الحاخام أريك آشرمان.. صوت الضمير الإنساني ومصدر فهم آخر لليهودية

يعتبر الحاخام أريك آشرمان، أحد مؤسسي منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان، أن مصدر دفاعهم عن مزارعي الزيتون الفلسطينيين والمساهمة في إعادة بناء البيوت الفلسطينية هو الالتزام الديني. أندرياس باوم زار الحاخام آشرمان في القدس وأجرى معه الحوار التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Andreas Baum



حاخام آشرمان، إذا لم تقم بإرشادي بنفسك إلى مكتب المنظمة، كنت سأواجه صعوبات في العثور عليه.

أريك آشرمان: هذا المكتب دليل على أننا لا نبذر التبرعات على البذخ والراحة، كما يتهمنا البعض في إسرائيل.

هل مصدر تمويلكم الوحيد هو التبرعات؟

آشرمان: لقد تلقينا منذ بضع سنوات بعض التمويل من الاتحاد الأوروبي.

أنتم تقدمون مبررات دينية لالتزامكم بمساعدة الفلسطينيين. ما هي مصادركم؟

آشرمان: اليهودية دين مبنيّ على النقاش. إذا قال لك أحد أن اليهودية تعتبر أمراً ما صحيحاً وآخر خطأ، فيجب أن تدق في رأسك صافرة إنذار كبيرة. من بين كل النقاشات الموجودة في المجتمع اليهودي حالياً، الأهم من وجهة نظري هو التالي: لدينا كتلة كبيرة من التقاليد والتشريعات اليهودية الجميلة تسمى الهلاخاه، ولدينا تقليد رائع يتعلق بمسألة التعامل مع الآخرين.

البعض يعتبر أن هذه التقاليد والوصايا الرائعة تنطبق فقط على التعامل مع اليهود، بينما يوجد أولئك الذين يشيرون إلى الآية السابعة والعشرين من الفصل الأول لأول كتب التوراة، الذي هو في نفس الوقت أول كتب الإنجيل، والتي تقول: "كل البشر مخلوقون على صورة الرب". هذه الآية لا تخصص اليهود أو الأغنياء. كما أنها تشير إلى أن المعنى يشمل الرجال والنساء أيضاً. إذا ما أخذنا ذلك على محمل الجد، فهذا يعني أن علينا تكريم صورة الرب في كل إنسان، أي احترام حقوقه. بالنسبة لي هذا هو أساس منظمتنا.

لكن المستوطنين يبررون حقهم في أراض الفلسطينيين بالاقتباس من التوراة أيضاً. كيف يستقيم هذان الأمران؟

آشرمان: كما قلت، إنني أتمنى أن أستطيع إخبارك بأنني قادر على إثبات خطئهم، وأن حججهم لا أساس لها، أو أن كل ما يقولونه ليس مبنياً على التقاليد اليهودية. لكنني لا أستطيع قول ذلك، لأنهم قادرون على الاقتباس من مصادر وآيات.
وبالعودة إلى السؤال الذي طرحته حول الحق في الأرض، فمن جهة لا يوجد لدينا، كمنظمة تعنى بحقوق الإنسان، أي موقف حول ترسيم الحدود، أو حول حل الدولة أو حل الدولتين أو حتى حل بعشر دول! لكن فيما يخص الأرض، وإذا ما سألتني، سأقول لك إن هذا صحيح. لا يمكنك قراءة التوراة دون أن تدرك أن علامة العهد بين الرب والشعب اليهودي هي أرض إسرائيل. لقد أعطانا الرب هذه الأرض للأبد.

لكن إذا ما أخذنا ما ذكر في التوراة بجدية، فإن نفس اللاهوت التوراتي، الذي يبرر حق اليهود الأزلي في الأرض يقول إن حجم الأرض التي نعيش عليها في أي نقطة في التاريخ سيزيد أو سينقص حسب سلوكنا. من وجهة نظري يوجد هنا تناقض، فما نقوم به الآن على أرض الواقع للتمسك بكل أرض إسرائيل – على قدر ما أشعر كحاخام إسرائيلي يهودي صهيوني بارتباط مع هذه الأرض التي منحنا إياها الرب – هي نفس الأفعال التي تجعلنا غير مؤهلين أخلاقياً للتمسك بهذه الأرض طبقاً لنفس هذا اللاهوت التوراتي.

الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي ومؤسس حركة شاس الدينية المتطرفة وحزبها السياسي، قال إن أرض إسرائيل، برغم قداستها، ليست أكثر قداسة من حياة الإنسان. لهذا، وبرغم ما يجلبه التفكير في تسوية من ألم، فإن عوفاديا يوسف يقول إنه إذا ما أُعطيت فرصة منح الأرض مقابل وقف نزيف الدم، فإن القرار الذي ستتخذه، برغم ما سيجلبه من ألم، واضح.

كيف يبدو ذلك من ناحية التطبيق؟ عندما تشارك في مظاهرات في الأرضي المحتلة، ما هو رد فعل الشرطة والجيش (الإسرائيليين) عندما يرون حاخامات يسيرون باتجاههم، مرفوعي الأيدي ويهتفون باللغة العبرية؟

آشرمان: المظاهرات ليست معظم ما نقوم به. إننا نضع أنفسنا كدروع بشرية لحماية المزارعين الفلسطينيين أثناء جني الزيتون من المستوطنين، الذين غالباً ما يقابلونهم بالعنف. المستوطنون ليسوا جميعهم عنيفين، لكن بعضهم كذلك. أذكر أنه في إحدى المظاهرات كان هناك ضابط يضرب المتظاهرين الشباب بهراوته. وعندما وصل إليّ قال: "لا يمكنني ضرب شخص يرتدي الكيبا (غطاء الرأس التقليدي لليهود المتدينين) وفي شعره بعض الشيب". هكذا نجوت بجلدي بهذه الطريقة.
لكن من جهة أخرى يعتبرني البعض أحد قادة المظاهرة، لذلك يستهدفونني بالتحديد، وعادة ما أكون أول من يتم اعتقاله. وكثيراً ما يقول الضباط: أبعدوه عن الطريق كي تتشتت المظاهرة.

وما هو رد فعل المستوطنين؟

آشرمان: قبل سنوات عديدة قال لي أحد المستوطنين: "يمكننا تفهم الفلسطينيين. لكن لا يمكننا أن نفهمك، فأنت خائن".
الخبر الجيد هو أنه ونتيجة لفوزنا باستئناف في المحكمة العليا – وهذا نصر كبير – سنة 2006، فإن الجيش والشرطة الإسرائيليين ملزمان بضمان وصول الفلسطينيين إلى كل زيتونة، وبأن يقدما لهم الحماية عند ذهابهم إلى أراضيهم. نتيجة لذلك، فإن المزارعين الفلسطينيين باتوا قادرين على الوصول إلى أراض لم يكونوا قادرين على الوصول إليها قبل خمس أو عشر أو حتى خمس عشرة سنة. أنا أفاجأ عادة بالشهرة التي نتمتع بها في عالم اليهود المتدينين، وأعتقد أن ذلك يعود إلى أننا نتحدى بشكل ديني العلاقة التكافلية المريحة التي نشأت بين الديانة اليهودية والمواقف اليمينية المتطرفة.

هل تعرضت لتهديدات؟

آشرمان: من اللافت أنني تعرضت لتهديدات أكثر في تسعينات القرن الماضي من فترة ما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية سنة 2000. أعتقد أن الناس شعروا بأن عليهم أن يقلقوا حول أمور أخرى. وفي ظل العدوانية الجديدة التي بدأت تنمو تجاه منظمات المجتمع المدني في إسرائيل، بما فيها منظمات حقوق الإنسان، أعتقد – وبكل حزن – أن المناخ الحالي قد يؤدي إلى نوع من العنف ضد ناشطي حقوق الإنسان.

أين ترى الخط الفاصل بين العنف واللاعنف؟

آشرمان: أولاً إسرائيل ديمقراطية قوية للغاية، إلا أن ما يحدث في الأراضي المحتلة ليس ديمقراطياً بالضرورة. وبالنظر إلى كون العصيان المدني جزءً من الديمقراطية، إلا أنه الملجأ الأخير لا الأول. إذا ما لجأنا إلى العصيان المدني كلما اختلفنا في الرأي، فإن الفوضى ستسود. لكن هناك حالات يجب عليك فيها أن تخاطر بجسدك. أحد أعظم حاخامات القرن الماضي، الحاخام جوشوا هيرشل، قال: "في الديمقراطية البعض مذنبون، لكن الجميع مسئولون".

العنف الآن أصبح أمراً آخر. عندما نخرج الآن أقول لمتطوعينا: نحن ملتزمون باللاعنف، وهذا يشمل أيضاً العنف اللفظي. حتى لو غضبت على جندي أو على مستوطن، فلا تبدأ بالصراخ والصياح عليهم أو شتمهم، وذلك لسببين: أولاً لأننا لا نؤمن بذلك، وثانياً لأن هذا يرتد عليك ولا يفيد في شيء. أنا أعتقد أيضاً عند الحديث عن حقوق الإنسان، فإننا نتحدث عن تكريم صورة الرب، والعنف – سواء كان جسدياً أو عن طريق تشويه صورة الآخرين بشكل غير منصف – لا يكرم صورة الرب، التي ينبغي علينا أن نجدها حتى في أولئك الذين لا نتفق مع آرائهم.

العنف يرتكب أيضاً من قبل الجانب الفلسطيني. هل تحاول، من خلال تعاملك مع الفلسطينيين، إقناعهم بالتخلي عن العنف؟

آشرمان: هذا سؤال كبير ومهم. إن هدفنا الأول في منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان هو تقليص انتهاكات حقوق الإنسان. أما هدفنا الثاني فهو تقديم فهم مختلف تماماً لليهودية إلى الطبقة المثقفة في إسرائيل – المتدينين منهم وغير المتدينين، خاصة من خلال ما نقوم به مع الفلسطينيين. أما هدفنا الثالث والمهم أيضاً فهو القضاء على الأحكام المسبقة. لا أذكر عدد المرات التي ذهبت فيها لمساعدة عائلة هدم منزلها، لأواجه نفس الموقف مراراً، ونفس الحوار. ماذا تقول لطفل في العاشرة من عمره شاهد منزله يهدم ووالديه يهانان من قبل المستوطنين، وقرر بعدها أن يصبح إرهابياً؟

نريدهم أن يدركوا بأن ليس كل إسرائيلي يأتي بالجرافات والأسلحة، وأن هناك بعض من يأتون لإعادة بناء المنازل الفلسطينية. إن الصهيونية الحقيقية اليوم تعمل من أجل إسرائيل قوية، ليست قوية فعلياً وحسب، وإنما قوية أخلاقياً أيضاً. هذا من مصلحتنا، لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نبقى من خلالها هنا. قبل عدة سنوات، وأثناء قطف ثمار الزيتون، فوجئت بأن أحد الشباب الذين كنت أعمل معهم يعمل أيضاً في الحرس الرئاسي لياسر عرفات. لقد سألني آنذاك: "لماذا أنت هنا؟ هذا أمر غير منطقي. فسّره لي". تحدثت إليه عن التقاليد اليهودية حول السلام وحقوق الإنسان والعدالة. رد عليّ: "لا توجد عدالة بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين". أنا لست ساذجاً، وأعلم أن الكثير من موظفي الأجهزة الأمنية الفلسطينية متورطون في أعمال إرهابية. لكنني أعلم أن هناك فرصة أكبر بالنسبة لهذا الشاب كي يختار طريق اللاعنف بعد تلك التجربة.

 

حاوره: أندرياس باوم
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: موقع قنطرة 2012