مصر على المحك

يتم فهم الأحداث الحالية في مصر غالباً كمواجهة بين معسكرين: يكافح أحدهما من أجل الحرية، ويعمل الآخر على إعادة إنتاج الديكتاتورية. لكن الوضع أكثر تعقيداً من هذا التبسيط، فجميع الأطراف في مصر اليوم تدفع البلاد إلى حافة الفوضى ولكنْ كلٌ بطريقته الخاصة، كما ترى الباحثة المصرية نجوان الأشول، معتبرة أن على الغرب عدم الانحياز لفصيل دون الآخر، وإلا فإن الثمن سيكون باهظاً.

في كثير من الأحيان يتم فهم الأحداث الحالية في مصر باعتبارها مواجهة بين معسكرين: أحدهما يكافح من أجل الحرية، والآخر يعمل على إنتاج ديكتاتورية جديدة. لكن في الواقع، الوضع أكثر تعقيداً من هذا التبسيط فجميع الأطراف في مصر اليوم تدفع البلاد إلى حافة الفوضى ولكنْ كلٌ بطريقته الخاصة.

فالإخوان المسلمين في سعيهم نحو إدارة الدولة، في ضوء عدم وجود كفاءات لديهم يمكنها إدارة مؤسسات الدولة وفي ضوء محدودية موارد الدولة وعدم وجود ميزانية لتغطية تكلفة دخول موظفين جدد في أجهزة الدولة المصرية البيروقراطية التي تعاني من التضخم، يتغاضون عن الإصلاح الهيكلي لمؤسسات الدولة وبالتالي يقبلون التعامل مع المؤسسات الموروثة عن النظام السابق، وبالتالي نجدهم يغضون الطرف عن انتهاكات القوات التابعة لوزارة الداخلية في حق المتظاهرين المدنيين.

جماعة الإخوان المسلمين، في الحقيقة، لا تمتلك السلطة الكافية ولا الإرادة السياسية للبدء في عملية هيكلة وزارة الداخلية، التي تم تدريب أفرادها في ظل نظام مبارك على التعامل بوحشية مع النشطاء المدنيين، ولا تزال تتبع نفس الطرق بدون رقابة حقيقة عليها.

مظاهرات في القاهرة من أنصار ومعارضي محمد مرسي. رويترز
تصلب في المواقف: يتهم معارضو الإخوان المسلمين الإسلاميين باغتصاب السلطة ومصادرة الحقوق الديمقراطية ويطالبون برحيل الرئيس محمد مرسي وحكومته.

​​

تناقض حقيقي

ومن ناحية ثانية، تقف الأحزاب العلمانية رافعةً لشعارات "الحرية" و"الدولة المدنية" في وقت واحد مع استدعائها لتدخل المؤسسة العسكرية في المشهد السياسي، وهي أيضاً لم تجد غضاضة في دعوة المؤسسات الدينية مثل الأزهر- المؤسسة الإسلامية الرائدة في مصر- والكنيسة في أن تلعب دوراً سياسياً في مصر، وهذا ببساطة يظهر تناقضاً حقيقياً بين ما ترفعه من شعارات وبين ما تقوم به على أرض الواقع.

في الواقع، كل الأطراف في مصر اليوم تقوم بتجاهل وتقويض القواعد والإجراءات الديمقراطية بامتياز، فالإخوان يتراجعون عن تعهداتهم في جولات الحوار الوطني، ولا يقدمون ضمانات واضحة للالتزام بنتائج جولات الحوار الوطني الحالية. والأحزاب العلمانية يتحالفون مع بقايا النظام السابق طالما أنهم يقفون ضد الإخوان المسلمين.

بالإضافة إلى ذلك تغاضى الأحزاب العلمانية عن أعمال العنف التي شهدتها شوارع القاهرة مؤخراً، وذلك لتحقيق هدفين: الأول: إضعاف الرئيس المنتخب، والثاني: تأجيل الانتخابات البرلمانية لأنهم يخشون من عدم حصولهم على نسبة جيدة من مقاعد البرلمان نظراً لعدم امتلاكهم لرأس مال اجتماعي معتبر يمكن أن يساندهم في الانتخابات المقبلة.

نقل الصراع السياسي إلى الشوارع

هذا وقد دفع الاستقطاب السياسي الحاد جميع الأطراف إلى نقل الصراع السياسي إلى الشارع، وبالتالي العمل وفقاً لقواعده بدلاً من التنافس داخل الأطر المؤسسية الديمقراطية وفقاً للقواعد التي تفرضها العملية الديمقراطية على جميع أطرافها وهذا أدى إلى ازدياد حالة الاحتقان السياسي في مصر بشكل كبير.

التحدي الحقيقي، في الواقع، الآن في مصر مرتبط بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، التي لايزال أنصار النظام السابق بداخلها. وبالتالي فالإصلاح الكامل لمؤسسات الدولة هو المطلب الملح اليوم بدءاً من وزارة الداخلية التي تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة: بداية من "العقيدة الأمنية" التي تقوم على النظر إلى النشطاء السياسيين باعتبارهم خونة يعملون لصالح أجندات خارجية بدلاً من النظر إليهم باعتبارهم مواطنين فاعلين، ومروراً بالقواعد الداخلية وانتهاءً بآليات العمل فيها.

محمد البرادعي. د ب أ
في مواجهة الإخوان المسلمين: القيادي في جبهة الإنقاذ الوطني والمعارض محمد البرادعي دعا مؤخراً إلى مقاطعة الانتحابات المقررة في مصر في إبريل/ نيسان 2013، معتبراً أنه سيوجد تزوير في الانتخابات.

​​

الحاجة إلى الإصلاح وإعادة هيكلة

وكذلك مؤسسة القضاء تحتاج إلى إعادة إصلاح وإعادة هيكلة، حيث عمل مبارك على إدخال عناصر أمن الدولة بها ليصبحوا وكلاء نيابة ثم قضاة وبالتالي افسد المؤسسة برمتها، وبالتالي نجد أن النيابة العامة لا تقوم بعملها في الحصول على الأدلة الكاملة والصحيحة الأمر الذي أدى إلى حصول الكثير من ضباط الشرطة والأمن على البراءة في قضايا قتل المتظاهرين وهذا أدى إلى زيادة مشاعر الغضب العام.

التعامل مع "الدولة العميقة" الموروثة من النظام السابق وعناصرها الممسكة بمفاصل الدولة في مصر يُعَدّ، في الحقيقة، مهمة جسيمة للغاية، لا يمكن لفصيل سياسي واحد القيام بها بمفرده، بل تتطلب تضافر جهود كل الأطراف السياسية في مصر.

وهنا يتعين على الدول الأوروبية تقديم الدعم المخلّص لمصر – في مرحلة بناء نظامها الديمقراطي- مالياً لمنع انهيار الاقتصاد الداخلي، وأيضاً عليها أن تحث جميع القوى السياسية في مصر على العمل معاً بدلاً من الانحياز لفصيل على حساب الآخر. وإلا فإن الثمن سوف يكون باهظاً وهو دخول مصر في مرحلة طويلة من الفوضى.

 

نجوان الأشول
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013

نجوان الأشول كاتبة وباحثة مصرية زائرة في المعهد الألماني للدراسات الأمنية والدولية في برلين.