مصطلح حقوق الإنسان غير معروف في الديانات الإبراهيمية

مراد هوفمان، الدبلوماسي الألماني السابق الذي اعتنق الإسلام، يرد على التهم الغربية القائلة بأن الدين الإسلامي أبعد ما يكون عن الاعتراف بحقوق الإنسان وتطبيقه.

من الواضح أن العالمين الإسلامي والغربي – هذا إذا إفترضنا جدلا بوجود مثل هذا الشيء أصلا – ما زالا يقفان موقف مجابهة من بعضهما البعض. ولا تقتصر نقاط الخلاف القائم بينهما على فوارق عقائدية وأيديولوجية فحسب، بل تتعداها إلى مسائل الأخلاق. فعندما يتحدث مسلم مع داع من دعاة الحداثة الغربية أو ما بعد الحداثة، ففي غالب الأحيان لا يدور الحديث بالشكل الأساسي حول وجود الله أو عدم وجوده أو حول صورة الخالق، وإنما يدور حول مسائل إجتماعية سياسية. وغالبا ما يجد المسلمون أنفسهم في المواضيع الثلاثة التالية في موقف دفاعي وهي: موضوع الديمقراطية وموضوع حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص. وليس من المبالغة في شيء إذا قلنا إن مستقبل الإسلام في الغرب يتحدد بإجابته على هذه الأسئلة الثلاثة.

وينتاب المسلمون الدهشة والذهول عند استنتاجهم أثناء الحوار حول حقوق الإنسان، بأن شركاءهم الغربيين في الحوار يعتقدون بشكل جدي، أنهم من أوجد حقوق الإنسان أو أنها ملكهم الذي لا نزاع عليه، ثم بأن حقوق الإنسان لا تحترم إلا في الغرب، ولا تحترم قط في العالم الإسلامي.

إن الاعتقاد الأول مفهوم أكثر، خاصة وأنه تم فعلا في الغرب فقط – وفي إنكلترا بشكل خاص – التوصل إلى إيجاد قانون مميز لحقوق الإنسان، من أجل حماية المواطنين من الدولة: حقوق الحرية كحقوق دفاعية (»freedom from«). ولم يفكر أحد يومها بالحقوق المطلبية المدنية المترتبة على الدولة(»freedom to«) والتي تتمتع اليوم بدور هام جدا. ومن المراحل الهامة في تاريخ حقوق الإنسان في الغرب كانت Magna Charta libertatum في إنكلترا (عام 1215 )، وملف Habeas Corpus (عام 1679)، ثم Bill of Rights (عام 1689)، وإعلان الاستقلال الأمريكي عام 1779 (الذي يشير إلى الله)، هذا إضافة إلى الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والحقوق المدنية في عام 1789 (الذي لم يتطرق إلى الله). وفقط على أساس هذه المبادئ الغربية انبثق فيما بعد ميثاق حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة (عام 1948)، والتحالفان الدوليان حول الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الصادرة في 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 1966 وأدوات حقوق الإنسان للمجلس الأوروبي. لكن ومن الجدير بالذكر أن عملية التطور هذه لم تكتمل بفضل المسيحية وإنما بالرغم من وجودها، ولا يعني ذلك عدم وجود مواقف قانونية على أساس حقوق الإنسان»Human Rights« من قبل مشابهة لذلك، لا سيما على مبادئ القرآن.

والأكثر من ذلك سوءً هو الاتهام الباطل القائل بعدم القدرة الجوهرية المثبتة تاريخيا للدول الإسلامية على احترام حقوق الإنسان. أما الحقيقة فهي أنه في مجرى التاريخ يكاد وضع حقوق الإنسان العادي أن يكون دوما وفي كل مكان سيئا حتى هذا اليوم – على مدار العالم تقريبا – وليس في الدول التي يقطنها المسلمون فقط. وما علينا إلا أن نفكر بالصين وأمريكا الجنوبية وأفريقيا السوداء وصربيا وغيرها من الدول. ومن الواجب في هذا الأمر أن يكون واضحا بأن الخروقات الكبيرة لحقوق الإنسان بما يسمى بالدول الإسلامية – بما في ذلك التعذيب وإرهاب الدولة ووحشية الشرطة وتزييف الانتخابات والرقابة – ليست من منطلق إسلامي وليست مشروعة في الإسلام. وإنما على العكس من ذلك، فإن من يقبع في السجون في المنطقة الإسلامية هم بالدرجة الأول من المؤمنين المسالمين، ناهيك عن المسلمين الناشطين سياسيا. هذا وعلينا أن نوجه لشركائنا الغربيين في الحوار الأسئلة التالية: هل تمت خروقات لحقوق الإنسان كما ونوعا أسوا من الخرق الجماعي لحقوق الإنسان في الحربين العالميتين في أوروبا حيث استعملت الأسلحة الكيماوية والذرية، ناهيك عن الإرهاب الستاليني، وعمليات الإبادة الآلية لليهود والمعاقين عقليا والمثليين والغجر وأصحاب الآراء السياسية الأخرى في الهولوكوست، هذا إضافة إلى نظام التمييز العنصري وعمليات الإبادة العرقية في البوسنة والكوسوفو؟ وهل قامت أي من هذه البشاعات خارج إطار المدنية الغربية أو حتى في أي بلد في المنطقة الإسلامية؟

بالرغم من أن الإجابة الصادقة على هذين السؤالين يجب أن تكون بالنفي، يلاحظ المرء بأن الشركاء الغربيين في الحوار يتبجحون تكابرا – ويعاقبون في حال تطلب الأمر ذلك بقطع مساعدات التنمية – ويطالبون العالم بالأخذ بمفهومهم الخاص الأوروبي - الاميركي الصبغة لحقوق الإنسان. وهكذا تم ويتم استغلال مسألة حقوق الإنسان حتى هذه اللحظة كهراوة للتهديد. وبهذا يمكن القول بأن برفيز منصور Parvez Manzoor كان على حق عندما كتب عام 1994 في Muslim World Book Review قائلا: »Human Rights talk is power talk.« أي أن خطاب حقوق الإنسان هو [أيضا] خطاب القوة.

لقد أصبح واضحا بأن الشكوى لا تسمن ولا تغني من جوع. لا بد للمسلم أن يتخذ موقفا.

قامت دول العالم الثالث، والتي توصف بالدول النامية، وتشمل غالبية الدول الإسلامية، بما في ذلك الدول التي ينهمر عليها البترودولار، بإقامة خط دفاعي أول، حيث تشير إلى علاقة حقوق الإنسان المدنية والاجتماعية والاقتصادية بعضها ببعض. ومن الواضح جدا أن يكسب الانتخابات رؤساء القبائل ووجوه العشائر، ما دامت غالبية المنتخبين (بكسر الـ خ) أمية. ولم يعد مثار جدلا بأن الديمقراطية بحاجة على مجتمع مدني، يضمن بدوره رفاهية اقتصادية. من هنا تمكنت دول العالم الثالث فعلا من إدخال قائمة كاملة بحقوق الإنسان >>الخاصة بها<< ضمن مواثيق حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة سالفة الذكر، منها على سبيل المثال الحق في التربية والعمل ومورد الرزق.

لقد اعتقدت ذات الدول، أن بمقدورها أيضا الوقوف في وجه هراوة حقوق الإنسان المرفوعة، في حال وضعها إشارة استفهام على شمولية حقوق الإنسان. وادعت هذه الدول بأن هذه التصورات تمتاز بالمركزية الأوروبية وبالمركزية العرقية وبأنها غريبة على الثقافات الأخرى، على سبيل المثال في آسيا وأفريقيا السوداء. وربما ينطبق هذا التصور على موضة >>حقوق الإنسان<< المتضخمة، كالتي تنادي >>الحق بالخوف<< >>الحق بتعاطي المخدرات<< أو الحق بالزواج ضمن الجنس الواحد" – هذه مطالب قادمة بالكامل من زاوية حزب الخضر. لكن هذا التصور لا ينطبق على جوهر حقوق الإنسان الكلاسيكية، التي منها حق الإنسان في الحياة والحرية وعدم التعذيب وحرية الرأي والضمير وحرية العبادة وحرية التنقل. ويلحق المسلمون الأذى بأنفسهم إن هم أنجروا وراء إنكار شمولية جوهر حقوق الإنسان.

إن الإستراتيجية الأفضل هي البحث في مظاهر حقوق الإنسان ضمن الإطار الإسلامي ، أي في القرآن والسنة.

ويستنتج المرء في هذا الخصوص، أن مصطلح >>حقوق الإنسان<< لم يظهر ويتطور لا في الديانة اليهودية ولا في المسيحية ولا في الإسلام – ليس فقط لأن هذا المصطلح ليس له وجود في مراجع الفقه الإسلامي، وإنما لأن الإنسان المؤمن يشمئز من فهم الفرد على أساس أنه صاحب حقوق فردية. نعم لحقوق الله ولا لحقوق الفرد. إن هذا المصطلح يرتبط فعلا بتصور عصر التنوير في القرن الثامن عشر، القائل بأن الإنسان هو المقياس المستقل ذاتيا لكافة الأشياء. ويعتبر هذا التصور بالنسبة لإنسان ذي علاقة علوية غير مقبول.

وثانيا فإن الفقهاء المسلمين يتحفظون جدا من وضع المعايير الإلهية قسرا ضمن نظام تدريجي ابتداء من حقوق عالية حتى أخرى متدنية، على اعتبار أن ذلك كفرا بالله. فيعرف القانون الألماني، على سبيل المثال، التسلسل التدريجي المعياري من (1) القانون الدولي، (2) القانون الدستوري، (3) القوانين، (4) المراسيم، (5) القوانين الإدارية، (7) الوثائق والتعليمات الإدارية. وعلى العكس من ذلك فإن الفقهاء المسلمين ينظرون منذ البداية إلى كافة معايير الشريعة على أساس أنها بنفس القدر، ابتداء من الوضوء وحتى تحريم الميسر.كان من الواجب لكليهما – المصطلح الناقص >>لحقوق الإنسان<< ورفض النظام التدريجي للقوانين، أن لا يصبحا حجر عثرة أمام تطور علم إسلامي لحقوق الإنسان. إن الإخفاق في ذلك يوجه أصابع الاتهام الباطل إلى الإسلام على أساس أنه معاد لحقوق الإنسان. وكان من السهل نسبيا وبحفز ذهني بعض الشيء إثبات أن الإسلام (1) يعرف كافة حقوق الإنسان بمفهومها الكلاسيكي منذ 1400 عام و(2) ورسخها بشكل أفضل مما هو عليه في الغرب.

أن العملية المتعلقة بذلك سهلة: فعندما يحرم الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: (آية 92) القتل، ويصف في سورة المائدة (آية 32 ) القاتل لنفس واحدة كأنما قتل الناس أجمعين، فقد لا يكون بالإمكان بشكل مباشر، وإنما يمكن بشكل غير مباشر – كرد فعل – استنباط الحق العام في الحياة. وعندما يطلب الله سبحانه وتعالى في سورة الشورى (آية 38 ) من المسلمين العفو والإصلاح عند فض خلافاتهم، فيمكن من ذلك بشكل غير مباشر على الأقل استنباط مبدأ تشريعي عام يتضمن الحق في الديمقراطية والمشاركة السياسية. ولما كان الخلفاء الراشدون الثلاثة الأوائل قد تم انتخابهم، دون أن يكونوا من ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم، فيمكن للإنسان استنتاج أن الدولة الإسلامية يمكن أن تكون جمهورية ديمقراطية، وليس بالضرورة ملكية. ولا يجوز أن نتعثر الآن في المصطلحات، خاصة وأنه من الثابت أن الإسلام قد وضع نموذجا إسلاميا للحماية القانونية للإنسان.

لا شك أن مثل هذه القوانين – التي شرعها الله لعباده والتزموا بها تجاهه – من حيث المبدأ أكثر فعالية ورسوخا من تلك القوانين التي يحددها عقد (بحيث تكون أيضا على شكل عقود قابلة للتغيير). ففي الغرب – سواء كان الأمر يتعلق بالاتحاد السوفيتي المندثر أو في الولايات المتحدة – بات واضحا في كل الأحوال أن قائمة حقوق الإنسان لم تكن في غالب الأحيان أكثر من قطعة ورق، وما على المرء سوى سؤال السود في أمريكا أو الهنود الحمر الأمريكييين لمعرفة الأمر. وعلى كل الأحوال لا جدل في أن البشرية لم تتمكن حتى هذه اللحظة قط من إيجاد >>نظام قانون طبيعي<< ناتج فقط عن العمل الفكري المجرد صالح للجميع ومعترفا به من قبل الجميع والكل يشعر بانه ملتزم به. ولهذا الغرض أيضا تجهد مجددا شخصيات معروفة كالمستشار الألماني السابق هيلموت شميت وأستاذ اللاهوت المتقاعد هانس كونغ بغرض الوصول إلى ميثاق معلن من قبل الأمم المتحدة حول واجبات الإنسان لتحسين ضمان حقوق الإنسان كونها على ما يبدو غير مصونة بشكل صحيح. أوراق تتكدس فوق أوراق! ويبدو أيضا في هذا المجال تعذر الأمر دون وحي إلهي.

قامت منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC) في 5 آب/أغسطس 1990 على الأقل بإصدار إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، ولم يخرج عن كونه وثيقة سياسية لا أكثر. وسبق ذلك إعلان آخر لحقوق الإنسان من قبل مجلس إسلامي في أوروبا مبهم وغامض بتاريخ 19 أيلول سبتمبر 1981 وهو من الناحية القانونية أقل إلزاما من إعلان القاهرة. ومن الجدير بالذكر أن شخصيات إسلامية معروفة شاركت في الخطاب الجاري حول مسألة حقوق الإنسان، منها الأستاذ حميدالله وأبو الأعلى المودودي والأمير حسن بن طلال من الأردن. وقد قال الأمير حسن أثناء مؤتمر >>طاولة مستديرة<< دعا إليه في عمان في الفترة الواقعة ما بين 10 – 13 كانون الأول ديسمبر من عام 1994 تحت شعار >>من أجل دعم شمولية حقوق الإنسان<< ما يلي: >> إننا بحاجة ماسة فيما يتعلق بحقوق الإنسان إلى إجماع عالمي ... إن الميثاق الشامل لحقوق الإنسان يحدد المستوى الأدنى للحياة البشرية. إنني أعتقد أن معتقدي وهو الإسلام يصبو لنفس الهدف. ويوجد مقابل كل بند من الثلاثين بندا التي يحتويها الميثاق ما يطابقه في القرآن والحديث والسنة.<< وكانت الخلاصة الأولى للمؤتمر هو >>كل الناس جديرون بالتمتع بحقوق الإنسان<<.

لقد أصبح بفضل هذا العمل التحضيري من السهل نسبيا، معرفة الفوارق القليلة، التي تبدو قائمة بين المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي ضمن قوائم حقوق الإنسان. ألا وهي في واقع الحال (1) الردة، (2) العبودية، (3) وضع أهل الذمة، (4) حقوق المرأة، و(5) العقوبات البدنية. ولم تعد المواقف، بفضل الاجتهاد المعاصر، بعيدة عن بعضها البعض كما تبدو للوهلة الأولى. وقد تم التوصل إلى ذلك بفضل جهود علماء مسلمين مثل فضل الرحمن، محمد أسعد، فتحي عثمان، علي عزتبيغوفيتش، حسن وماهر حثوت، رشيد الغنوشي، يوسف القرضاوي، جيفري لانغ، محمد طالبي وحسن الترابي.

فيما يتعلق في الردة، يزول كل خلاف إذا أدرك الطرف الإسلامي، بأنها استنادا إلى القرآن والسنة لا توجد في هذا العالم عقوبة لمجرد الارتداد عن الإسلام. ومن الجدير بالذكر أن القرآن يصف حالات متعددة لمرتدين، دون أن يحدد عقوبة زمنية بحقهم. وينطبق مبدأ لا إكراه في الدين أيضا، وفي هذا الخصوص بالتحديد، على المسلمين. ولقد تم تطبيق العقوبات على المرتدين عن الإسلام في البداية فقط، وهذا أمر سليم، في حال الخيانة العظمى (الردة)، أي مقاومة الإسلام بشكل نشط ونشر الفساد في الأرض كما جاء في سورة المائدة (آية 33). ولكن العقوبة على الخيانة العظمى، التي قد تصل حد الإعدام (خاصة في زمن الحرب)، ما هي إلا أمر يطبق في كافة أنحاء العالم ولا يتناقض مع حقوق الإنسان. [وهكذا يبقى في هذا الخصوص التهمة أن المرتد يمكن أن يحرم من الميراث. ولكن يجب النظر إلى هذه الناحية من منطلق أن الانتماء إلى الإسلام من الممكن أن تشابه موضوع المواطنة ودورها فيما يتعلق بالميراث.]

ويتشابه الأمر فيما يتعلق بموضوع العبودية. لا يجوز لنا في هذا المجال عزل التعليمات من القرآن. ولكن بوسعنا استنباط معاني هذه التعليمات، وذلك على أساس أن الله سبحانه وتعالى رسم نهجا عن طريق الوحي يهدف إلى إنهاء العبودية بشكل تدريجي. لذا فبإمكان أي بلد إسلامي اليوم الموافقة دون تحفظ على تحريم العبودية ضمن القانون الدولي. ولا يعني الأمر بالطبع أن مسلما مالكا فعليا للعبيد في يومنا هذا، على سبيل المثال في موريتانيا أو الباكستان، غير ملزم بتقديم حق الحماية الذي ينص عليه القرآن للعبيد.

أما حماية الأقليات الدينية (أهل الذمة) فيعتبر من ميزات الإسلام الواضحة تماما وعلى قدر عال من الحداثة. لكن أهل الذمة فيعتبرون أنفسهم اليوم مواطنين من الدرجة الثانية، في حال لم يتمتعوا بحق المواطنة الكامل. وحسب رأي العلماء المسلمين ومنهم فتحي عثمان، لا يوجد في هذا الموضوع أي مانع حقوقي، أمام منح غير المسلمين حق المواطنة الكامل في مجتمع إسلامي، في حال كان أفراد هذه الأقلية يرغبون في ذلك، ومن الجدير بالذكر أن الشريعة الإسلامية تشترط تنفيذ الحد الأدنى فيما يتعلق بحقوق الأقليات ولا تتطرق إلى الحد الأعلى المطلق من تلك الحقوق. ومن واجبات المواطنين غير المسلمين في المجتمع الإسلامي القيام بالخدمة العسكرية الإجبارية ودفع الضرائب العامة. وهكذا هو الحال في السودان ومصر فيما يتعلق بالمواطنين المسيحيين، حيث يتم هذا الأمر بموافقة الإخوان المسلمين.

أما السؤال الآخر الذي يطرح نفسه فهو، هل يسمح القانون الدولي بقصر منصب رئاسة الدولة على شخص مسلم؟ إنني لا أعتبر هذا الموضوع ذات أهمية. فمن الناحية الأولى أعتقد أنه من غير الوارد أن يتم في بلد أغلبيته من المسلمين انتخاب شخص غير مسلم أميرا على البلاد. أما من الناحية الثانية فإن الأمة الإسلامية تعتبر اعتناق الإسلام ركنا هاما من أركان الانتماء إلى المجتمع الإسلامي. إذا الإسلام بمثابة الجنسية، والقانون الدولي لا يتدخل في التنظيم الداخلي لدولة ما وهو شأن من شؤون مواطني تلك الدولة.

أما فيما يتعلق بحقوق المرأة، فيجب في البدء التأكيد على أن مبدأ المساواة يتطلب فقط المساواة في معاملة الأمور نفسها. أما المواضيع المختلف بعضها عن بعض فيسمح من حيث المبدأ معاملتها بشكل غير متساو. وسواء أكان هذا الموضوع عصريا أم لا، فإن الرجال المسلمين والنساء المسلمات ينطلقون من أن الرجال والنساء مختلفون عن بعضهم البعض من حيث الشكل مما يعني أيضا اختلافهم من الناحية النفسية، كما يقول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران (آية 36 ) >>فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.<< لذا ومن وجهة النظر الإسلامية يعتبر الاختلاف في ترتيب هذه الأمور مبررا، في حال كان هناك اختلاف بيولوجي بين الجنسين.

ويتجاهل ميثاق حقوق الإنسان الغربي هذا الاختلاف وذلك عن قصد لمصلحة مساواة خيالية، يتم الدفاع عنها بامتعاض أصولي. أما فيما يتعلق بالمشاكل في الحياة العملية فهو أقل بكثير مما يتخيل البعض.

وفيما يتعلق بعدم مساواة حقوق المرأة في الميراث، فحسب سورة النساء (آية 11 ) فلا يوجد من وجهة النظر الإسلامية أية أضرار فعلية تلحق بالمرأة من جراء ذلك، لانها وبعكس أخيها لا يترتب عليها واجبات ميراثية. ويمكن علاوة على ذلك لأي مورث (بكسر الرا) رفع حصة بناته من خلال وصية يتركها.وفيما يتعلق بالقيمة المتدنية لشهادة المرأة أمام المحكمة حسب سورة البقرة (آية 282 ) فإنه حسب اجتهاد عدد كبير من الفقهاء المعاصرين، يتعلق الأمر بالحالة المطروحة في الآية، حيث أن النساء يفتقرن إلى الخبرة الكافية في المجال الواجب الشهادة به. ذلك يعني بأن الموضوع لا يتعلق بالجنس بقدر ما يتعلق بالكفاءة. ويمكن الأخذ بشهادة امرأة أعمال مسلمة بشكل كامل في حال تعلق الأمر في مسائل اقتصادية.

لقد تم تحديد دور كل من الرجل والمرأة في الحياة الزوجية في الماضي على أساس مفهوم تقليدي، يمكن أنه كان قائم قبل الإسلام حسب ماهو وارد في سورة البقرة (آية 228) حيث نقرأ >>وللرجال عليهن درجة<<، وفي سورة النساء (آية 34 ) حيث نقرأ >> الرجال قوامون على النساء ...<<. ولقد تم فهم ذلك حتى وقت قريب جدا على أن الرجل يقف بالنسبة لزوجته موقف رئيس لمرؤوس. وما زال المرء يقرأ ذلك في ترجمات القرآن باللغات الألمانية والإنكليزية والفرنسية، فعلى سبيل المثال لدى ماكس هيننغ، لاتزارس غولد شميت، رودي باريت، محمد رسول، مارمادوك بيكتال، محمد حميدالله، حمزة بو بكر، دينيس ماسون وبيسل / تيجاني. أما اليوم فيفهم مترجمو القرآن مثل يوسف علي ومحمد أسعد، مرورا بالمترجم وت. ب. إرفينغ والهلالي / محسن خان، ووصولا إلى جاك بيرك وعادل خوري وأحمد فون دينفير، هذه المسألة على الشكل التالي: >>الرجال يكفلون النساء<< وذلك بسبب إمكانيات الرجال البدنية أو المالية التي هي غالبا أكبر منها لدى النساء. وحسب رأيي فليس في هذا الأمر هناك ما يمس حقوق المرأة الأساسية! ومن الأكثر سهولة في هذا الخصوص فضح التفسير الذكوري المتكابر الخاطئ لـ 2:228 ففي هذا الموضوع بالذات لا يتعلق الأمر بمسألة المرتبة الاجتماعية، وإنما في حالة فردية فنية تتعلق بموضوع الطلاق. وللرجل الكلمة الأخيرة فقط لأن الأمر يتعلق بأمواله المتروكة لدى الزوجة.

وفيما يتعلق بإمكانية المسلم الزواج من مسيحية أو يهودية ومنع ذلك على المسلمة، كما هو وارد في سورة المائدة (آية 5 ) المتعلق بالزواج بين الديانات، فإن ذلك يتعلق بشكل مباشر بالمفهوم الوارد أعلاه المتعلق بدور الرجل ضمن الحياة الزوجية. فلو كان هذا الرجل يتمتع بدور الرئيس في الحياة الزوجية والمرأة هي المرؤوسة، فلا يمكن لإمرأة مسلمة أن تتوقع من هذا الزوج أن يتعامل مع معتقداتها بلطافة. ومن الجدير بالذكر أن المسلم هو الوحيد الذي يكرم ويحترم كافة الأنبياء. [ولأن مفهوم الدور في الحياة الزوجية في ألمانيا تغير لمصلحة المرأة، فيوجد اليوم في ألمانيا أئمة، يتسامحون تجاه زواج المسلمة مع غير المسلم. ويستندون في ذلك إلى ما هو وارد في سورة المائدة (آية 3) وقد قاموا بوضع هذا التصور بأنفسهم ووضعوا بذلك منطقهم فوق الشرع الإسلامي.]

أما فيما يخص إمكانية المرأة بالزواج من رجل واحد فقط، فيمكن أن يكون ذلك عائد إلى ما كان سائدا أيام الروم pater semper incertus. إلا أنه من الممكن أن يكون السماح بتعدد الزوجات عائدا أيضا إلى زيادة في عدد النساء والأرامل في زمن الحرب. وبغض النظر عما يمكن قوله في هذا الخصوص: إنني لا أرى في هذه النقطة أيضا أية إساءة جديرة بالذكر تلحق بالمرأة وذلك بفضل تطور الأمة الحضاري، حيث أصبح الزواج بإمرأة واحدة وبما يتماشى مع تعليمات القرآن الكريم واقعا قائما. ولم يعد تعدد الزوجات في العالم الإسلامي اليوم نادرا بسبب النواحي الاقتصادية فقط، وإنما هو أقل من حالات الخيانة الزوجية مع العشيقات في الغرب. وليس هناك مجال للشك أبدا بأن الله سبحانه وتعالى وضع ما يتماشى مع عملية التطور التي يريدها هو سبحانه وتعالى. ففي سورة النساء (آية 129 ) ينفي قدرة الرجل على العدل بين الزوجات، حتى لو كان بوده ذلك. وقد وضع الله سبحانه وتعالى شروطا إضافية واضحة وردت في سورة النساء (آية 3) يمكن القول بأنه لم يتم الإلتزام بها قط، ويتجاهلها الرجال عادة عند تلاوتهم لتلك الآية القرآنية، التي تقول: >>وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ...<< وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن زيادة حالات تعدد الزوجات عمليا لدى المسلمين على مدار مئات السنين كان في غالب الأحيان غير شرعي. لذا يمكننا في هذا الإطار أيضا أن ننظر إلى التهم التي تكال إلى الإسلام بكل هدوء وتأني.

يعتبر الغرب قانون العقوبات (الحدود) الذي تنص عليه الشريعة الإسلامية والذي يحدد عقوبات جسدية وحشيا ومهينا، أي أنه مخالف لحقوق الإنسان ضمن القانون الدولي. ويخطر على بال المرء في هذا الخصوص (1) الرجم والجلد في حالات الخيانة الزوجية و(2) قطع أيدي اللصوص.

ينبغي على المسلمين في هذه الحالة عدم الميل إلى الهلع والمبالغة في إيجاد تبريرات، بل عليهم أولا التنبيه إلى أنه حتى هذه القوة الأمريكية الغربية العظمى ما زالت تنفذ حكم الإعدام حتى يومنا هذا – سواء أكان ذلك بقطع الرأس أو الشنق أو الحقن – التي تعتبر بحق أكثر العقوبات البدنية وحشية. وما دام الوضع هكذا، فإن الشكوى من الإسلام ما هي إلا رياء، خاصة وأن التطبيق العملي الإسلامي في مجال القضاء الجنائية تختلف كليا عن الجانب النظري.

إنني لست الوحيد الذي يمثل الرأي القائل بعدم وجود مبرر في الإسلام للرجم. لا يوجد أية تعليمات في القرآن تنص على الرجم في حالات الزنا، وإنما هي موجودة في الإنجيل، وذلك تحديدا في الفصل الخامس من كتاب موسى (20:20-22). وكذلك في علم الحديث فإن الموضوع مثار استفهام، خاصة وأن الوارد في سورة النور(آية2) يتناقض كليا مع تنفيذ مثل هذه العقوبة الهائلة، ناهيك عن أنه لا يوجد سوى حديث واحد فقط في هذا الخصوص، ومن غير المعروف إذا كان تسامح النبي مع الحالة تلك يؤرخ قبل أن ينزل الوحي عليه بالآية القرآنية التي تتعلق بالزنا. وللإثبات على أن القرآن لم يقل بالرجم فيمكن استنباط ذلك من أن القرآن يتحدث عن زنا العبيد ويحكم عليهم بنصف العقوبة فقط. فما هو نصف عقوبة الإعدام مثلا؟ وعلاوة على ذلك فإن قانون الإثبات والبرهان ضمن قانون العقوبات الجنائية الإسلامي عالي الدقة إلى درجة يكاد تطبيقه معها مستحيلا في حالة الخيانة الزنا، سوى في حال اعتراف الجاني بذلك بشكل طوعي. (وكان يمكن للرئيس كلنتون أن يكون بوضع أفضل لو طبقت عليه أحكام الشريعة الإسلامية.)

أما بخصوص مفهوم الردع الكامن وراء التهديد بالعقوبة القرآنية على جرائم السرقة، وذلك في سورة المائدة (آية 38)، فهي تشترط رؤية الدور السياسي الاجتماعي لذلك، أي معرفة أهمية التأمين الاجتماعي للمرأة مثلا، خاصة عندما يتقدم بها السن، وأن ذلك يستند عمليا إلى منع سرقة مهر المرأة من الحلي وما شابه ذلك. وتعتبر السرقة في كافة المجتمعات، باستثناء تلك التي لا تستعمل النقود، اعتداء على النظام القائم. وقامت الشريعة الإسلامية علاوة على ذلك بتخفيف كم العقوبة المتعلق بتفسير السرقة إلى حد أنه يمكن أن يبقى المرء عشرات السنين في العالم الإسلامي دون أن يلتقي بشخص مقطوع اليد. وهذا ليس عائدا إلى قلة اللصوص، وإنما للتفسير الليبرالي للسرقة في الشريعة الإسلامية. وتعتبر السرقة قائمة فقط في حال مواد وأشياء ذات قيمة موضوعة في مكان آمن بكمية كبيرة، وليست أملاكا عامة. ولقد تم في زمن القحط أيام الخليفة عمر بن الخطاب إيقاف العمل بالمعاقبة على السرقة. كما تتقادم هذه الأعمال خلال أسابيع قليلة، بحيث نادرا جدا ما تتم الإدانة بالسرقة – ويندر أكثر من ذلك أيضا تنفيذ الحكم -. وعندما يجد كثير من ناقدي الإسلام تعاليم إيجابية في القرآن – على سبيل المثال لا الحصر وصايا التواضع في سورة البقرة (آية 256 ) أو سورة المائدة (آية48 ) – فإنهم يتناسون عن عمد هذه المعايير ويمحونها من ذاكرتهم، مدعين بأن الواقع يختلف بشكل شاسع جدا. أما في حال عثورهم على تعاليم في آية ما تترك لديهم إنطباعا سلبيا – على سبيل المثال عقوبة السرقة - فما يلبثون يركزون على هذا القانون، دون الالتفات إلى الواقع العملي ومراعاته. إن مواجهة العالم الإسلامي بالمعاملة القانونية المتعلقة بعقوبة السرقة (دون مراعاة التطبيق العملي الإنساني) يعتبر رياء كالكيل بمكيالين.

توصلنا هذه اللمحة إلى نتيجة مفادها أن حقوق الإنسان لا تتطابق كليا مع مواثيق حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، مما جعل أيضا الكثير من الدول الإسلامية تصادق عليها فقط، إذا لم تمس الشريعة الإسلامية من جراء ذلك. وكما رأينا من جهة أخرى فإن مجال الخلاف ضيق جدا، بحيث يمكن فهم الإسلام على أساس أنه نظام متكامل لحقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بمجال الخلاف فقد بينت كيف أنه يقتصر على مجالات فردية يمكن تنقيتها أو تخفيف حدتها عن طريق تأويل وتفسير جديدين للمصادر (الاجتهاد) والالتزام بالتعاليم الإسلامية المتعلقة بالعقوبات الجنائية. ولكن لهذه العملية حدود، لأن الشريعة حق إلهي لا جدال عليه، حتى وإن كانت بعض التعديلات والتغييرات تصب في المصلحة العامة. وفي حال تعذر حل الخلاف القائم، فما على المسلمين إلا أن يكفوا عن محاولة حله، حتى تهب رياح الحداثة وما بعد الحداثة لتصبح ما بعد حداثة ما بعد الحداثة. وهذا ينطبق على سبيل المثال على مساواة بين الزواج ضمن الجنس الواحد والزواج التقليدي. ويجب بكل بساطة التحلي بالصبر في هذا المجال وفي غيره. والصبر من أهم سمات المسلمين.

ترجمة مصطفى السليمان

مراد هوفمان (1931) دبلوماسي ألماني سابق، عمل في المغرب والجزائر و في الحلف الأطلسي. اعتنق عام 1980 الدين الإسلامي. له مؤلفات عديدة عن الإسلام.