لا أستفز بفني مشاعر الآخرين

لفت الفنان التركي-الألماني سردر سومونجو الأنظار إليه عندما قدم قراءة باسلوب الكباريه ليوميات هتلر وغوبلز و يتحدث سومونجو في هذه المقابلة مع بيترا تابيلينغ عن جعل أتاتورك رمزًا إيقونيًا، وعن الإستفزاز بواسطة الفن وعن أزمة الرسوم الكاريكاتورية الأخيرة.

الفنان التركي-الألماني سردر سومونجو، الصورة: www.somuncu.de
الفنان التركي-الألماني سردر سومونجو

​​لفت الفنان التركي-الألماني سردر سومونجو الأنظار إليه عندما قدم قراءة باسلوب الكباريه ليوميات هتلر وغوبلز،ويتحدث سومونجو في هذه المقابلة مع بيترا تابيلينغ عن جعل أتاتورك رمزًا إيقونيًا، وعن الإستفزاز بواسطة الفن وعن أزمة الرسوم الكاريكاتورية الأخيرة.

ماذا تُقدم على خشبة المسرح في تركيا من برنامجك؟

سردر سومونجو: ما أقدمه هنا تمامًا دون أي حذف. أقرأ قصتين أو ثلاث قصص من كتابي "حسابات منفصلة"، وأسرد بين الفينة والأُخرى طرفة من حياتي. لا أبدل شيئًا لأنّي أعتبر أنّ هذه القصص يجب أن تؤدي فعلها في تركيا أيضًا، وهذا ما يحصل بالفعل. يمتلك الناس هناك أفقًا كما هو الحال عندنا.

وإذا غاب هذا الأفق، فلا يتعلق الأمر عندئذٍ بأنّهم ألمان أو أتراك. لقد تأكدت من أنّ الناس في تركيا على معرفة عميقة بالأمور. ويمكنك التحدث عن ألمانيا وعن قضايا ألمانية داخلية. عن قضايا السياسة اليومية على سبيل المثال، لأنّ الناس مهتمون بذلك.

أين تنتهي حدود الفكاهة لدى الجمهور التركي؟

سومونجو: عند أتاتورك. ثمة أيقنة في تركيا لأتاتورك في السنوات الأخيرة تكاد لا تطاق. يبدو لي أنّ أتاتورك هو الملاذ الأخير لمواجهة العودة إلى التدين من قبل الأتراك. لا أعتقد أنّه قد جرى جدل حول الماضي التركي، لذا فإنّ تركيا مازالت حساسة في كثير من المواقع.

تطالب تركيا بعدد من الحقوق، على سبيل المثال أنْ تكون جزءًا من أوروبا الحديثة –وهي محقة في ذلك. بيد أنّها تُشيّد البنى الأساسية على فلسفة للدولة عفى عليها الزمن. تبدأ هذه الفلسفة بأتاتورك وتنتهي عنده. لذا مازال من المستحيل أنْ تنتقدي أتاتورك دون أنْ تُتهمي بالعداء للجمهورية. عندما تروين نكات عن أتاتورك ستمسين بالضرورة مشاعر عجيبة.

ما رأيك بالدين في هذه الفترة على ضوء الخلاف المترتب على الكاريكاتور؟

سومونجو: لا أجد تفسيرًا ويصعب عليَّ فهم ما حدث مؤخرًا. أحترم مشاعر الآخرين الدينية، لكني حساس تجاه التعصب العقائدي. وأعتقد أنّ هذا هو سبب تحفظي تجاه الديانات الشعبوية. تسعى العقائد الدينية دائمًا لضبط كل ما هو خارج عن السيطرة. ولربما يستحسِن من لا يملكون القدرة على أنْ يعيشوا ويستمروا بلا حدود مرسومة وجود ضوابط لهم.

لكن في نهاية المطاف لا يحتاج المرء لمن يقول له متى عليه أنْ يصوم ومتى يُسمح له بشرب الخمرة. حين أكون إنسانًا متزنًا، أشرب الخمرة تارة وتارة أخرى لا أشربها. ولا أحتاج لنبيٍّ من هذا العالم ليقول لي متى يتوجب الصوم عليَّ. وهل على زوجتي أنْ ترتدي الحجاب إذا كنت أثق بها؟

الدين بالنسبة لي إذًا سيف ذو حدّين. بيد أنّ ما يحدث اليوم لا يمت بكثير من الصلة إلى الدين. بل على علاقة أقرب بأزمة هوية. ما يُفرَغ راهنًا في خلاف الكاريكاتور هو بسبب السياسة المجحفة التي مورست، لا سيما في الشرق الأوسط في الثلاثين - أربعين سنة الماضية. لذا تجدين أنّ وتيرة رد فعل الناس عالية جدًا، ولهذا يأتي ردهم مجحفًا أيضًا.

الاحتجاجات تُعبِّر كذلك عن المقاومة ضد السياسة الإمبريالية. بقي الناس عاجزين أمام الإجحاف الذي جرى بحقهم، لذا يعودون لمرجعية وحيدة، وهي آخر ما تبقى لهم. مرجعية الهوية الدينية. أما الحقيقة فهذا اختباء خلف الهوية. ولا أعتقد أنهم يواجهون الرسوم الكاريكاتورية بل يناضلون ضد الظلم الذي مورس عليهم ومازال يمارس عليهم، كما هو الحال في حروب الخليج الثلاث الأخيرة.

كيف يمكن أنْ تكون ردة فعل الناس في العراق أو افغانستان بغير السخط والكراهية، في هذه البلاد المفتتة، التي يظهر فيها الأمريكيون محتلين، حيث دُمرت البنية بأكملها وسُلبت منهم ولم تبق لهم أية هوية؟ كيف يمكنهم أنْ يناضلوا من أجل مطالبهم الحقة لا سيما حين يعتقد الغرب انّه يملك السيادة على الإعلام وحق احتكار الخبر؟

بالمناسبة أصبح هناك إعلام آخر في العالم، كذلك في هذه الدول. ثمة صحف ومحطات تلفزيونية أصبحت حقيقة واقعة وبمقدورها القيام بحملاتها الخاصة. لكني لا أرى أنّ القيام بهذه الحملات مفيد. أمامنا نوعية جديدة من السياسة الإعلامية، على سبيل المثال الاحتجاجات التي تنظمها محطة الجزيرة. والناس تقع في شراكها. لذا تنشأ تلك الصور التي تخيفنا في الغرب. والخوف في هذه الحالة له علاقة بتأنيب الضمير.

هناك من هدد رسامًا يعمل في صحيفة تاغزشبيغل اليوم. وكذلك أنت كنت مضطرًا لأنْ ترتدي درعًا واقيًا من الرصاص أثناء تقديمك للعروض...

سومونجو: مهزلة هو أمر الـ"تاغزشبيغل". بعض الناس يصبون كثيرًا من الزيت على النار في هذه الأيام كي تزيد اشتعالاً، ثم يتصلون بالإطفاء. لا يسعني فهم ذلك. في ظروف كالتي نعيشها الآن، والكل يعرف أنها شديدة التوتر، لا يعقل أنْ ينشر أحدٌ رسمًا كاريكاتوريا آخر ويتعجب من أنّ بعض المعتوهين، الذين لا يفقهون شيئًا مما هو حاصل، يهددون بالقتل والتفجير. هذا استفزاز خالص وليس له علاقة بأي نقاش للموضوع.

عندما قدّمت عملي "كفاحي" على المسرح اتصل بي عدة إعلاميين ومنهم من كان جادا وطلبوا مني أن أقدّم العمل في شرق المانيا بحضورهم. قالوا لي: "أرسم على وجهك شارب هتلر واصرخ "يحيا هتلر" حتى يأتيك 15 نازيا يكيلون لك الضرب ويهرسونك ونحن نصور ذلك".

لا أفعل شيئًا من هذا القبيل. هذا استفزاز. أنا مناهض للنازية، لكني لا أذهب إلى شرق ألمانيا واستفز النازيين حتى يتصرفوا كنازيين. بل أسعى لأمنع النازيين من أنْ يتصرفوا على هذا النحو. هذه متاجرة إعلامية يجرب فيها العديد من الناس أفكارهم غير المختمرة كي يحصلوا على خبر.
وهنا لا يسعني إلا أنْ أقول: الحق عليكم، تحملوا التهديدات بالقتل.

أجرت اللقاء بيترا تابيلينغ
ترجمة يوسف حجازي
© قنطرة 2006