أقباط مصر...أمان مفقود ووعود منسية

يتحدث الأقباط في مصر عن الاضطهاد والإحباط ويتهمون الدولة بعدم القيام بما فيه الكفاية لتأمين حمايتهم ومازالوا بانتظار أن يفي الجيش بوعده بإعادة ترميم كنائسهم بعد أن تم حرق العشرات منها مؤخراً كما يطلعنا ماركوس زومانك.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Symank

مقاعد متفحمة ودفاتر تحولت إلى رماد وحافلة محترقة وأجزاء من مراحيض وأحواض غسيل مكسرة في مدرسة الفرنسيسكان في بني سويف في صعيد مصر. إنه مشهد ُيذكِّر بصور مخلفات قصف بالمتفجرات. وسط هذا الركام وقفت الراهبة نجاة بلباسها الأبيض الناصع في غرفة متفحمة الجدران بجانب المذبح المُحطم.

لم يعد بإمكان الأقباط هناك إقامة شعائرهم الدينية، فقد سرق المهاجمون الكراسي والصور المقدسة، بل وحتى الكابلات ومفاتيح الإنارة. كما أحرقوا الصليب فوق مبنى الكنيسة ووضعوا مكانه علما لتنظيم القاعدة. "أطلق الإسلامويون العنان لحقدهم طوال ثماني ساعات" كما توضح الكاهنة نجاة وهي تجمع من على الأرض شتات رأس تمثال لمريم العذراء.

تنامي الاعتداءات

لا يزال أقباط مصر تحت وقع الصدمة لما حدث مؤخراً بعد مواجهات دينية شهدتها البلاد هي الأكبر من نوعها منذ أحداث الثورة التي أسقطت نظام حسني مبارك في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011. فقد تم إحراق ما لا يقل عن 45 كنيسة في 24 من أغسطس / آب 2013 في هجمات منسقة انطلقت مباشرة بعدما فض الجيش اعتصام الإخوان في ميدان رابعة العدوية بدعوى أن المسيحيين يساندون الجيش.

أمير سامي: "الشرطة لا يمكنها حماية حتى نفسها".

منذ عشرات السنين يشكو أقباط مصر من مواقف التمييز الذي يطالهم في سوق العمل وفي حياتهم اليومية، وتنامت حدة الهجمات وأعمال العنف ضدهم خصوصا في الأشهر الماضية. وتلقي الراهبة نجاة اللوم على حكومة الإخوان المسلمين المطاح بها وتقول: "كان الرئيس حسني مبارك يضع وراء القضبان الأئمة المحرضين على الكراهية، فيما سُمح لهم في عهد مرسي بإطلاق العنان للتحريض في المساجد". ومن مظاهر ذلك دعوة الأئمة المتطرفين للسكان إلى مقاطعة المحلات التجارية التابعة للأقباط في بني سويف.

شرطة عاجزة

منذ 14 من أغسطس/ آب قامت قوات الأمن باعتقال أكثر من 2000 شخص من أتباع مرسي، غير أن ذلك لم يحسن من أوضاع المسيحيين، ففي بلدة دلجا بالمنية أعلن إسلامويون إقامة "دولة الشريعة" هناك، مما دفع بأربعين أسرة مسيحية للهروب من تلك البلدة، أما الباقون منهم هناك فيدفعون "جزية" مقابل ضمان حمايتهم.

في بني سويف يتظاهر إسلامويون كل مساء تقريبا. "فهم يهددون بمزيد من الهجمات" كما يوضح أمير سامي الطبيب في مستشفى القديسة تيريزا، ومع ذلك لم تقم قوات الشرطة إلى حد الآن بنشر عناصرها أمام المستشفى. وفي اليوم الذي تم فيه إحراق المدرسة الفرنسيسكانية، أضرمت النيران أيضا في مقر الشرطة المركزي.

فلاحون أقباط في منزلهم المحروق

مجرد وعود

رغم قيام جنود بقتل متظاهرين مسيحيين قبل عامين مازال الأقباط يعلقون آمالهم على مؤسسة الجيش. فقد وعد وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السيسي بأن الجيش سيعيد بناء الكنائس المدمرة من الميزانية الخاصة. غير أن هذا الوعد لم يتحقق بعد "لا أحد من الحكومة جاء ليعاين حجم الخسائر" كما يشتكي شريف ناصر وهو حلاق من قرية ديابية جنوب بني سويف. "مواقف الحقد ضد المسيحيين منتشرة منذ زمن بعيد، لكن الإسلاميين أطلقوا لها العنان مع وصول مرسي للحكم" كما يصرح ناصر، الذي اعتبر أن المهاجمين أعضاء في جماعة الإخوان.

ببطء شديد بدأت في بني سويف الإجراءات المرتبطة بما حدث هناك. فقد تم وضع المدرسة تحت رعاية الشرطة وهناك صور وأشرطة فيديو التقطها الجيران لتوثيق تلك الأحداث، حيث بدا فيها المهاجمون وهم يضحكون للكاميرا. ورغم وجود تلك الأدلة القوية فإن قوات الشرطة لم تقم بعد بإلقاء القبض إلا على عدد قليل منهم. أما الراهبة نجاة فقد عبرت عن إحباطها وخيبة أملها بسبب غياب الدعم والمساندة اللازمتين من قبل السكان المسلمين هناك، خصوصا وأن ثلثي عدد تلاميذ المدرسة الفرانسيسكانية مسلمون.

 

 

ماركوس زومانك

ترجمة: ح.ز

تحرير: عبدالحي العلمي

حقوق النشر: دويتشه فيله 2013