرة يمتلك أكبر مجموعة من إسطوانات الموسيقى الكلاسيكية في المشرق آنذاك. سيد قطب هو إسم ذلك الرجل النحيل الذي سيتبوأ مرتبة رائد الفكر الإسلامي عبر كتاباته كعضو في حركة الإخوان المسلمين خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

غير أن الرجل لم يستلهم كراهيته للغرب من حرب مقدسة ما، بل من رحلة دراسية في كنف الرفاه عبر أميركا تجوّل خلالها في نيويورك، واستطاع بفضل منحة دراسية من الحكومة المصرية أن يتابع دراسة اللغة الأنكليزية في كل من واشنطن وكولورادو.

يقدم رايت سيد قطب الذي أمر جمال عبد الناصر بإعدامه سنة 1966 كمثال نموذجي للمناضل الإسلامي: رجل ذو تحصيل علمي، متمكن في المعرفة بالثقافة الغربية، قلق، ومثقف ذو نخوة واعتداد بالنفس متأرجح بين العالم العربي والغرب، وبين الإيمان والحداثة، قد انتهى به المطاف إلى الحسم لصالح الحقد على العالم اللائكي.

لقد وضع سيد قطب المؤلفات الأساسية للحركة الإسلامية. وقد كانت "معالم على الطريق" و"العدالة الاجتماعية" و "في ظل القرآن" مطارحات عنيفة النبرة يحلم فيها بجيل جديد من المجاهدين العقائديين سيكون عليه أن يخوض المعركة من أجل سيادة عالم عادل في ظل حكم الشريعة الإسلامية.

صداقة رجلين

فصل واحد كان كافيا لكي يتمكن رايت من رسم صورة شافية عن المنظر الأديولوجي الذي استطاع أن يعبر عن مشاعر الإذلال والمهانة بطريقة غاية في التأثير، ووضع بذلك الأسس لأديولوجيا قد قادت عبر صراع متواصل بين المثالية والعدمية وبصرامة إجرامية إلى تطورالإرهاب الدولي.

هكذا استطاع رايت ببراعة سردية أن يبتكر الأسس لتبيان العلاقات المتشابكة بين أولئك الرجال الذين سيعملون من موقعهم في تلك الأحياء المغبرة من ضواحي القاهرة على التحول بطائفة مشبوهة إلى حركة سياسية عالمية. وهنا بالتحديد تكمن قوة كتابه هذا. فرايت لا يحلل. إنما يكتفي بالسرد.

وبكل تأكيد فإن موقع المحور من هذا الكتاب يحتله الرجلان اللذان دخلا التاريخ كدماغين محركين لتنظيم القاعدة: الطبيب المصري أيمن الظواهري والوريث السعودي الثري أسامة بن لادن. وبطريقة فنية دقيقة يشرّح رايت العلاقة المتوترة بين هذين الرجلين:

المنظر الأديولوجي الظواهري ذي الخبرة النضالية من جهة، والشخصية الكاريزماتية الطموحة لبن لادن من الجهة الثانية. ومنذ لقاءاتهما الأولى بباكستان في الثمانينات إلى معسكرات التدريب التي جمعتهما في أفغانستان يظل الرجلان يتحركان معا داخل حيز التوتر نفسه ما بين المثالية والعدمية، الذي يضفي على الحركة الإسلامية العنفوية جاذبية مغرية بالنسبة للكثيرين.

صراعات داخلية

ولا يغفل رايت الطرف المقابل الذي يتجسد هو أيضا في صورة حية لديه. فهناك جون او نايل رئيس مكتب الـFBI بنيويورك ذو المزاج العصبي الحاد، ومجموعة من البيروقراطيين وأعوان المخابرات الذين تضيع مساعي عملهم داخل صراعات التنافس بين مؤسستي الـFBI و الـCIA.

إحدى المشاهد المثيرة للألم في هذا الكتاب تدور وقائعها يوم الثاني عشر من سبتمبر/أيلول 2001: علي سفيان أحد أعوان الأف.بي آي يدرك أن الأوساط المسؤولة كانت على علم منذ زمن بوجود منفذي العمليات داخل البلاد، ويصيبه من جراء ذلك الغثيان.

ليس من باب الصدفة أن يكون بمستطاع لورنس رايت أن يسوق وقائع قصة الحركة الإسلامية بمثل هذه القوة السردية الحادة، فهو إلىجانب عمله كصحافي كان يمارس كتابة السيناريو أيضا. واحد من هذه السيناريوهات قد تم تصويره بالاشتراك مع دينزل واشنطن وبروس ويلليس سنة 1998 في شريط سنمائي بعنوان "حالة طوارئ".

ويروي الفلم وقائع عملية تفجير يقوم بها نشطون إسلاميون في مدينة نيويورك التي ستعلن داخلها حالة الطوارئ وتعلق فيها مجمل الحقوق المدنية للمواطنين. لقد كان رايت مدركا تمام الإدراك للبعد النبوئي للسيناريو الذي كتبه: "هذا هو فلمي" سيقول لنفسه بعيد عمليات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ويتضرع إلى رئيس تحرير صحيفته بأن يكلفه بمتابعة الحادثة.

مجموعة التقارير الصحفية التي نشرها خلال الأعوام اللاحقة في مجلة النيويوركر هي التي ستكوّن الأساس الذي ينبني عليه كتابه. إلا أنه سيمضي أبعد بكثير مع كتاب "القاعدة والطريق إلى الحادي عشر من سبتمبر".

فلا أحد استطاع من قبل أن يتطرق بمثل هذه الدقة والحياد الأديولوجي الموفق إلى وصف التصميم الإجرامي القاتل الذي تمخضت عنه العلاقة بين بن لادن والظواهري، وتعقيدات التشابك المثير للقلق للمؤسسات الرسمية الأميركية، وبصفة أخص أن ينفذ إلى العالم الروحاني والأديولوجي والثقافي للحركة الإسلامية. وفي الولايات المتحدة يعد رايت منذ زمن الخبير الأول في هذا الموضوع، بينما يعتبر كتابه عملا نموذجيا.

بقلم أندريان كرايه
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة/زوددويتشه تسايتونغ 2007

قنطرة

عندما حاولت "القاعدة" تحويل الإسلاميين إلى "رهائن"!
يرى الكاتب والصحفي صلاح الدين الجورشي أن الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم العربي استطاعت الاستفادة من التوجه الغربي الجديد بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ونجحت في كسب الاعتراف كلاعب سياسي رئيسي.

مغامرات المتطرفين
الحادي عشر من أيلول/سبتمبر العالم ورسم خارطةً سياسيةً وروحية جديدة، مثلما شكل مؤشرا لتبني منطق التصعيد. يعرف جيلنا كيف تبدأ حال كهذه وكيف تتنامى الاضطرابات. أما كيف يمكن أن ينتهي ذلك‘ فهو ما لا نعرفه حتى اليوم. مقال كتبه روبرت ميزيك