"نحن بحاجة لتغيير جذري للنظام والبرادعي لن يكون إلا مباركا آخر "

ربما كانت أهم أعلام الحركة النسوية في مصر بكتاباتها العديدة واسعة الانتشار ومواقفها السياسية والفكرية المثيرة للجدل.عن مشاكل المرأة العربية والمجتمعات الأبوية والذكورية والديمقراطية والحراك السياسي في مصر تتحدث نوال السعداوي لموقع قنطرة في حوار خاص أجرته معها أميرة الأهل في القاهرة.

نوال السعداوي. الصورة http://www.nawalsaadawi.net/
الكاتبة المصرية والناشطة النسوية نوال السعداوي

​​ الكاتبة الكبيرة والناشطة النسوية "نوال السعداوي ".. أنت واحدة من رائدات الحركة النسوية في مصر.متى بدأت مناصرتك لقضايا حقوق المرآة؟

السعداوي: ما الذي نعنيه حين نتحدث عن "الحركة النسوية"؟ إنها ببساطة تعني أن تغضبِ حين تشعرين أن هناك تفريقا في المعاملة بينك وبين أخيكِ. في بيتنا عندما كنت صغيرة كان يستفزني كثيرا أن يميز أخي في المعاملة عني أو أن تلقى فتيات الأسر الثرية في المدرسة من الاهتمام ما لا ألقاه، فكنت حينها أثور ضد التفريق الجنسي وضد التفرقة في المعاملة داخل الفصل.لقد ثرت وأنا طفلة في السابعة،لقد ولدت نسويه وولدت أمي نسويه بل وجدتي كذلك!.

هذا إذن تقليد عائلي يمكننا القول..

السعداوي: نحن النساء كلنا كذلك وفي كل مكان. فحتى المرأة الأوروبية تكافح اليوم من أجل نيل حقوقها في المساواة و الحرية.

هل تعتقدين أن النساء الأوروبيات بإمكانهن أن يمثلن نماذج قدوة للمرأة المصرية؟

السعداوي: أنا ضد فكرة القدوة. أنا لا أنظر إلى المرأة الألمانية أو السويدية ثم أقول هؤلاء قدوة لي أو إنني راغبة في أن أكون مثلهن.

لأن لهن أيضا مشاكلهن الخاصة؟.

السعداوي: بالتأكيد .وهن يعشن كذلك في نفس المجتمع الرأسمالي الأبوي

كيف تغير وضع المرأة في مصر الآن عن ما كان عليه وأنتِ شابة ؟

السعداوي: تغير إلى الأسوأ والأفضل في ذات الوقت، فعندما كنت صغيرة كنت ألقى من أبي وأمي الكثير من التشجيع على الدراسة وعندما حاول أقاربنا الضغط علي أبي وأمي ليزوجوني وأنا مازلت في العاشرة حسب العرف السائد في الريف حينذاك، و قفا أبواي بجانبي وشجعاني على مواصلة التعليم. وهذا لم يكن بالطبع ليحدث في كل العائلات ولكن في عائلتي كانت حتى جدتي الفلاحة الأمية نفسها تثور.

ألا زلت تشعرين بتلك الروح الثورية في المرأة المصرية اليوم ؟

السعداوي: لقد صارت أضعف كثيرا مما كانت عليه. حين أقارن سنوات طفولتي في الأربعينيات بوقتنا الحاضر بعد مرور أكثر من ستين عاما أجد أن كثيرا من الظواهر الايجابية قد اختفت.

لماذا إذاً؟

السعداوي: نتيجة التراجع الكبير الحادث في العالم كله فيما يخص حقوق المرأة والفقراء. وازدياد تسلط الرأسمالية و الأبوية والقوة العسكرية وموجات العنصرية والأصولية الدينية. لقد أصبح الدين أكثر تأثيرا. حينما كنت صغيرة لم يسألني أحدا ما هو دينك.

الرئيس الراحل أنور السادات و الرئيس حسني مبارك أثناء مشاهدة أحد العروض العسكرية.الصورة : أ.ب
نوال السعداوي : "عندما تتغير الحكومة لا يعني ذلك بالضرورة أن النظام قد تغير. مبارك مثل السادات، والبرادعي سيكون مثل مبارك"

​​ هل تعتقدين أن وضع المرأة في العالم العربي يتردى ؟

السعداوي: بالطبع لا.. سأعطي لك مثالا.. من فترة قصيرة قرأت في جريدة "الأهرام" المصرية الحكومية ملف عن حقيقة أن المرأة المصرية قد أصبح بإمكانها أن تصبح قاضية في مجلس الدولة.

و ما رأيك في هذا الأمر ؟

السعداوي: هذه سياسية، والسياسة لعبة غير نظيفة ولذلك لا أحب الخوض فيها. مرة واحدة في عام 2005 قمت بترشيح نفسي في الانتخابات الرئاسية في مصر. وقد قمت بذلك لأسباب تاريخية، لكي أقول بموقفي هذا أن امرأة مصرية قادرة على خوض هذه التجربة ولكنني قاطعت الانتخابات بعد ذلك.

هل يحق دستوريا للمرأة في مصر أن تكون رئيسة ؟

السعداوي: بالطبع..لقد أردت بموقفي هذا أن أؤكد على
مبدأ المساواة و أن المرأة المصرية لها حق التنافس مع "مبارك" وطرح اسمها في الترشيح للانتخابات. وقد فعلتها وحققت ما أردته، ولكنني قاطعتها بعد ذلك لأن البوليس كان يطاردني.لقد قاموا بمنعي من المواصلة.
نعود مرة أخرى إلي التاريخ والتراجع الذي نعاني منها...

السعداوي: نعم هناك تراجع. ولكن ليس فيما يمس المرأة
المصرية وحدها. أنها رجعية كونية فالحركة الأصولية ليست إسلامية فقط. لقد عشت في الولايات المتحدة في السنوات الأربعة الأخيرة وقمت بالتدريس في الجامعة ولاحظت تأثير الجناح الأصولي المسيحي في السياسة الأمريكية منذ عهد "ريجان" ودعمه للجمهوريين مثل"جورج بوش" بل وحتى "أوباما"، حتى "أوباما" نفسه لم يكن بوسعه الفوز في الانتخابات الرئاسية لو لم يغازل اليمين الإحيائي المسيحي Neo-Christians

و لكن دعينا نبقى في مصر..

السعداوي: لا، أنا لا استطيع الحديث عن مصر وحدها.أنا أُدرس الإبداع والتمرد، وما أعنيه بالإبداع هو أن أبحث عن الصلات، فمن الضروري أن نربط العالمي بالمحلي، فنحن نعيش في عالم واحد وحين أتحدث عن قضايا المرأة فلابد أن أتحدث عن السياسية الدولية. هل تعرفين أن هناك علاقة بين ختان الإناث في ريف مصر وبين سياسية "جورج بوش" الخارجية ؟

وكيف ذلك ؟

السعداوي: لقد أجرينا دراسة في جمعية تضامن المرأة العربية وتوصلنا من خلالها أن السياسية الأمريكية و سياسة الرئيس "السادات" في مصر شجعت الحركات الدينية على محاربة الحركة النسوية والاشتراكية والشيوعية وحتى الليبراليين .بالطبع هناك صلة.

ختان الإناث تم تحريمه قانونيا في مصر منذ عام 2008. هل تشعرين أن الحرب ضد الختان قد انتهت بالنصر ؟

السعداوي: بالطبع أنا سعيدة للغاية أن الحكومة في مصر قد اتخذت هذا القرار الذي تأخر خمسين عاما. وهو ما كنت دائما أطالب به. ولكن سعادتي لم تكتمل لأن في الأمر دعاية سياسية كبيرة. أنا أشعر بالسعادة حين أقرأ أن المرأة أصبحت قاضية في مجلس الدولة المصري. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن المرأة المصرية قد تحررت.

هل تعتقدين أن قرار السماح للمرأة بأن تكون قاضية في مجلس الدولة الذي اتخذته الحكومة رغم معارضة أغلبية أعضاء المجلس هو محاولة من الحكومة للحفاظ على نسبة مقررة لتوظيف النساء في المناصب الرسمية ؟

السعداوي: نحن نعيش جميعا في مجتمع أبوي، ذكوري، رأسمالي. تقريبا في كل مكان في العالم. حين تدققين النظر، تجدين ما حدث هو حملة دعائية سياسية من الحكومة لا علاقة لها بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

ربما كان القرار استجابة لضغوط خارجية ؟

السعداوي: هناك ضغط خارجي بحجة دفع عجلة الديمقراطية. وهو ما أراه زيفا. لا وجود للديمقراطية أو حرية الرأي في الولايات المتحدة نفسها.

الصورة: أ.ب
نوال السعداوي : "أنا أشعر بالسعادة حين أقرأ أن المرأة أصبحت قاضية في مجلس الدولة المصري. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن المرأة المصرية قد تحررت"

​​ هل تعتقدين بأن تقرير نسبة محددة للمرأة في المناصب الرسمية أمرا إيجابيا ؟

السعداوي: أنا لست معه أو ضده. ليس هذا هو الحل.

ألا تقبلين بالأمر على أساس أنه مرحلة انتقالية ؟

السعداوي: ربما. أنا مع كل خطوة تعطي المرأة شيئا من حقوقها. ولكن بعض الناس تعتقد خطأً أن هذا هو الحل.

وما هو الحل ؟

السعداوي: علينا أن نبحث عن جذور المشكلة، نحن بحاجة إلي تغيير دستوري.

هل تعتقدين أن الحركة المؤيدة للدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والراغب في أجراء تعديل دستوري تعد بمثابة فرصة للتغير في مصر ؟

السعداوي: لا.أنا لن انتخب "البرادعي" أبدا، لن أنتخب "لبرادعي أو عمرو موسى أو أحمد زويل أو أحدا من كل هؤلاء.

لماذا إذاً ؟ ألا يدعون هؤلاء أيضا للتغيير كما تدعين أنتِ إليه؟

السعداوي: لا.هؤلاء لن يكونوا إلا مباركا أخر.

ولكن يبدو أن الدكتور البرادعي له رؤية واضحة من أجل تحقيق طفرة ديمقراطية في مصر..

السعداوي: المسألة ليست أن نستبدل شخص بشخصٍ أخر و لكننا بحاجة إلي تغيير جذري للنظام، إلي تغيير جذور النظام الأبوي والطبقي.

و كيف يمكن أن يتغير النظام في مصر إلي الأفضل؟

السعداوي: في مصر عقول نابغة كثيرة لا تهتم الحكومة
باستغلالها، فالمثقفون الحقيقيون المخلصون الذين لا يهادنون النظام يجلسون في بيوتهم

و ما الدور الذي يجب أن يتاح لهؤلاء المثقفين ؟ أن يحصلوا على مناصب هامة كمنصب الوزارة مثلاً؟

السعداوي: لا. ليس منصب الوزارة. عندما تتغير الحكومة لا يعني ذلك بالضرورة أن النظام قد تغير. مبارك مثل السادات، والبرادعي"سيكون مثل مبارك، فالتغيير عملية مستمرة متعددة المراحل وأول خطوة هي أن تُطلق حرية الإعلام الذي تتحكم فيه الحكومة وتسيطر عليه.

أنتِ تتحدثين عن الرقابة ؟

السعداوي: نعم. لابد أن يتيحوا الفرصة لي ولغيري من العقول المبدعة الفرصة لكي نتحدث في التلفزيون، أن نتحدث للناس التي لا تستطيع القراءة والكتابة. أنا كتبت العديد من الكتب ولكن نصف الشعب لا يقرأ و هم حين يتيحون الفرصة للعقول المبدعة أن تتحدث سيكون هناك بالتالي حالة من الحوار. نحن بحاجة لتغيير نظام التعليم و لإعادة تشكيل العقول وطرائق التفكير.

يبدو أن أكبر مشاكل مصر هي حالة نظام التعليم..

السعداوي: نعم. المسألة ليست فقط فيما نتعلمه ولكن في كيفية أن نفكر، فالأطفال في مصر لا يتعلمون كيف يفكرون بالإضافة إلى انه هناك ألاف من المثقفين يُدرسون بالجامعات في الخارج، نحن بحاجة إلي هؤلاء.

نساء يتظاهرن في مصر.الصورة : أ.ب
"نحن بحاجة إلي تغيير جذري للنظام، إلى تغيير جذور النظام الأبوي والطبقي"

​​ لماذا تعتقدين أن الحكومة ليست منفتحة على التغيير ؟

السعداوي: لأنهم خائفون من اقتسام الثروة واقتسام السلطة. هناك احتكار، الحكومة وفئة قليلة من المصريين يحتكرون السلطة والثروة. فهذه هي طبيعة الرأسمالية، وهذا هو الاستغلال الطبقي و الهيمنة الذكورية.

إذاً فمن أجل تغيير هذا البلد لابد في رأيك من تغيير نظام التعليم أولا ؟

السعداوي: ليس أولا، بل لابد من المحاربة على عدة جبهات في الوقت نفسه..أن يتغير الدستور، أن يتغير القانون، أن يتغير التعليم و تتغير الثقافة المهيمنة على النظام.

ما الذي تتوقعينه لنتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر لعام 2011 ؟من سيكون الرئيس القادم لمصر ؟

السعداوي: لست مهتمة بمن سيأتي رئيسا فهذه ليست المشكلة

ستقومين بالتصويت ؟

السعداوي: بالطبع سأفعل، ولكنني أحيانا لا أصوت لصالح شخص بعينه. وأنا لا يشغلني بتاتا من سيأتي إلى كرسي الرئاسة طالما ظل النظام على ما هو عليه، فالقادم إليه في النهاية سيُفسد كذلك. علينا أن نعرف أن النظام القائم كفيل وحده بإفساد كل رئيس، بل حتى أنا شخصيا ربما أفسدني النظام.. فما علينا فعله إذن هو أن نغير النظام أولا

ألا تعتقدين أن حركة المعارضة الملتفة حول الدكتور "محمد البرادعي" راغبة في إحداث التغيير ؟

السعداوي: أنا لا أعول على أحزاب المعارضة. فهم صناعة حكومية والسادات هو الذي صنعهم ولهذا السبب يكرهم الشعب كله، هم يعملون مع الحكومة في الخفاء بل وفي العلن أيضا، أو في الظلام يعملون مع الأخوان المسلمين وفي النور يهاجمونهم. هذا هو النفاق بعينه.

في الاعونة الاخيرة كثر الحديث عن التحرشات الجنسية في مصر. هل كانت توجد مثل هذه الحوادث في الماضي ؟

السعداوي: الاغتصاب كان موجودا في كل وقت ، فالاغتصاب هو نتاج النظام الأبوي والطبقي. وعلينا أن نعرف أن قضايا المرأة وقضايا الجنس، ختان الإناث، مشكلة العذرية وجرائم الشرف،كل هذه القضايا وغيرها ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الدولية والرأسمالية العالمية والإمبريالية والتسلح والنظام الأبوي والطبقي السائد. فالفصل بينهما غير ممكن.

و لهذا تستمر معركتك..

السعداوي: عملي سيتواصل لأنه عمل الناس .

تشعرين إذاً أنه مازال هناك طريق طويل لقطعه ؟

السعداوي: نعم. ولكنني متفائلة. لأن الأمر ليس
بمستحيل. العام القادم سوف أبلغ الثمانين من عمري والكثيرين مازالوا يسألونني:أمازال لديكِ أمل؟.. نعم لدي.. لأن الأمل قوة.

هل تشعرين بالقمع ؟

السعداوي: المسألة ليست إذا ما كنت أشعر بالقمع أو لا، لأن الإبداع يجعلني حرة.
عقلي حر، أحلق به فوق كل سماء، حتى وأنا في السجن.

أجرت الحوار : أميرة الأهل
ترجمة : أحمد عبد الله
مراجعة : لؤي مدهون
حقوق النشر : قنطرة 2010

Qantara.de

حوار مع الناشطة إسراء نعماني حول "جهاد الجندر" والأنثوية النسوية:
جهاد آخر في سبيل حقوق المرأة
تعتبر الكاتبة الأمريكية والناشطة المسلمة، إسراء نعماني، من أبرز رائدات الحركة النسائية الاسلامية المعروفة بـ"الأنثوية الإسلامية" ومن أشهر ممثِّلات "جهاد الجندر" (جهاد الجنسين). إسراء نعماني، التي عملت مراسلة لدى صحيفة "وول ستريت جورنال"، ترى في حوار خصت به موقع قنطرة أنه لا يوجد أي تناقض بين الإسلام والأنثوية النسوية. ألفريد هاكنسبيرغر حاور إسراء نعماني .

أمينة ودود وإمامة المرأة:
التسامح والمساواة في ممارسة الدين
الجدل حول أمينة ودود، أستاذة الدراسات الإسلامية، التي قامت مؤخرا بإمامة المصلين في صلاة الجمعة في نيويورك مستمر. ردود الفعل من مختلف أنحاء العالم الإسلامي تذكر المرء بقضية رواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي. تعليق الباحث الأندونيسي لطفي السيوكاني.

الإسلام النسوي
تستعين نساء مسلمات في كفاحهن من أجل التحرر والمساواة ومن أجل التخلص من النظرة التقليدية النمطية بالقرآن وبالتاريخ الإسلامي، ويعارضن جزئياً التفسير المتوارث للقرآن.
لم يعد هناك تناقض بين الحجاب وحركة المساواة بين الجنسين خاصة في إيران. ولكن في ألمانيا أيضاً يوجد في الوسط الإسلامي نوع من "علم أصول الدين النسو