ذخائر من التراث العالمي تحت الرمال

يتم جمع المخطوطات والكتب الدينية والدنيوية في مدينة شنقيط في مكتبات خاصة منذ القرن الثاني عشر. إلا أنَّ التغيُّر المناخي اليوم يُعرِّض الكتب القديمة للخطر. مارك انغلهاردت أعدَّ هذا التقرير من مدينة شنقيط الموريتانية.

مدينة شنقيط؛ الصورة: مارك انغلهاردت
كنز معرفي مهدد بالغرق تحت الكثبان الرملية

​​يعود تاريخ مدينة شنقيط التي كانت مركزًا تجاريًا مهمًا لقوافل البضائع إلى أكثر من سبعمائة عام. وإلى يومنا هذا يسوق الرجال الملتفون بالقفاطين البيضاء قطعان جمالهم من الكورال الليلي إلى الكثبان قبيل شروق الشمس وارتفاعها إلى قبة السماء. في الشمال الشرقي من الدولة الصحراوية موريتانيا، في وسط الصحراء، يوجد اليوم كما في بقية البلاد هواتف محمولة وكذلك سيارات تجتاز الوادي الجاف في أغلب الأحيان. أما في ما عدا ذلك فتسود التقاليد.

زحف الصحراء

أتت القوافل الأولى إلى شنقيط من العالم العربي في القرن الميلادي الثاني عشر لكي تشتري الذهب والعاج ونفائس أفريقية أخرى. وجاء معهم الدين الإسلامي إلى هذه المدينة فاشتهرت شنقيط بفقهاء الدين الذين كتبوا قبل مئات السنين دراسات حول تفسير القرآن وكثير من المخطوطات العلمية، لذا تتسم المدينة بالعراقة الدينية. ولازال الدين والتجارة يضبطان إيقاع الحياة في شنقيط حتى اليوم.

يجلس الباعة المتجولون تحت ظلال مسجدٍ جديدٍ في شارع السوق أمام الدكاكين القليلة في كل صباح، حيث يبيعون في هذه المنطقة الجدباء الثمار الموسمية كالبندورة/الطماطم، والتمور الطازجة الصفراء اللامعة، أو النعناع المنقوع بالماء الذي يندر وجوده ويرتفع ثمنه. تقول فاطمة إحدى البائعات المنقبات: "ازدادت حرارة الجو، وهي ترتفع باضطراد". ويُرجِع باحثو المناخ أسباب التصحر والهجوم المتزايد للكثبان الرملية بشكلٍ مباشرٍ لعواقب التغيُّر المناخي المتمثلة في ارتفاع الحرارة.

موقع للتراث العالمي

مدينة شنقيط؛ الصورة: مارك انغلهاردت
العديد من مجموعات الكتب والمخطوطات الموجودة في المباني التاريخية كانت السبب الذي دفع اليونسكو لاعتبار مدينة شنقيط موقعًا من مواقع التراث العالمي.

​​نجت المدينة الجديدة الواقعة على مستوى أعلى من الكثبان الرملية حتى الآن، إلا أن الكثير من الأبنية في المدينة القديمة على الطرف الآخر من الوادي قد اندثرت تحت الرمال. كما تقوضت أبنيةٌ أخرى. ويكاد لا يعيش أحدٌ هنا في هذه الناحية من المدينة الزاخرة بالتاريخ، حيث تقع المكتبات. سيف الإسلام هو أحد أمناء المكتبات، والنجل الأصغر لعائلةٍ تحافظ منذ قرونٍ في إحدى المكتبات الخاصة على كتب ومخطوطات فريدة لفقهاء الدين.

العديد من مجموعات الكتب والمخطوطات المماثلة الموجودة في المباني التاريخية كانت السبب الذي دفع اليونسكو لاعتبار مدينة شنقيط موقعًا من مواقع التراث العالمي. ويوضح سيف الإسلام البالغ من العمر 59 عامًا بأن: "عمر المبنى يوازي عمر المخطوطات تقريبًا" بينما يفتح القفل القديم بمفتاح ضخم ويزيح المزلاج الخشبي الثقيل. ويفتح من ثم وبطريقة مشابهة بوابة أخرى في ساحة داخلية تفيض بنور الشمس. وخلف باب لا يزيد ارتفاعه عن مترٍ واحدٍ نجد المكتبة.

كتب نادرة في حافظات كرتونية

إحدى المكتبات القديمة في شنقيط؛ الصورة: مارك إنغلهاردت
خلف باب لا يزيد ارتفاعه عن مترٍ واحدٍ نجد مكتبة تحوي 1699 كتابًا يعود أقدمها إلى القرن الميلادي العاشر

​​تتألف مجموعة عائلة أحمد محمود من 1699 كتابًا معظمها من الكتب الإسلامية. سيف الإسلام يعرفها كلها ويشير إلى أحد الكتب قائلاً: "هذا أقدم كتاب في المدينة على سبيل المثال وهو يعود إلى القرن الميلادي العاشر. إنه القرآن الوحيد الذي تمت كتابته على جلود الغزلان". ومع أن معظم الأعمال لا يمكن تعويضها، إلا أن سيف الإسلام لا يحميها من الغبار والنمل الأبيض إلا في حافظات كرتونية بسيطة. وقد حاولت الحكومة في نواكشوط البعيدة قبل سنوات قليلة أنْ تخزن الكتب بشكل مستدام وبنت دارًا للكتب لهذا الغرض، إلا أن هذه الدار ما زالت فارغةً حتى اليوم.

يقول سيف الإسلام في هذا الصدد مستاءً: "أرادوا أن يأخذوا منا الكتب لتخزينها". ولكنه ليس وحده بل هناك أيضًا أمناء مكتبات آخرون يعيشون من السيّاح الذين يأتون إلى شنقيط لرؤية الكتب وسماع القصص المتعلقة بها. وسيف الإسلام متحدثٌ موهوبٌ ممتعٌ حتى تراه أحيانًا يغني شعرًا عربيًا من القرن السابع عشر لكي ينال استحسان زائريه. ويؤكد سيف أن: "هذه الكتب عبارة عن مجموعة خاصة، وليست عائدة لدار كتب عامة". أما مشروع تسجيل الكتب على أفلام صغيرة فقد وضع جانبًا في الوقت الحالي، إذ لا يوجد من يود إعارة مجموعته لفترة أطول من شهر أثناء رمضان. ولهذا السبب لم يتم التقييم العلمي للكثير من المجلدات حتى اليوم.

تقرير تحذيري من اليونسكو

لكن سيف الإسلام قلق على الرغم من ذلك لأنه لا يعرف إلى متى ستستطيع مكتبته أن تصمد هنا. وهو مطلع على التقرير الذي أصدرته لجنة اليونسكو لمواقع الإرث العالمي قبل سنتين، والذي عبّر بكلمات واضحة بأنه: "تم تشييد المواقع الأثرية القديمة لتصلح في مناخٍ محلي، أما اليوم فوجودها معرض للخطر من خلال التغيُّر المناخي" ويتابع التقرير: تتصدع المباني لأن الأرضية التي تقوم عليها تتقوض بسبب الحرارة وهطول الأمطار الشديدة. كما أن الكثبان المتقدمة محت مباني تاريخية من على وجه الأرض تماما في مدينة تيمبوكتو في شمال مالي، وهي مدينة صحراوية مثلها مثل شنقيط. شنقيط - حيث تشكل حول مكتبة سيف الإسلام أيضًا طوقٌ من الرمال.

مارك انغلهاردت
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2007

قنطرة

معالجة التصحر على الطريقة المصرية
تشكل ظاهرتا الانفجار السكاني ونقص الموارد المائية تحديا كبيرا للدول التي تعاني من مشكلة التصحر. الإدارة المصرية تجاوبت مع هذا التحدي بإطلاق مشروع ضخم لتعمير الصحراء جنوب البلاد، غير أن بعض المنتقدين يرون عدم واقعيته. تقرير حسن زنيند

كنز معماري مهدّد بالانهيار
كانت قصبة الجزائر بأزقّتها المتشابكة أكثر من مجرّد محلة شهدت معارك دامية. والآن تريد الحكومة الجزائرية جعل هذه المحلة المفعمة بالأمثلة المعمارية أكثر جاذبية للسيّاح. بقلم كورنيليا ديريشسفايلر.

المدينة القديمة بين مطامع رؤوس
بدأ المسؤولون في محافظة دمشق بتنفيذ مشروع مثير للجدل يهدف إلى هدم أبنية قديمة واقعة خارج السور الروماني للمدينة من أجل شق طريق عريض وإقامة أبنية تجارية حديثة. تقرير من دمشق بقلم رزان زيتونة