المصريون يثورون!؟

ستظل حاضرة في تاريخ مصر، تلك اللحظات التي شهدها ميدان التحرير مساء الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011 بعد الإعلان عن سقوط نظام محمد حسني مبارك. كيف عاش المصريون الدقائق الأخيرة لنظام امتد ثلاثة عقود؟ من ميدان التحرير سمير جريس ينقل لنا شهادته من قلب الحدث.

ستظل حاضرة في تاريخ مصر، تلك اللحظات التي شهدها ميدان التحرير مساء الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011 بعد الإعلان عن سقوط نظام محمد حسني مبارك. كيف عاش المصريون الدقائق الأخيرة من نظام امتد ثلاثة عقود ؟ من ميدان التحرير سمير جريس ينقل لنا شهادته من قلب الحدث.

خبر عاجل: الشعب اسقط النظام حقوق الصورة : دويتشه فيله
في أصعب الظروف احتفظ الشعب المصري بروح النكتة. خبر عاجل: الشعب أسقط النظام

​​ طوال أيام الثورة الشعبية في مصر كنت متسمراً أمام شاشات الفضائيات في ألمانيا، أرى الصور، أبحث عن الأخبار الجديدة، ولا أصدق ما يحدث. مصر تثور؟ المصريون لا يثورون: أليس هذا ما تعلمناه من التاريخ؟ يتحدث التاريخ عن أول ثورة قام بها المصريون حوالي 2200 قبل الميلاد. ما فعله الناس آنذاك ظل تقليداً يميز سلوك المصريين، حتى الخامس والعشرين من كانون الثاني / يناير 2011. آنذاك "ناشد" المواطنون فرعون ليرى المظالم التي يتعرض إليها شعبه، و"التمسوا" منه أن يتدخل. أليس هو نائب الرب على الأرض، ابن الإله، بل والإله نفسه؟ متى ثار المصريون؟ كنا نسمع من أساتذة التاريخ في المدارس عن "هوجة عرابي". هل كانت ثورة؟ كنا نسمع ونقرأ في روايات نجيب محفوظ عن ثورة 1919، ثورة حقيقية ليبرالية رسخت لمفهوم "الدين لله والوطن للجميع" – لكنه تاريخ بعيد عنا وعن أبناء عهد مبارك.

" الشرطة في خدمة الشعب! "

ما حدث في 1952 هل كان ثورة أم إنقلاباً عسكرياً؟ لا يهم. المهم أن مصر شهدت ثورة في 2011. البداية لم تكن تبشر بذلك. لم يتوقع أحد أن يتغلب المصريون على تاريخ طويل من القمع والقهر والخنوع والخوف. تاريخ طويل من الاستبداد الذي ذاقوه من جهاز أمني باطش، جهاز يدعي أنه يسهر على حماية أمن المواطنين، بينما هو الذي ينكل بهم، ينشر الفوضى بينهم، يروعهم، يفتح السجون والمعتقلات ويخرج المجرمين نكايةً بهم.

مواطن مصري في قبضة رجل أمن . حقوق الصورة أ ب
الجهاز الأمني يدعي أنه يسهر على حماية أمن المواطنين، بينما هو الذي ينكل بهم

​​ المصريون يثورون؟ لم أصدق. لا أصدق. وصلت إلى مصر قادما من فرانكفورت. الساعة الواحدة ظهراً في اليوم الذي سيدخل التاريخ: 11 شباط / فبراير 2011. انطلقت من المطار إلى ميدان التحرير مباشرة. الليلة السابقة كان "الرئيس" قد تكلم وخيب الآمال بعد أن راجت شائعات عن تنحيه. كنت أسأل نفسي: كيف ستسير الأمور اليوم؟ هل سيتدخل الجيش؟ هل ستحصل مواجهات دامية إذا تحرك المتظاهرون من ميدان التحرير إلى القصر الرئاسي؟ إلى متى ستطول الاحتجاجات والاعتصامات؟ ماذا سيتولد عنها؟ أنا قادم من دولة لا يتحدث الإعلام فيها إلا عن الخطر الإسلامي القادم، خطر الإخوان، خطر تحول مصر إلى إيران.

كرنفال شعبي ضخم

أخذت مترو الأنفاق من ميدان رمسيس. قال لي الأصدقاء الثوار: انزل في محطة "جمال عبد الناصر"، ومن هناك تصل سيراً إلى ميدان التحرير. في المترو أسمع الناس يتحدثون بدون خوف. إخوان ملتحون يقولون لمن يقف بجوارهم: هي الناس خايفه من الإخوان ليه؟ شابات وشبان يحملون الإعلام في أياديهم، لأول مرة في حياتهم. تلامذة يقولون: إمتى بقه ده كله يخلص؟ عايزين نرجع للمدرسة. رجل ساخط يتحدث عن خراب الاقتصاد، عن شوية عيال خربوا الدنيا.

امرأة ترسم العلم المصري على وجه طفلة. حقوق الصورة :دويتشه فيله
ميدان التحرير تحول إلى ساحة كرنفال شعبي ضخم. رقص، غناء، خطب...

​​ بعد عدة محاولات للدخول إلى الميدان وسط الزحام، أنجح في العثور على فجوة في شارع قصر النيل. شباب في قمة التهذب والنضج والوعي السياسي يتأكد من الهوية ويفتش الداخلين للتأكد من عدم وجود أسلحة. يلفت نظري كثرة الملتحين والمحجبات والمنقبات. لكنهم ليسوا المسيطرين على الساحة.

ميدان التحرير تحول إلى ساحة كرنفال شعبي ضخم. رقص، غناء، خطب على منوال هايدبارك، وتنافس في رفع أكثر الشعارات مرحاً. خفة دم المصريين تتجلى هنا. واحد يمسك لافتة كرتونية كتب عليها بخط يده: "إن كان على مرتب الستة شهور، ندفعهولك، بس غور!". آخر: "الرئيس يعتصم في القصر الجمهوري، ويطلب تغيير الشعب". ولكن الشعب لا يغادر ميدان التحرير.

مصر بروح جديدة

جندي مصري يهدي فتاة زهرة بيضاء. حقوق الصورة
روح جديدة ولدت في مصر بعد الثورة

​​

في الساعة السادسة، وأنا أجلس مع مجموعة من الأصدقاء في مقهى بالقرب من ميدان طلعت حرب، نسمع الخبر الذي أطلق صرخات الفرحة والزغاريد والهتافات التلقائية: "الشعب خلاص أسقط النظام". هي ثورة إذاً. وثورة ناجحة. ثورة أعادت الروح إلى الشعب. ثورة أيقظت وعيه. رأيت في الشوارع مصريين افتقدتهم كثيراً: إيجابيين، فاعلين، كلهم أمل ورغبة في التغيير؛ مصريين سئموا كلمة "وأنا مالي"، و"مفيش فايدة". نعم، لا أحد يعرف كيف ستتطور الأمور. هل سيتسلط الجيش؟ هل سيعود – بعد حين – كل شيء إلى ما كان عليه، تقريباً؟ هل الإخوان هم المنتصرون؟ هل ستُسرق الثورة؟ لا أعرف. ولكن روحاً جديدة ولدت في مصر. ولن يتغير النظام المتكلس والتعفن المستشري في البلاد والفساد الناخر في كافة أجهزة الدولة بين يوم وليلة. ولكنهم عازمون ومصممون على التغيير – شباب مصر الرائع.

سمير جريس
مراجعة :لؤي المدهون
حقوق النشر: قنطرة 2011

Qantara.de

المحطات الفاصلة للثورة المصرية
سقط الفرعون!
لأول مرة في تاريخ مصر الحديث يتم الحديث عن رئيس سابق. فقبل أقل من شهر من اليوم لم يكن أحد يتوقع سقوط نظام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، حيث أعلن مساء اليوم نائب الرئيس عمر سليمان تنحي محمد حسني مبارك بعد 30 سنة من الحكم وتسليمه السلطة إلى المجلس العسكري. ريم نجمي تستعرض اللحظات الأخيرة من الثورة المصرية.

شباب الفايس بوك في مصر
وائل غنيم رمز "ثورة جيل الفيسبوك"
الناشط المصري وائل غنيم اختفى في اليوم الأول من حركة المظاهرات التي تشهدها مصر منذ ما يعرف بـ"يوم الغضب". وأفرج عنه منذ بضعة أيام ليصبح بعد ذلك رمزاً من رموز "ثورة جيل الفيسبوك .هبة الله اسماعيل تسلط الضوء على هذا الناشط المصري".

قراءة في ثورة الشباب المصري:
فجر جديد بقيادة الشباب في الشرق الأوسط؟
ترى الكاتبة والمدونة اللبنانية فرح عبد الساتر أن الشباب العربي أصبح اليوم ليس مسلّحاً فقط بهاتف البلاك بيري النقال والآي فون والمدوّنات والفيسبوك، وإنما كذلك بالقناعة بأن التغيير أصبح ضرورة حتمية في المنطقة العربية في مؤشر على بداية صحوة شاملة