التعاون الأورومتوسطي.... ضرورة الحوار ومحاربة صور العداء

قلما يستطيع الشباب في شمالي وجنوبي البحر الأبيض المتوسط تخطـِّي الحدود بين الدول. إلا أن القيام بالحوار وبتفكيك المواقف المعادية للمسلمين لا يمكن أن يتما إلا عبر التبادل الفردي على مستوى القاعدة الشعبية. ولذا يمكن أن يكون عام 2013 موعدًا مهما لتأسيس مؤسسة شبابية أورو-متوسطية بعد طول انتظار. تعليق سونيا حجازي ونيكولا مول.



عززت وزارة الخارجية الألمانية مشاريع الحوار مع العالم الإسلامي ودعمتها منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وأُنفِق لهذه الغاية في السنوات الأخيرة حوالي مليون ونصف مليون يورو سنويًا. وبالتأكيد تقدر الاستثمارات أحيانًا بثلاثة أضعاف هذا المبلغ إذا أخذنا بعين الاعتبار العمل القائم في إطار مجموعة من الخطوط المالية الأخرى مع قطاعات مدنية في البلدان الإسلامية (من ضمنها مشاريع تعاون عبر الاتحاد الأوروبي) ومع ذلك، لا يصبح هذا الحوار أكثر سهولةً بل تزداد صعوبته.

قامت المنظمات الوسيطة بالتعاون بشكل رئيسي مع النخب الحضرية في تلك البلدان ولفترةٍ طويلةٍ جدًا، على الرغم من أنَّ الفئة العمرية التي تقل عن 30 عامًا تمثـِّل ثلثيّ المجتمعات العربية، وفاتها أنَّ أبناء هذه الشرائح أيضًا محبطون للغاية بسبب انعدام الآفاق المستقبلية في داخل أوطانها وخارجها. ولم تُحدِث مشاريع الحوار هذه تأثيرًا واسع النطاق ولم تلتقِ بعددٍ كبيرٍ من أبناء وبنات الجيل الشاب، بالرغم من وجود بعض المحاولات. منها على سبيل المثال موقع للشباب ألماني-عربي في الانترنت يقدمه معهد غوته منذ كانون الثاني/يناير 2006 تحت عنوان لي-لك موجَّه للفئة العمرية بين 16 و 26 عاما.

اتضح تعثـُّر "الحوار مع الإسلام" وبخاصةٍ بعد التصعيد الذي نجم عن الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية التي طالت النبي محمد. وقد أظهرت الهجمات في النرويج مُجددًا هول المواقف المستشرية المعادية للمسلمين. ويلاحظ عندما يتم تقبُّل أفكار التهميش المتطرفة في صلب المجتمع، أي الأفكار التي تقوم على أنَّ الآخر مختلفٌ أساسًا ولا يمكنه التغيّر أو يجوز له ذلك، يلاحظ جليًا ظهور جناةٍ مستعدين لممارسة العنف على أطراف طيف هذه الآراء.

من الممكن تحقيق التقارب

الشعار
"ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول العربية الاستفادة من تجربة مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية " كما ترى سونيا حجازي ونيكولا مول.

​​تُقدِّم العلاقة الألمانية الفرنسية مثالاً جيدًا عن إمكانية التغلـُّب على ما يسمى بالعداء المتوارث. رغم أنه في الخمسينيات كان الكثيرون يعتبرون أن العداء المستفحل بين ألمانيا وفرنسا يجعل التقارب بينهما ضربًا من ضروب المستحيل. أما اليوم فلم يعد ممكنًا تصوُّر أنَّ اصطحاب ألمانيٍ أو ألمانيةٍ إلى المنزل في فرنسا كان يُعدُّ معيبًا في ما مضى.

ساهمت مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية إلى حدٍّ كبير في إزالة هذا النوع من التصورات ويمكن اليوم القول إنَّ الزمان أكل عليها وشرب. تدعم المؤسسة سنويًا نحو سبعة آلاف برنامجٍ تبادليٍ بميزانية سنوية تبلغ 20 مليون يورو. وقد مولتت مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية منذ تأسيسها في عام 1963 إجمالاً مشاركة أكثر من سبعة ملايين شخصٍ في برامج التبادل بين فرنسا وألمانيا. الأمر الذي دفع المؤرخ جوزيف روفان لوصف ذلك بـ "أكبر حركة منظّمة لتجوال الشعوب في زمن السلم وبالوسائل والنوايا السلمية". كانت الرغبة في تمكين وتوثيق التعاون بين البلدين على قاعدة اجتماعية واسعة هي فكرة المؤسسة الأساسية وما زالت.

الشعار
" يقدم معهد غوته منذ كانون الثاني/يناير 2006 موقعًا للشباب ألماني-عربي في الانترنت تحت عنوان لي-لك موجَّهٌ للفئة العمرية بين 16 و 26 عاما ." كما تكتب سونيا حجازي ونيكولا مول.

​​ينبغي على الاتحاد الأوروبي والدول العربية الاستفادة من هذه التجربة. وسّعت مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية منذ عام 1990 سلسلة من نشاطاتها، لتقوم على أساس الحوار والتبادل الثلاثي بين ألمانيا وفرنسا وبلدٍ مختارٍ من بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط (الجزائر، تونس، المغرب، لبنان، فلسطين، تركيا، إسرائيل). وسوف تحتفل المؤسسة بذكرى تأسيسها الخمسين في عام 2013. ومن شأن هذا الاحتفال أن يكون أفضل مناسبة لإطلاق مؤسسة شبيبةٍ أورومتوسطيةٍ. إنَّ إنشاء مؤسسةٍ كهذه من شأنه أنْ يُطلق التبادل بين الشباب على نطاق واسع بعد أن جرى إهماله بشدّة حتى الآن.

برامج التبادل بين الناشئين (المدرسية منها وغير المدرسية) كما تطبقها مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية منذ عقود، يمكنها أن تكون نموذجًا يُحتذ في هذا السياق. حقًا يوجد "برنامج الشباب الأورو متوسطي" التابع للمفوضية الأوروبية منذ عام 1998، إلا أنَّ هذا التبادل الشبابي لا يشمل سنويًا أكثر من ثلاثة آلاف شخص. بالقياس إلى ذلك من شأن إنشاء مؤسسة دائمة تتوفر على الإمكانيات اللازمة أنْ تكون مؤشرًا واضحًا لدعم الجهود في سبيل الانفتاح الديمقراطي في مجتمعات شمالي أفريقيا والبلدان العربية الملحوظة في الأشهر الأخيرة، فضلا عن الشراكة الاورومتوسطية التي لطالما جرت المطالبة بها.

لا ينبغي التأخير والتأجيل

هناك بالطبع فروق كثيرة ما بين العلاقات التاريخية الفرنسية الألمانية والعلاقات بين دول شمالي البحر الأبيض المتوسط ودول جنوبه. ولا تـُعتبرُ مؤسسة الشبيبة الأورومتوسطية حلاً سحريًا لتجاوز التناقضات بين أوروبا والعالم العربي. علمًا بأنَّ رسوخ سياسة عامة للتعاون والحوار البنّاء كان من عوامل التأثير الإيجابي على التبادل الشبابي منذ أكثر من أربعين عامًا. إنَّ واقع عدم المثابرة على ممارسة سياسة تعاون بين الاتحاد الأوروبي من جهة والدول العربية من جهة أخرى، لا ينبغي أن يكون سببًا لتأخير إنشاء مؤسسة تبادل شبابي كهذه.

 

سونيا حجازي و نيكولا مول
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق النشر: قنطرة 2011

سونيا حجازي تشغل نائب مدير مركز الشرق الحديث في برلين، ورئيسة المجلس الاستشاري "العلوم الأحداث المعاصرة" التابع لمعهد غوته.

نيكولا مول كان حتى عام 2009 نائب رئيس قسم التعليم عابر الثقافات في مؤسسة الشبيبة الألمانية الفرنسية في برلين وهو يعيش حاليا في سراييفو.