العدالة الاجتماعية

يحذر العالم الإيراني محمد سعيد بهمانبور كل الذين يودون فرض التفكير الغربي على المجتمعات الإسلامية من مغبة تخريب نظم القيم الموجودة في هذه المجتمعات.

قرأت مرة في مكان ما أنّ للعدالة الاجتماعيّة في الإسلام مكانة عالية جدا، بما يشبه الدور الذي تلعبه المحبة والسلام بالنسبة للمسيحيّة. لم تعش المجتمعات الإسلاميّة في القرن الأخير تجربة العدالة الاجتماعيّة إلا بشكل ضئيل جدًّا. أما المجتمعات المسيحيّة فلم تعرف سوى الحروب العالميّة والمذابح! وحين أتكلم عن مفهوم العدالة الاجتماعيّة في الإسلام لا تسألونني من فضلكم لماذا تتصرف بعض البلدان بخلاف ما تؤمن - تلك ظاهرة عالمية.

هناك معضلة تتعلق بمسألة العدالة الاجتماعيّة، تقريبًا في كل الديانات، في اليهوديةّ وفي المسيحيّة، كما في الإسلام. لقد

بهمانبور، الصورة:adventist.org.uk
محمد سعيد بهمانبور

​​محمد سعيد بهمانبور، نشأ في إيران، درس في معهد Queen Mary وفي London School of Economics، بالإضافة إلى جامعة العلامة طباطبائي في طهران. حرر عددا من المجلات السياسية والدينية والثقافية. يدرّس حاليا في المعهد الإسلامي للدراسات العليا في لندن. يحمل كتابه الأخير عنوان: الهوية الإسلامية في القرن الواحد والعشرين. وضعت المجتمعات المسيحيّة إيمانها المسيحيّ جانبًا، وظهرت بفكرة جديدة تتمحور حول المجتمع. يقال الآن أنه لا يوجد تناقض بين مثل هذا المجتمع العلماني والقيم المسيحيّة. لكنّ إذا عدنا إلى أصول المسيحيّة، فإن هذا النقاش يترك أسئلة كثيرة مفتوحة، وهي قطعا ليست دون إشكالية. وعلينا ألا ننتظر من المسلمين الذين لا يريدون وضع إيمانهم الإسلاميّ جانبًا، إجابات سريعة على هذه الأسئلة الصّعبة.

في القرآن، هناك آية يطلب اللّه فيها من النّاس الرحمة والعدل. وكان للنبي محمد قبل نزول الوحي، صديق، اعترف فيما بعد بأنه في البداية لم يصدق الوحي الذي ادعى محمد بأنه ينزل عليه. ولكن بعد سنتين أو ثلاث سنوات، حين أبلغه محمد دعوة اللّه للرحمة والعدل التي نزلت عليه، أدرك فجأة أنّ النّبي قال الحقيقة وأن رسالته تضمنت على كلّ القيم التي تهمُّ هذا الصديق. وهكذا اعتنق الإسلام.

ليس هناك في الإسلام تعريف للعدالة. يقال فقط إن على المرء أن يكون عادلا في أفعاله. حتّى في العلاقة مع الأعداء، بعض آيات القرآن تحث على العدل. يُعْتَبَر العدل قيمة عامّة، كنداء الضمير الإنساني متأصل فيه، غير ممكن التعريف. ولا يمكن بالتّأكيد تعريفه أيضا بوضع دين مقابل دين آخر. كيف يمكننا إذن الاقتراب من مبادئ حقوق الإنسان التي تؤدّي إلى التّناقضات واختلافات الرأي؟ كيف تحدث هذه الاختلافات في الرأي؟ لماذا تختلف المحاكم في المجتمعات المختلفة في أحكامها؟ كيف تحدث هذه الاختلافات ؟ إذا كنا نقبل فكرة القيم العالمية، فإن السّبب الرّئيسي لاختلاف أحكامنا هو خلفيّاتنا ومنظوراتتنا المختلفة.

المسيحيّون العلمانيون، والمسلمون الإسلاميون

إذا أردنا الرد على"صراع الحضارات" لصمويل هنتينغتون، يجب علينا أن نوسّع من تفهمنا للعدالة ليشمل الثقافات المختلفة. ربّما يجب علينا نحن بالذات كمثقفين وكأناس يريدون التّقرير في أشياء مهمّة جدًّا مثل الحرب والسّلام، تكريس تصوراتنا لكي نستطيع أن ندرك أشكال التّفكير المختلف.

لكن الأمر خطر ومناورة فقط، إذا قال امرء إلى الآخرين: "بغض النظر عن رأيكم: احتفظوا به لأنفسكم. هذا هو الطّريق الوحيد لنيل العدالة وعليكم أن تسلكوه". وتعود المناقشة بين المسلمين وبين المجتمعات العلمانية - عن عمد لا أقول "مسيحية"، لأننيّ أعتقد، أن القيم المسيحيّة قد فقدت في مجتمعاتها العلمانية – إلى عدم رغبة المسلمين خيانة قيم إسلاميّة. لا أدري ماذا سيحدث في المستقبل، لكنّ في الوقت الراهن لا يريد المسلمون إبطال قيمهم الدّينيّة من أجل قيام مجتمع علماني .

يدعي الغرب وجود العدالة الاجتماعيّة في بريطانيا أو الولايات المتّحدة وينكر إمكانية وجودها أيضًا في إيران أو المملكة العربيّة السّعوديّة. لكنّ انظر إلى نظام الدّول القومية من زاوية علاقاتها الدولية .يوافق هنا على أنّ تحرص كلّ أمّة على مصالحها الخاصّة حتّى ولو كان ذلك على حساب الآخرين. إن الحرص على المصالح الخاصّة تتناقض دوما مع العدالة الاجتماعية الشاملة. ومع ذلك فان نظام العلاقات الدّوليّة يعمل بهذا الشكل.

وليس في الإسلام فقط، نجد ظلما وفسادا وسلطة متعسفة. وإذا كنا نريد تحقيق العدل، لا سيما في الدول الفقيرة، فإننا نحتاج إلى مال ومؤسّسات ومعرفة. لكنّ إذا كان النّظام الدولي غير عادل برمته، فكيف يمكن للبلدان الفقيرة أن تحصل على الموارد الضرورية للمؤسّسات السّياسيّة الجيّدة، لقضاء عادل وأجهزة أمنيّة تعمل بطريقة سليمة؟ بالطّبع، لا يمكن أن نبحث عن المسئوليّة الكاملة للفشل في بلد ما عند بلدان أخرى. لكن من الصعب جدًّا في ظل النظام الدولي الحالي للدّول التي تراجعت تنموياّ أن تحقق تقدما ما، ما لم تلق الدعم والتّشجيع وقبل كل شيء التفهم من جانب الدول المتطورة.

ترتكب الولايات المتّحدة الأمريكية والبلدان المثيلة لها هذا الخطأ بعينه في نظرتها إلى البلدان الإسلامية. ويتلخص موقفهم في المقولة التالية: "تخلّوا عن كل شيء آمنتم به حتى الآن وانضموا إلينا" وهذا ما لا يقبله معظم النّاس ولا يستطيعون ولا يريدون فعل شيء كهذا.

ويكتفي الأمريكيّون بالبيانات الإحصائيّة التي تظهرأن كثيرا من الشبان من الدول الإسلامية يعتبرون أمريكا وقيمها العلمانية مثالا لهم. بالطّبع لربما يشعر الشباب بالحسد إذا رأى مستوى المعيشة العالية وأشياء جميلة أخرى. لكنّ يجب على الغرب أن يكون على بينة من الذي يمكن أن يحدث إذا دمّرت قيم المجتمعات التي ليس بامكانها أن تقدم لشبيبتها شيئا كهذا. هل بإمكاننا أن نتصور أن تحطيم هذه القيم بالذات وتجاهل مفاهيم عدالة مغايرة هو الذي أدى في السنوات الماضية إلى الحقد والعداء، وربّما حتّى إلى الإرهاب وإلى أحداث 11 سبتمبر/ أيلول؟

ترجمة مصطفى السليمان