''لدينا في تونس ألف ديكتاتور وخطوط حمراء كثيرة''

ولدت المحامية والكاتبة والمخرجة التونسية الشابة مريم بوسالمي عام 1983 في تونس، حيث تقيم، وهي معروفة بمسرحياتها النقدية، ومن أمثلتها عملها الجديد "صابرة". حصلت عام 2007 على جائزة الصندوق العربي للثقافة والفنون الأدبية، سليمان توفيق التقاها وباحت له بما تعنيه بـِ"تفاهة العنف".

الكاتبة ، الكاتب: Suleman Taufiq

في أعمالك ترسمين صورة قاتمة للأوضاع في بلدك اليوم. هل تونس في خطر. هل بقي شيء من نشوة الثورة في تونس؟

مريم بوسالمي: نحن كتونسيين أتتنا فرصة تاريخية لتغيير مصيرنا بأيدينا. ماذا فعلنا؟ كان لدينا ديكتاتور وخطوط حمراء، ليس من المسموح تجاوزها. واليوم لدينا ألف ديكتاتور والكثير من الخطوط الحمراء. نعيش اليوم في إطار اغتصاب الحريات، فهمنا الحرية بالغلط.

في مسرحيتي أردت طرح السؤال التالي: هل نحن شعب قادر على التمتع بالحرية، شعب قادر على ممارسة الحرية؟ ماهو مدى الوعي لدينا لاحترام الآخر؟ هل نعمل ثورة لنعود الى القرون الوسطى؟ يريدون مني أن ألبس كما يريدون أو يقتلونني، يجبروني ألا أناقش في الدين أو في الأخلاق.

عنوان مسرحيتك الأخيرة "صابرة"، لماذا هذا الاسم؟

مريم بوسالمي: لأني أحكي عن بلاد عملت ثورة، لكن تجد نفسها الآن تعاني من مشاكل من القرون الوسطى، رجعت خاضعة مستسلمة لسلطة دينية ولرقابة ذاتية. نحكي من خلال مسرحية "صابرة" عن أوضاع البلاد. وأنا أشك كثيراً في أننا أقمنا ثورة كشعب تونسي.

في المشهد الأول، الذي أسميته "عرس الوطن الأسود" أحببت أن أتسآل: ألم نثُر من أجل الوصول إلى الحرية، إلى مجتمع فيه احترام للقانون ومن أجل إنشاء مجتمع مدني.

​​

لكن مانشاهده اليوم هو تغير جذري لطريقة العيش في تونس من خلال الهندام والتصرفات في المكان العام. تجد من يريد الصلاة على شاطئ البحر، يطالب بصلاة جماعية في الشارع، أو يصعد على المسرح وينزل الممثلين، يعني تحدث أشياء غريبة.

أسميت المشهد الثاني " مديح الضرب". عمَّ تحكي فيه؟

مريم بوسالمي: الموضوع هو تفاهة العنف. أحكي عن الناس الذين كانوا البارحة بين المضطهدين، تعرضوا للاعتقال والتعذيب والنفي، والآن هم في الحكم يمارسون العنف واقصاء الآخر.

لم نعد مختلفون في الرأي وبنفس الوقت بعيش بعضنا مع بعض. هم خرجوا من السجون وأصبحوا وزراء، يحكمون البلاد ويريدون فرض نمط معين من نظام الحياة.

يفرضون علينا ذلك بالترويع والتهديد. يبعثون السلفيين ليمارسوا العنف في المكان العام، والدولة لاتتخذ أي إجراء ضد ذلك.
هذا بدأ مع المفكر والباحث الديني حمادي ريديسي، وهو أشهر المفكرين التونسين.

عندما كان يلقي محاضرته. قام السلفيون بتحقيره وضربه أمام الجميع، دون أن يتدخل أحد لصالحه. وهذا يوضح استحالة الوصول إلى الديمقراطية مع الإسلامين.

عنوان المشهد الثالث من المسرحية "الحب المستحيل". وقد استلهمته من حادثة العلم التونسي. حيث قام سلفي بنزع العلم الوطني التونسي من على سطح الجامعة واستبداله بعلم سلفي. لم يتصدى له أحد سوى طالبة، صعدت إلى السطح لتمنعه من ذلك، فاعتدى عليها.

من خلال هذا المشهد حاولت التساؤل الى أين نحن سائرين؟ هل من الممكن أن تصبح تونس مهد الحضارات المختلفة جبانة؟ وحاولت أن أقول يجب أن نفيق، فهذه مسؤوليتنا.

الخوف هو الموضوع المهيمن في هذه المسرحية "صابرة". ألم يتغلب التونسيون بعد الثورة على الخوف؟

مريم بوسالمي: قبل الثورة كان الخوف من الحكومة، من البوليس، الآن الخوف من مجتمع تسيطر عليه قوى دينية. لايمر أي أسبوع دون عنف او اعتداء على كاتب أو صحفي، أو بروفوسور، أو مثقف أو فنان.

​​
هل يشكل الوضع بالنظر إلى عملك المسرحي خطرا عليك؟

مريم بوسالمي: وصل الخوف إلى الممثلين والموسيقيين الذي يعملون معي. هم يرفضون أداء بعض الأدوار في مشاهد معينة ويقولون: نخاف أن يأتي السلفيون أثناء التمارين أو العرض ويضربوننا ويمنعوننا من العمل.

الحكومة ليست إلى جانبنا ولاتريد حمايتنا. الممثلون لايريدون عرض صورهم على البوستر كي لايتعرف عليهم السلفيون ويحطموا منازلهم وسياراتهم. يريدون فقط العمل معي في الخارج.

مرات عديدة توقف الممثلون عن العمل لعدم رضاهم على المحتوى. في مشروع "صابرة" كان يعمل معي عشرة ممثلين. من بعد توقفوا عن العمل أثناء التمارين.

لا يريدونني أن استعمل طقوساً لها طابع ديني، أو استعمال سورة من القرآن.

في مسرحية "صابرة" تحاولين بناء جسر بين التقاليد الموسيقية التونسية المتناقضة: "السلامية" وهي أغاني مديح من التراث الصوفي، يقابلها أغاني أعراس تراثية. ألم تقتربي بذلك من المحرمات؟

مريم بوسالمي: بالنسبة لي الأغاني الصوفية والدينية تابعة لموروث الموسيقى التونسي، وجزء من الذاكرة الشعبية التونسية، أي مثل كل أغاني الأفراح.

أغاني الصوفية يؤديها عادة الرجال فقط. لايحق للنساء إنشادها، يحق لهن سماعها فقط. في هذه المسرحية أحكي عن الصراع بين الفكر التقدمي وبين الفكر الرجعي من خلال الموسيقى. يغني الرجال عادة الأغاني الدينية والنساء أغاني الأفراح. هنا أردت أن أمزج بينهما.

 

 

حاورها: سليمان توفيق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013