هل يعنينا مرض الإيدز؟

"تجري في مصر حاليا حملة إعلامية ضد إنتشار فيروس ضعف المناعة، وأصبح الحصول على العازل الطبي سهلا، ولكن أخلاق الأطباء المحافظين ورجال الدين ما زالت تقف عائقا أمام إباحة "ممارسة الجنس المأمون". تقرير كريسنينا برغمان

الأصدقاء الثلاثة، حملة عالمية لمكافحة مرض الإيدز
الأصدقاء الثلاثة، حملة عالمية لمكافحة مرض الإيدز

​​تجري في مصر حاليا حملة إعلامية ضد إنتشار فيروس ضعف المناعة، وأصبح الحصول على العازل الطبي سهلا، ولكن أخلاق الأطباء المحافظين ورجال الدين ما زالت تقف عائقا أمام إباحة "ممارسة الجنس المأمون". تقرير كريسنينا برغمان

العازل الطبي معروض للبيع عند الخزينة في المطعم المشهور "أُن ذي ران" الذي يقع على المحور الدائري لمدينة القاهرة والمحبب لدى شباب الطبقة الراقية في مصر. كما أن رفوف الصيدليات ذات المعروضات الحديثة في مراكز التجارة - التي تعتبر ملتقى لكثير من الشباب المصري – مملوءة بهذا "العازل الرجالي" بكل ألوانه وأشكاله.

ومع أن العازل الطبي يصنع منذ زمن في مصر، إلا أنها ما زال لا يخرج من أدراج الصيدليات إلا عند الطلب. وكان لا يتعدى أن يكون وسيلة لمنع الحمل عند الزوجين. وأصبح عرضه الآن بطريقة علنية يدل تغير في النظرة العامة، على الأقل لدى وزارة الصحة المصرية والمنظمات غير الحكومية التي تهتم بانتشار مرض الإيدز في مصر.

ويقول أشرف عازر - أحد الموظفين المسئولين لدى المفوض السامي للأمم المتحدة لوكالة إغاثة اللاجئين في مصر، والتي تشارك في هذه الحملة الإعلامية بالقاهرة - إن "النصح بـ(ممارسة الجنس المأمون) لم يصرح بها علنا، إلا أن عرض العازل الطبي للبيع يدل عليه".

الدين كوقاية وهمية

إن المفوض السامي للأمم المتحدة لوكالة إغاثة اللاجئين يساهم منذ ديسمبر/كانون الأول في تنظيم أكبر حملة إعلامية ضد إنتشار فيروس الموت في القاهرة والإسكندرية وفي صعيد مصر في مدينتي المنيا وأسيوط. وقد حازت الحفلة الموسيقية لمكافحة الإيدز التي أقيمت في حديقة الأزهر بالقاهرة القديمة على نجاح كبير. ومما يثير الإعجاب حضور الكثير من الشباب والعائلات إلى الحفل.

وعلى الرغم من أنهم جاءوا من أجل سماع نجوم الغناء سيمون وخالد سليم، إلا أنهم أنصتوا إلى التعليقات الخاصة بالثقافة الجنسية بين الفقرات الغنائية. كما تم عرض فيلمين قصيرين عن الطرق التي تؤدي إلى انتقال العدوى بمرض ضعف المناعة/الإيدز، ووسائل الاتصال بمرضى الإيدز غير الناقلة للعدوى.

ويقول السيد عازر: "إن المصريين – والشباب أيضا – لا يقدّرون خطورة العدوى بالمرض". وقد أكدت الأسئلة التي طرحت على الطلبة - سواء في الجامعات الحكومية أو في الجامعة الأمريكية الخاصة في القاهرة – هذا الرأي. وعلى هذا يقول محمد - أحد الطلاب الذين سئلوا – "إن الخطر يهدد فقط العاهرات وذوي الشذوذ الجنسي، وهؤلاء – لحسن الحظ – غير موجودين عندنا في مصر".

وتسأل المراسلة رنا باستفزاز: "هل يعنينا مرض الإيدز بشيء؟"، ثم تتابع القول: "إن الاسلام والأخلاق يساعدان على حمايتنا ضد هذا المرض الخطير". وتقول مريم: "إن الخطر موجود في دورات المياه العامة، وعلاوة على هذا ينبغي ألا نصافح مرضى الإيدز".
ويلخص السيد عازر القول بأن المعضلة تكمن في أن الكلام عن العوامل الرئيسية التي تساعد على الإصابة بمرض الإيدز، مثل العلاقة الجنسية قبل الزواج وتعاطي المخدرات والشذوذ الجنسي، محظور في مصر. ولهذ يصبح من الصعب أن ننصح الأفراد بطريقة مباشرة باستعمال الكوندوم عند الخيانة الزوجية.

ويتابع السيد عازر قوله بأن الرقابة الشديدة على تبرعات الدم قد تكللت بالنجاح، لأن 24 % من حالات العدوى كانت تحدث قبل سنوات قليلة في المستشفيات، أما اليوم فقد انتهت هذه المشكلة بفضل تحسن الرعاية الصحية .

زيادة العدوى بالمرض

لقد أوضح مؤتمر رجال الدين في مصر والذي عقد مؤخرا عن مرض الإيدز أن ثمة تحرك إيجابي فيما يتعلق بالحجج الأخلاقية. فبينما كانت نصائح القساوسة والشيوخ تنادي بـ"الزهد والعفة" وترى أن مرض الإيدز عقاب من الله على فساد الأخلاق، أصبح الكثير من رجال الدين يطالبون الآن بمكافحة هذا الوباء ويبدون تعاطفهم مع المرضى.

ويقول المتحدث الرسمي لبرنامج الإيدز التابع للأمم المتحدة في مصر، نصر سيد، أن هذا دليل على تغير النظرة العامة. وهكذا أصبحت غالبية مرضى الإيدز لا يُستبعدون كما كان من قبل، بل يحصلون على الرعاية داخل الأسرة.

ويواصل سيد نصر قائلا إن سبب الاهتمام الكبير من المؤسسات الدينية بمرض الإيدز هي الأعداد المثيرة للقلق التي شاعت في مصر منذ ديسمبر/كانون الأول. وعلى الرغم من أن البلاد العربية أقل منطقة في العالم إصابة بمرض الإيدز، إلا أن نسبة الإصابة الجديدة بمرض الإيدز وصلت على ضفاف النيل في السنتين الأخيرتين إلى 28 %.

وتقدر وزارة الصحة المصرية عدد المصابين من السكان في مصر بألف وخمسمائة مريضا، ولكن تقديرات برنامج الإيدز التابع للأمم المتحدة في مصر تقول بأن عدد حالات الإصابة بالإيدز بلغت ثمانية آلاف بين المصريين البالغ عددهم 74 مليون نسمة. ويوضح سيد نصر أن الأعداد في مصر تعتبر قليلة للغاية إذا ما قورنت بإفريقا السوداء، ومع هذا فإن احتمال ازدياد نسبة الإصابة في مصر في ازدياد.

ولا يكمن الخطر في انعدام الثقافة الجنسية فقط، بل في النشاط الجنسي عند المصريين. فعلى عكس ما يدعون تنتشر بينهم ممارسة الجنس قبل الزواج وخارج الحياة الزوجية والشذوذ الجنسي والدعارة. كما أن هناك أخطار أخرى ناتجة عن السياحة، وتدفق أعداد اللاجئين الغفيرة من إفريقيا السوداء، التي تبلغ نسبة الإصابة بالإيدز بينهم خمسة وعشرين ضعفا من النسبة في العالم العربي.

بقلم كريستينا برغمان
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
ترجمة عبد اللطيف شعيب
صدر المقال في صحيفة نيو تسورشه تسايتونغ