لعبة مُشَرّف الأخيرة؟

الجنرال برفيز مُشرّف، حاكم باكستان لثمان سَنَواتِ تقريباً، ورئيس الجيشِ لمدّة عقد، إكتشفَ حدودَ سلطاتِه عندما حاولَ فَصْل رئيسِ محكمة المحكمة العليا في آذارِ/مارس الماضي. تقرير بقلم الصحفي الباكستاني عرفان حسين

رجال شرطة يعتقلون متظاهر في كراتشي، الصورة: أ ب
رجال شرطة يعتقلون متظاهر في كراتشي

​​

إن عملية التفجير الإنتحارية الأخيرة في مطعم بيشاور والتي قَتلتْ 25 شخصاً أشارت مرة أخرى إلى خطورة الوضع في باكستان. وقبل ذلك بأيام في 12 آيار/مايو، أودتْ الإضطرابات والمعارك الحامية التي إستمرت طوال اليوم بحياة 36 شخصاً في كراتشي التي تبعد أكثر من 1,500 كيلومترِ إلى الجنوبِ من بيشاور.

وبينما كانت أسباب حادثتي العنف الداميتين هاتين مختلفة جداً، إلا أنهما يُذكّراننا بهشاشة نظام مشرّف. غالباً ما يخيل للمراقبين في الخارج بأن هذا الدكتاتور يتمتع بسلطة مطلقة على شعبه. ولكن الحقيقة مختلفة نوعا ًما. إن الجنرال برفيز مُشرّف، حاكم باكستان لثمان سَنَواتِ تقريباً، ورئيس الجيشِ لمدّة عقد، إكتشفَ حدودَ سلطاتِه عندما حاولَ فَصْل رئيسِ محكمة المحكمة العليا في التاسع من آذارِ/مارس الماضي.

لا تَتمتّع عادةُ السلطة القضائية العليا في باكستان بسمعةٍ تؤكد إستقلالِها تجاه الجيشَ: لقد أضْفَتْ السلطة القضائيةُ مراراً وتكراراً الشرعيةَ على الإنقلابات العسكرية وسمحت للقادة الدكتاتوريين بإمتلاك ناصية البلاد مجاناً. لكن في القاضي إفتخار تشودري، صادفَ مشرّف ذلك الجيلِ النادرِ من القضاة: قاضٍ مستقل فعلا، قاضٍ رَفضَ الإسْتِقْاَلة على الرغم مِنْ الضغطِ الهائلِ الذي سُلّط من أجل التَأثير عليه من قبل الزمرةِ الحاكمة.

لقد أرسلَ مشرّف، بناءً على نصيحة رئيس وزرائه شوكات عزيز، رسالة إلى المحكمة العليا، يَوضح فيها الأسباب الضرورية لإقالة القاضي إفتخار تشودري من المقعد القضائيِ الأعلى في البلادَ. لكن في أنظارِ الناس، كَانتْ لائحة التهم ضعيفةَ، تُركّزُ على إساءة استخدام المنصبِ من قبل السّيدِ تشودري وحصوله على تعيين لإبنه كضابط في الشرطةَ. ولكن في بلاد كانت فيها محاباة الأقارب هي المعيارَ وليس مجرد إستثناء مُخْزٍ، لا يبدو أن أحداً قد أُزعجه هذا الأمر.

وبينما تنظر المحكمة العليا في هذه الحالةِ، ألقى رئيس المحكمة( القاضي تشودري) عدداً مِنْ الخطاباتِ، مخاطباً فيها جموعاً مزدحمة جداً مِنْ المحامين والقضاة. وقد جذب ظهوره حشوداً كبيرةَ مِنْ نشطاء المعارضةِ. في الحقيقة، لقد مثّل القاضي تشودري نقطة جذب للمشاعرِ المضادة لمشرّف التي ما برحت تتفاقم لسَنَواتِ. إن ما أزعجَ مشرّف وحلفائه هو شعبيتَه المتزايدةَ: أطالتْ الحشود الكبيرة على طول الطريقِ مِنْ إسلام آباد إلى لاهور رحلته التي تستغرق عادة أربع ساعات، إلى 24 ساعةِ تقريباً.

القاضي افتخار محمد تشودري، الصورة: أ ب
القاضي افتخار محمد تشودري

​​ولذلك فعندما أعلنَ فريقَه مِنْ المحامين بأنّه سيخطب في 12 آيار في جمعيةَ المحامين في كراتشي، وهي مركز باكستان التجاري والمدينة الأكبر، فإن الحكومة إضطربتْ. وأعلنَ شريك مُشرّف في التحالف أم. كيو. أم. ( الحركة القومية المتحدة)، بأنّه، أيضاً، سيَخرج في مسيرة في نفس اليوم. وقررت زعامة الإتحادِ الإسلاميِ أن تخرج أيضاً في مسيرة في 12 آيار في العاصمة. لكن بينما تضمّن إجتماعَ إسلام آباد، َجمعاً من الناسِ على النفقةِ الرسميةِ، ومر بسلام، أثبتَ حدثَ كراتشي أنه كان نزاعاً دموياً بين أم. كيو. أم. والمعارضة.

منذ تأسيسها في 1985 بدعم وتبريك من دكتاتور عسكريِ آخرِ، إتسمت أم. كيو. أم. كَانَ بالعنفِ. ولطالما إتهمها المعارضون بإسْتِعْمال وسائلِ فاشيةِ. ولكن لانت عريكتها لأنها أُدخلَت في السلطة في 2002. في الحقيقة، فيما يتعلق بالمواجهةِ الحاليةِ في إسلام آباد على المسجدِ الأحمرِ، إلتزمت أم. كيو. أم. موقفاً علمانياً بثبات.

حادثة الجامع الأحمر

ولكن في 12 آيار أثبتت أم. كيو. أم. بأنّ النمرَ لا يغير بُقَعَ جلده. في ذلك اليومِ، إشتبك أتباعها مع المعارضةَ في سلسلة معارك بالأسلحةِ تَركتْ 36 قتيلاً في يوم واحد. وقتل ستّة آخرون في اليوم التالي. و يُحتملُ أن تكون النتائج السياسية َلهذه الأحداثِ خطيرة بالنسبة لمشرّف بينما تزداد حركة المحامين زخماً وإندفاعاًً.

لكن هذه لَيستْ المشكلةَ الوحيدةَ التي يواجهها مُشرّف. فقبل ثلاثة شهور، قامت طالبات كليةٍ دينية تدعى جامعة حفصة الواقعة في مسجدِ إسلام آباد الأحمر، بإحتلال مكتبة أطفالِ قريبة وكنّ يحْتَجْنَ على تدمير سبعة مساجدِ كانت قد بُنِيتْ بشكل غير قانوني على أرض تابعة للدولة في العاصمة.

وقد أحرجَتْ المواجهة الناتجة مُشرّف بشكل كبير وتساءل الناس كَيفَ يُمْكِنُ لمُشرّف أَنْ يُقاتلَ الطالبانَ وتنظيم القاعدةَ وهو لا يَستطيعُ السيطرة على تمرّد بضعة مئات من البنات اللواتي يرتدين البراقعِ وهن على بعد بضعة كيلومترات مِنْ مقرِ الجيشَ والرئاسةَ.

كانَت هذه الحادثةِ، أيضاً، رسالة تذكير بحدودِ سلطة مُشَرّف. ولأن أغلب البناتِ مِنْ المناطقِ العشائريةِ، كان هنالك تخوف من أن مقتل أَو جرح إحداهن سيقود إلى ردّ فعل شرس مِنْ المحاربين العشائريينِ المُسلَّحينِ. بالإضافة إلى إِحْتِلال المكتبةِ، أجبرَتْ الطالبات مالكي الدكاكينِ التي تَبِيعُ الدي. ڤي. دي والأقراص المدمجة إلى غلق محلاتهم، وكذلك إنقضَضْنَ على بيت يَزْعُمْنَ على أنه كَانَ مبغى.

إختطفنَ صاحبة البيت وأبنةَ أختها، وأجْبَرْنها على الإعتراف بالدعارةِ. ولكن ما إنْ أُطْلِقَ سراحهن حتى أنكرْنَ ما إعترفن به. وتجاه هذا التحدي الصريح لسلطةِ الدولة، إضطرّ مشرّف إلى إرسال مبعوثين للتَفَاوُض مَع الأخَوَانِ اللذان يُديران المسجدَ والكليةَ اللذان يَطالبان الآن بالفرضَ الفوريَ للشريعةِ، أَو القانون الإسلامي، على البلادِ قاطبةً.

العلاقات الأفغانية-الباكستانية

إن الإشتباكات المستمرة مع القوَّاتِ الأفغانيةِ على الحدودِ، والنقد والشكوى من التسامح الذي تظهره باكستان تجاه الطالبانِ، تُعقّدُ العلاقاتَ بين إسلام آباد وكابول. وهذه واشنطن التي وقفتْ حتى الآن بشكل صُلْب وراء مشرّف، بَدأَت ثقتها بحليفِها تتزعزع وطفقتْ تشكك بشرعيته. وقد أصبحت هذه الشكوكِ اليوم تُرْفَعُ بصوت أعلى أكثر من ذي قبل بَعْدَ أَنْ سيطر الديمقراطيون على الكونگرسِ.

في بلوشستان الغنية بالطاقةَ، مازال هنالك تمرّد واطئ المستوى مستمراً للسنتين الماضيين، حيث يطالب رجالِ قبيلة بلوشي بسهم أكبر مِنْ عائدات الغازِ الذي يُضْخَّ مِنْ محافظتِهم. وطبقاً للجنة حقوق الإنسانِ في باكستان، هناك مِئات من الشباب البلوشستانيين الذين إختفوا في سجونِ و"بيوتِ آمنةِ" تديرها وكالاتِ الاستخبارات.

وزعم بعض الذين أفرج عنهم بأنّهم قد عُذّبوا. لقد جَعلَ القاضي إفتخار تشودري من نفسه شخصاً غير مرغوب فيه من قبل الحكومةِ وذلك بدفاعه عن قضية هؤلاء وغيرهم من الباكستانيين الذين حَجزوا بشكل غير قانوني من قبل الدولة.

وهكذا، فإن مشاكل مشرّف ما بَرحتْ تتضاعف، وبينما تَقتربُ الإنتخابات، يَجِدُ مُشَرّفُ نفسه مكافحاً من أجل ديمومته السياسيِة. ولكن الجنرالاتَ لا يتخلون عن السلطة بسهولة. تملي عليهم غريزتهم أَنْ يتشبثوا مهما كلف الأمر. في هذه الحالةِ، يكمن الخطر أنه قَبْلَ أَنْ يَتْركُ المشهدَ، قَدْ يُحدث مشرّف ضرراً أشدّ فداحة بالبلادِ.

بقلم عرفان حسين
ترجمة كامل الزيادي
حقوق الطبع قنطرة 2007

عرفان حسين صحفي باكستاني يكتب لصحيفة "دون" الصادرة في كراتشي بالإضافة إلى صحيفة "ديلي تايمز" الصادرة في لاهور و"خليج تايمز" الصادرة في دبي.

قنطرة

"على خط النار"
صدرت مؤخراً ترجمة السيرة الذاتية لبرويز مشرف الى اللغة الأوردية. الملفت للنظر في هذه النسخة هو حذف بعض التعليقات التي تضمنتها النسخة الانكليزية، مثل تسليمه بعض المتهمين بالارهاب لأميركا بدون حكم صادر ضدهم مقابل مكافآت مالية. تقرير كتبته عطيلة

الجهاز العسكري في باكستان
وقع قرابة مائة ألف شخص ضحية الزلزال في باكستان، وقد اتضح خلال الأشهر الماضية أن الرئيس الباكستاني وقائد القوات المسلحة مشرّف لا يعي احتياجات ومتطلبات شعبه. فقد قامت مجموعات غير حكومية بتأمين المساعدات للمناطق المنكوبة على نحو أسرع بكثير من الجيش. تقرير أكبر زايدي