دفنا شاهين........صوت الجاز وأنغام الحرية

"أن نحيا فرادى أحرارا كشجرة تجمعنا أواصر الأخوة كغابة، ذاكم ما نتوق إليه." هذه الأبيات الشعرية لكاتبها الشاعر التركي ناظم حكمت ترافق الفنانة دفنا منذ طفولتها، وكانت ملهمها أثناء إعدادها عملها الفني الأول. كاترين فيلكه تقدم المغنية البرلينية.



الأسطر الأخيرة من قصيدة "دعوة" الشهيرة للشاعر ناظم حكمت تشكل بالنسبة للفنانة دفنا شاهين الإطار الصحيح لألبومها "ياشاماك" (الحياة). وفي هذا الألبوم ألحان جديدة لقصائد ونصوص هذه الشخصية الكبيرة من البلد الذي يعتبر شِبه موطنها. واستخدام كلمة "شِبهِ" هنا يعود إلى أنَّ مسقط رأس مغنية الجاز ليس في تركيا بلد والديها إنما في ألمانيا، وبالتحديد في مدينة برلين.

كذلك حال ناظم حكمت نفسه الذي وُلد في مدينة تسالونيك التي كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وكان حكمت قد أمضى معظم حياته التي لم تكن طويلة بعيدًا عن تركيا، وأمضى الكثير من تلك السنوات والأخيرة منها أيضًا في مدينة موسكو. هذه النظرة المنفتحة على العالم بالذات، والتي لا تفقد الالتفات إلى الوطن وتبقى محافظة عليه في القلب، هي ما يجمع بين هاتين الشخصيتين: الروح الفنية والإنسانية الحُرّة للشاعر المتوفى قبل ثمانية وأربعين عامًا والمغنية ابنة السابعة والعشرين ربيعًا التي تجوب أيضًا منذ طفولتها أنحاء العالم.

الحرية باعتبارها مصدرَ إلهام

ألبوم دفنا شاهين
صعبة المراس وتجريبية: تربط دفنا شاهين في الألبوم الذي سيتوفر في الأسواق ابتداءً من نهاية تشرين الأول/أكتوبر بين المؤلفات الغنائية وأشعار ناظم حكمت.

​​في الكلمات الرزينة والمكثّفة للشابة الجميلة ذات الشعر الأسود المجعّد تبرز كلمة "حريّة" في أحيان كثيرة. والحرية موضوع مركزي أيضًا في أعمال ناظم حكمت صلب المراس والمشاكس ليس من الناحية السياسية فقط، والذي قضى في السجن حوالي ربع عمره وقد عاش 62 عامًا.

روح الحرية التي تجدها دفنا شاهين في كلمات ناظم حكمت، يشعر بها المرء أيضًا في ألبومها الأوّل. وبيت الشعر القائل "دعونا نعطي العالم للأطفال" ما زال يحوم في رأس دفنا منذ طفولتها. وكان من أول الأشعار التي كتبها ناظم حكمت، وقد غامرت في تلحينها قبل خمس سنوات، وهي من أكثر المقطوعات إطرابًا ضمن إحدى عشر أغنية هادئة في ألبومها الأوّل. لا بدَّ وأنَّ حب الحرية على وجه الخصوص هو ما قاد دفنا شاهين إلى موسيقى الجاز التي أعجبها فيها البحث الحر عن لغةٍ موسيقيةٍ خاصةٍ، وعن النغم الخاص وعن فضاء الارتجال الموسيقي. هذه الإمكانيات بدورها تتوافق بشكلٍ رائعٍ من وجهة نظرها مع العوالم الفسيحة لأفكار ناظم حكمت.

بعد أن اجتازت الفنانة التي تعشق الموسيقى منذ نعومة أظافرها كل المدارس الممكنة ومجالات النشاط الموسيقي، درست في مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة قبل عام واحد من حصولها على شهادة الثانوية. وفي البلد المُنتِج لموسيقى الجاز وقعت في حب دائم لهذه الموسيقى. وأصبحت مغنية في فرقة جاز كبيرة وأدركت بعد ذلك أنَّ هذا لا بدَّ من أنْ يستمر، وقررت احتراف الغناء.

الكثير من المُدْخلات في وقت قصير

أنهت دفنا شاهين بعد ذلك دراسة غناء الجاز في جامعة الفنون في برلين. والتقت أثناء فترة الدراسة بشخصيات معروفة في ساحة موسيقى الجاز مثل دافيد فريدمان أو جودي نيماك. كما حصلت المغنية البرلينية على مزيدٍ من المحفزات الهامة لدى إقامتها في برشلونة وزيارتها للمعهد العالي للموسيقى هناك.

دفنا شاهين
درست مغنية الجاز دفنا شاهين الغناء في برلين وبرشلونة، وتُعتبرُ منذ فترةٍ طويلةٍ من العناصر الثابتة في الساحة الموسيقية في برلين، بيد أنها تتنقل أيضًا بين البرازيل وجنوب أفريقيا.

​​وجدت دفنا شاهين في كارمي كانيلا معلمة غناء الجاز الكاتالونية قريبتها الموسيقية الروحية. فصوتهما يتشابهان بالوضوح والقوة وهما تستفيدان منهما في ترنيم أنغام برازيلية إلى جانب الجاز. لحّنت الطالبة الشابة معظم الأغاني المنجزة حتى الآن في برشلونة على مقربة من البحر الذي يلعب أيضًا دورًا مهمًا في عالم ناظم حكمت الشعري. وستشهد الأغاني قريبًا اختبارًا مميّزًا للغاية في الحفلة الموسيقية الختامية لمسابقة بوب كامب، حيث تمّ اختيارها مع فرقتها الثلاثية (ثلاثة شبان من الزملاء الجامعيين يعزفون على آلة الباص وعلى البيانو وكذلك على البيانو الإلكتروني أو الطبول) للمشاركة في هذا الاحتفال إلى جانب أربع فرق موسيقية أخرى. ولا تود المغنية أنْ تفوتها فرصة خوض التجربة هناك بما في ذلك من تبادلٍ مُلهِمٍ وتدريباتٍ رائعة.

عندما يتوفر للفنانة النشيطة بعض الوقت بين حفلاتها الموسيقية الكثيرة، التي تقدّم فيها ألبومها الأول تغادر برلين متجهة إلى اسطنبول حيث تعمل منذ فترة من الزمن على مشروع أدبي موسيقي آخر في وطنها الجديد القديم. تود مشاركة أصدقاء موسيقيين في كلتا المدينتين في تلحين أشعارٍ حديثةٍ تتناول تلك المدينة الواقعة على مضيق البوسفور. يتضح تمامًا أنَّ دفنا شاهين لا تتحول إلى صوتٍ جديدٍ جديرٍ بالاهتمام في موسيقى جاز منفتحة على العالم من صنع ألمانيا وحسب، إنما تبني بالإضافة إلى ذلك "صرحًا أوروبيًا" خاصًا بها للغاية، وتغدو مثل وسيطٍ بين ألمانيا وتركيا، إن لم يكن بين ألمانيا وبقية العالم

 

كاترين فيلكه
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012