35 سنة من الحكم المطلق

راجت شائعات بأن العقيد القذافي سيعلن،بمناسبة الاحتفال بذكرى الخامسة والثلاثين لانقلابه العسكري عن تطبيق إصلاحات سياسية تدريجية. هل تحققت هذه الشائعات أو جزء منها؟ تعليق فرج بو العشة

الصورة: أ ب
العقيد معمر القذافي

​​راجت شائعات في الشارع الليبي بأن العقيد القذافي سيعلن،بمناسبة الاحتفال بذكرى الخامسة والثلاثين لانقلابه العسكري عن تطبيق إصلاحات سياسية تدريجية تقود إلى إلغاء نظام الحزب الواحد. هل تحققت هذه الشائعات أو جزء منها؟ تعليق فرج بو العشة

يعتبر نظام القذافي الحاكم في ليبيا،منذ خمسة وثلاثين عاما،أحد أنظمة الحكم العربية الشمولية التي قامت عن طريق الانقلابات العسكرية التي راجت بكثرة بعد هزيمة 5 يونيو/حزيران 67، مثل انقلاب البكر/صدام 1968 وانقلاب نميري 1969 وانقلاب الأسد 1970.

جاءت الأنظمة الانقلابية هذه إلى السلطة باسم الشعارات نفسها تقريبا: تحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية والاشتراكية، ومصادقة الاتحاد السوفيتي وكتلته الشرقية في مواجهة الإمبريالية الأمريكية وحلفائها.كما أنها مارست الحكم بأسلوب واحد تقريباً: القائد الأوحد والحزب الأوحد والرأي الأوحد.

وبعد انهيار حائط برلين واندثار الاتحاد السوفيتي وتوابعه، تحولت حوالي مائة دولة من أنظمة ديكتاتورية شمولية إلى أنظمة ديموقراطية تعددية،ليس بينها نظام عربي واحدا.

مصير الحكام

كان صدام قد مضى بالعراق من حرب إلى حرب،ومن دمار إلى دمار. والمحصلة: البلاد تحت الاحتلال و"القائد الضرورة" في قبضة الأمريكان. وكان نميري السودان قد سقط في انتفاضة شعبية خاطفة رمت به منفياً في القاهرة.وفارق أسد سوريا الحياة بعدما أعد مسرح الحكم لابنه بشار، الذي قدم نفسه إلى الشعب السوري بحسبانه يحمل بشارة واعدة بالانفتاح الاقتصادي والتحول الديموقراطي.وهو ما لم يتحقق، على نحو جدي، حتى الآن.

هذا العام تأتي ذكرى انقلاب الأول من سبتمبر وقد قام العقيد القذافي بسلسلة من التنازلات المتلاحقة للغرب، فدفع التعويضات الطائلة وفكك برامج أسلحة الدمار الشامل، في سبيل إرضاء الدول الكبرى، ومن ثم القبول بإعادة تأهيله من جديد عضواً تائبا في المجتمع الدولي.

وبذلك اعتقد العقيد أنه أمّن نظامه من خطر التهديد الخارجي.لكنه بالمقابل لم يُقدم على تقديم تنازلات داخلية ضرورية للشعب الليبي في إطار الإصلاح الديموقراطي الذي صار يفرض نفسه على الأنظمة العربية.

وفي هذا العام راجت،أو قل روجت شائعات في الشارع الليبي بأن العقيد القذافي سيعلن،بمناسبة الاحتفال بذكرى الخامسة والثلاثين لانقلابه العسكري في الأول من سبتمبر،عن تطبيق إصلاحات سياسية تدريجية تقود إلى إلغاء نظام الحزب الواحد(اللجان الثورية) والكتاب الأخضر، وبالتالي العودة إلى الشرعية الدستورية والحياة الديموقراطية البرلمانية.

قد ظهر تيار في المعارضة الليبية المقيمة في الخارج (حيث لا وجود للمعارضة في الداخل) يدعو إلى الاكتفاء بمطالبة النظام بإجراء إصلاحات من داخله، متوقعين إعلان الديكتاتور الليبي عنها بنفسه. وذلك على الضد من غالبية أطراف المعارضة التي تؤمن أن نظام الحكم العسكري بزعامة القذافي غير قابل للإصلاح ولا يرجى منه إصلاح حقيقي، وبالتالي فإن التوجه الأمثل هو مطالبة القذافي بالتنحي عن السلطة وتسليمها إلى حكومة مدنية انتقالية تقود البلاد إلى انتخابات عامة حرة تحت إشراف منظمات دولية معنية.

خطاب مخيب للآمال

وأخيراً تحدث القذافي ليلة 31 أغسطس/آب الماضي في حضور رومانو برودي رئيس المفوضية الأوروبية.ولم يشر من قريب أو بعيد،في حديثه،إلى ضرورة إجراء أية إصلاحات سياسية، بل أنه نصح الأمريكيين بتطبيق الكتاب الأخضر، وقال:

" نتمنى أن يدرس المفكرون الأمريكان تطبيق النظرية الجماهيرية" رغم اعترافه في،نفس الحديث، بحجم الفساد الكبير المنتشر على كل المستويات في أجهزة الدولة الليبية وقطاعاتها الإدارية، مثل نهب المال العام وتقاضى رشاوي العمولات وتزوير المستندات والوثائق والشهادات والمؤهلات، إلى جانب تجارة الأسلحة والمخدرات،وتجارة تهريب البشر.

واعترف قذافي بتحول ليبيا إلى محطة (ترانزيت) كبيرة لتهريب الراغبين في الهجرة إلى أوربا،التي طالبها بأن تزود بلاده بمناظير الرؤية الليلية وطائرات عمودية لمكافحة الهجرة غير الشرعية،إلى جانب إقامة مشاريع في ليبيا والمغرب لكي تتحولا من محطات عبور يقصدها المهاجرون إلى محطات استثمار توفر فرص العمل للمهاجرين.

ومن جهته يعمل القذافي بدأب على تحسين صورته قائلاً، كما جاء في حديثه الأخير: " ينبغي أن نكون عند حسن ظن العالم بنا. يجب أن لا نسيء العلاقة مع الآخرين، ويجب أن لا نعيد فتح الصفحة(الماضي) من جديد..." فهل حقاً يمكن الوثوق في تعهدات الديكتاتور الليبي؟!

بقلم فرج بوالعَشّة

حقوق الطبع قنطرة 2004

فرج بوالعَشّة صحفي ليبي مقيم في ألمانيا