الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وتحدي تربيع الدائرة!

ميليشيات في الشمال وانفصاليون في الجنوب، فضلا عن خطر القاعدة، وعودة علي عبد الله صالح: مهمة صعبة بانتظار القيادة اليمنية الجديدة المتمثلة بالرئيس اليمني الجديد عبد ربه منصور هادي واللواء علي محسن الأحمر والحركة الاحتجاجية وعليهم جميعا أن يعملوا لبداية ديمقراطية جديدة. بيرغيت سفينسون تكتب من صنعاء عن هذه المهمة.

الكاتبة ، الكاتب: Birgit Svensson



الرئيس الجديد؟ طبعا أعرفه. اللواء علي محسن الأحمر بدا منزعجا من سؤال إجابته بديهية كهذا؛ فهو صديق له أيضا، "صديق قريب جدا جدا". يتابع اللواء محسن الكلام واصفا زميله، لأن عبد ربه منصور هادي رجل عسكري كذلك، وبرتبة مشير، وسبق له العمل في قوى الجيش في الجنوب، عندما كان اليمن مقسما. عندما تمت الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990، لعب هادي دورا حاسما في المفاوضات، ثم نزع البزة العسكرية وانتقل من عدن إلى صنعاء وتولى منصب نائب رئيس الجمهورية عام 1994. والآن أصبح رئيسا للجمهورية وأمامه مهمة شبه مستحيلة، تتمثل في نقل اليمن نحو شاطئ الديمقراطية.

يتخذ اللواء علي محسن، قائد الفرقة الأولى مدرع، من إحدى التلال غرب العاصمة صنعاء مقرا له. المنطقة مراقبة بشكل جيد والأسلاك الشائكة منتشرة في كل مكان، إضافة إلى الحواجز البيتونية والأكياس الرملية. وترى الجنود يمشطون المنطقة ذات الغبار الكثيف، أو يقفزون من برج مراقبة باستخدام الحبال.

ملاك حارس للمتظاهرين الشباب

"

علي محسن، الصورة اب
اللواء علي محسن لعب دورا حاسما في تشكيل اليمن الجديد

​​نحن ندرب جنودا جددا"، يشرح الضابط المرافق. الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء محسن بحاجة لدماء جديدة. فخلال فترة الاشتباكات القاسية التي استمرت لخمسة أشهر فقد اللواء العديد من جنوده. وكثير منهم انشقوا عن فرقته والتحقوا بالجيش اليمني النظامي. ومعظم من تتبقى لديه هم جنود شباب قليلو الخبرة، ممن لن يجدوا عملا آخرا لو تركوه. هكذا يدعي منتقدو اللواء علي محسن، كما أنهم لا يكفون عن وصف أعضاء فرقته بالعصابة.

"لدينا القوات الأكثر شبابا على الإطلاق"، يرد الضابط، ثم يضيف: "شباب من كافة أنحاء البلاد". أما اللواء نفسه فيشبه نفسه ووحدته العسكرية بالجيش الليبي الحر الذي انشق جنوده عن معمر القذافي ووقفوا إلى جانب الحركة الاحتجاجية. "نحن نقف مع الثورة"، يصرح اللواء، ويعتبر نفسه الملاك الحارس للمتظاهرين الشباب، "حتى لاتراق الدماء".

ولكن إلى الآن أريق مايكفي من الدماء. الفرقة الأولى مدرع بقيادة محسن خاضت، في العام الماضي، معارك مريرة مع القوات الحكومية، ونجحت في احتلال مبنى الجامعة، وأقامت معسكرا هناك. كما أخضع ثلثي العاصمة لسيطرته وهدد بالاستيلاء على عموم العاصمة. ولكن عندما تدخل زعيم قبيلة الأحمر، ذات النفوذ الكبير في العاصمة، في الصراع المسلح، وطالب بالسيطرة على مناطق في صنعاء، هنا انقلب اللواء علي محسن إلى رسول للسلام وانضم لخطة السلام المدعومة من المجتمع الدولي من أجل حل الأزمة.

خطة لإصلاح القوات المسلحة

الصورة رويتر
هل اختيار عبد ربه منصور هادي رئيسا سيؤسس ليمن جديد؟

​​يستقبل علي محسن زواره بتقديم اللوز اليمني والزبيب ويعرف عن اللواء خجله من التعامل مع وسائل الإعلام، ونادرا ما يعطي مقابلات للصحافيين. وتعكس حالة التوتر لدى محسن حساسية الأوضاع الحالية في اليمن. ومحسن الذي كان أحد أبرز أعوان الرئيس علي عبد الله صالح وأركان نظامه طوال 33 عاما، كان أحد المساعدين على إسقاط صالح. ولكن ليس هناك مظاهر للاحتفال وليس هناك أي نشوة بالتغيير. اللواء محسن حريص على عدم إظهار أي من تلك المظاهر الخارجية.

على يساره يجلس مستشار له، يهمس في أذنه الإجابات المناسبة على الأسئلة. إنه المدير السابق للتلفزيون الحكومي اليمني، الذي سقط ضحية للتغير الثوري والآن وجد عملا جديدا له. فرقته المنشقة لازالت جزءا من الجيش اليمني، كما يقول اللواء ومستشاره بلهجة تصالحية. وهناك عملية إعادة هيكلة للقوات المسلحة ستجري خلال العامين الانتقاليين القادمين.

ولكن ماذا عن أبناء علي عبد الله صالح، وأبناء أخيه وأخوته غير الأشقاء وغيرهم من أقاربه، اللذين يقودون وحدات خاصة في الجيش أو غيرها من الوحدات العسكرية؟ وخاصة نجله أحمد، قائد الحرس الجمهوري، أكثر الوحدات العسكرية اليمنية قوة والمخصصة لحماية الرئيس. وكما هو معلوم كان علي عبدالله صالح يخطط سابقا لتوريث نجله الحكم. اللواء محسن كان منذ البداية ضد هذا الأمر، ولكن حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يملك نصف مقاعد الحكومة الانتقالية بما فيها حقيبة وزارة الدفاع، يصر على بقاء أحمد علي عبد الله صالح في مركزه.

واقعية الإصلاحات

هل سيوافق اللواء علي محسن على ذلك؟ يتحاشى اللواء الإجابة المباشرة على هذا السؤال ويكتفي بالقول بأن الحوار الوطني سيكشف عن ذلك، عندما يجلس الجميع على طاولة واحدة. ولا يمكن الحديث عن الأمر الآن، فالرئيس الجديد تسلم منصبه قبل أيام. وقبل مراسم تنصيب الرئيس الجديد. شهدت أطراف المدينة القديمة من صنعاء إزالة أكوام القمامة، التي ملأت المدينة خلال أسابيع الإضراب، وتسببت بروائح لا تحتمل. والآن بداية جديدة ويجب أن تبرز ملامحها في البلاد.

وانتخاب منصور هادي أعطى إشارة على ذلك. وهو ما أوضحه الرئيس الجديد في كلمته أمام البرلمان بقوله: " لقد مثلت الانتخابات الجسر الذي عبر عليه الناس من ضفة اليأس إلى ضفة الأمل". وهو يمثل هذا الأمل الذي دفع على الأقل 65 بالمائة ممن يحق لهم الانتخاب في اليمن، والبالغ عددهم 10.2 ملايين، للذهاب إلى صناديق الاقتراع، حتى وإن لم يكن هناك سوى مرشح وحيد، وحتى وإن كان سير العملية الانتخابية قد جرى بعيدا عن الديمقراطية الحقيقية.

فلم يكن هناك مكان مخصص لكلمة "لا" على ورقة الاقتراع. ومن كان ضد المرشح منصور هادي، الذي اتفق على ترشيحه كل من الحزب الحاكم سابقا وأحزاب المعارضة الرئيسية، اكتفى بمقاطعة الاستفتاء. وهذا مافعله الحوثيون الشيعة في شمال اليمن، على الحدود مع المملكة العربية السعودية، وهم اللذين يقاتلون من أجل الحصول على حكم ذاتي مستقل. وكذلك فعل الجنوبيون، اللذين يريدون الانفصال عن صنعاء. كما قاطع الاستفتاء، أولئك اللذين يتخوفون من هجمات للقاعدة، وهو ماحدث بالفعل.

وخاصة في مدينة المكلا، الواقعة على شواطئ خليج عدن، حيث جرى تبادل لإطلاق النار أوقع قتلى في يوم الاستفتاء، وكذلك الاعتداء بعملية انتحارية على القصر الجمهوري الموجود هناك، بعد ساعات قليلة فقط من أداء منصور هادي اليمين، ما أسفر عن نتائج وخيمة بسقوط 30 قتيلا. وأعلنت القاعدة مسؤوليتها عن العملية.

اليمن أرض خصبة للقاعدة

الصورة رويتر
هل سيقطف اليمنيون ثمار ثورتهم، لاسيما في ظل تعقد المشهد الداخلي في البلاد؟

​​منذ الاعتداء الذي استهدف المدمرة الأمريكية "كول" عام 2000 في عدن، والذي أدى إلى مقتل 17 بحارا، ارتفعت حدة غضب الأمريكيين. ويقال أن واشنطن أرسلت إلى اليمن، بصورة سرية، وحدات مختصة بمكافحة الإرهاب، من أجل القضاء على القاعدة. ولكن شبكة القاعدة تتوسع باستمرار في اليمن. وهناك إشارات على أن القاعدة تمكنت، في هذه الأثناء، من السيطرة على محافظتين في جنوب اليمن، ومن إقامة معسكرات للتدريب، كما أن لديها حركة تبادل نشطة مع الحركة الجديدة في الصومال "ميليشيات الشباب"، وذلك عبر مضيق باب المندب.

والآن يتهم جون برينان، كبير مستشاري أوباما لشؤون الإرهاب، اللواء المنشق، بأنه يهدد بانشقاقه عن صالح استقرار البلاد. "أنا أدعو مختلف القادة العسكريين، وفي مقدمتهم اللواء علي محسن، إلى التخلي عن أجنداتهم السياسية، وإلى التعامل باسم الشعب اليمني فقط"، هذا ما قاله برينان، لدى زيارته صنعاء نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي. ولكن اللواء يرفض هذه الاتهامات، ويحمل من جهته صالح وأتباعه المسؤولية عن الارهاب المتصاعد. وكذلك حالات الاختطاف المختلفة لأجانب تم تحميل المسؤولية عنها للنظام القديم، كما يزعم اللواء: "صالح عرف تماما بأنه يمكن أن يحقق مكاسب سياسية من هذا الأمر".

ويبدو اللواء غير مكترث بأنه كان شخصيا ولسنوات طويلة جزءا من هذا النظام. الرجل الذي كان حتى الآن هادئا في حديثه، يتحمس الآن ويعدل نظارته ثم يتحدث عن وحدة عسكرية خاصة بمكافحة الإرهاب، يتم تأسيسها بمساهمة من الأمريكيين. " دور الولايات المتحدة في مكافحة القاعدة في اليمن يجب أن يصبح أكثر وضوحا".

أربع جبهات


المحللون السياسيون في اليمن متفقون على أن التحدي الأكبر الذي يواجه عملية الانتقال السلمي للسلطة يتمثل في الميليشيات الموجودة في الشمال، والانفصاليين في الجنوب، إضافة للقاعدة. ثلاث جبهات، تشكل كل واحدة منها عقبة كؤودا. والعقبة الرابعة عادت قبل أيام قليلة من الولايات المتحدة، والمقصود هنا هو الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

عندما استقل طائرته، في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، متجها إلى نيويورك بغرض المعالجة الطبية، تعزز الأمل لدى اللواء محسن، ولدى المعارضة وشباب الحراك الثوري، بأن "المستبد المكروه" من قبلهم، لن تطأ قدماه الأرض اليمنية ثانية. ولكنه أوضح قبل مغادرته بأنه لا يريد أن يبقى في المنفى كالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، ولا أن يجلس على كرسي الاتهام مثل مبارك، ولا أن يكون كالقذافي الذي أعدم من شعبه بدون محاكمة. وبسرعة حصل من البرلمان على حصانة من الملاحقة القضائية. والآن عاد إلى البلاد كمواطن حر، يعلق اللواء علي محسن على عودة قائده السابق. ولكن هل تلقى اللواء تهديدات جديدة من معسكر صالح؟ يجيب علي محسن بكلمات قليلة تلخص المسألة: "ليس صالح وحده من يسعى إلى النيل مني".

 

بيرغيت سفينسون- صنعاء
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012