إخفاق أمنيّ وعُنصرية خَفيّة في غياب انتفاضة الشُّرَفاء

أسفر الإرهاب، الذي مارسَتْه خلية من النازيين الجُدُد على مدى سنوات سابقة ضد المهاجرين في ألمانيا، عن تَزَعزُع ثقة الكثيرين منهم بالدولة الألمانية؛ هذا ما يراه تانييف شولتز في تعليقه الآتي، الذي يتّهم السلطات الألمانية بالإخفاق حتى الآن في استعادة ثقة المهاجرين، بل وبممارسة العنصرية الخفية تجاههم.

الكاتبة ، الكاتب: Tanjev Schultz

قبل عام من الآن، كُشِفَ النقاب في ألمانيا عن الخلية الإرهابية اليمينية المتطرفة (NSU) التي ينتمي أعضاؤها إلى النازيين الجُدُد؛ ومنذ ذلك الحين، لم تتلاشَ الصدمة من أفعال هذه الخلية، ولم يتضاءَل إخفاق الدولة في تلك القضية.

بل ها هي الصدمة تكبر كلما عُرِفَ تفصيل من تفاصيل القضية، كاشفاً عن تزمُّت السلطات الألمانية، التي كانت لسنوات عديدة بعيدة كل البعد عن تتبع أي أثر لهذه الخلية. والأسوأ من ذلك هو بقاء بعض هذه السلطات على هذه الحال إلى يومنا هذا. وها هو الفشل السابق يعقبه فشل جديد، ألا وهو: الافتقار إلى الترفُّع عن الذات ونقص الإرادة الصادقة في كشف الحقائق.

وفي خِضَمّ ذلك، لا نرى إلا مُدراء شرطة متغطرسين وأفراداً من أعضاء هيئة حماية الدستور يتكتَّمون عن قول الحقيقة، وفي الوقت ذاته يُصرّون على أنهم يؤدون واجبهم على أكمل وجه؛ بل ونرى أيضاً وزير داخلية، يبدو متخبطاً وعديم الحيلة، وقد سمح بإتلاف وثائق مهمة عن النازيين الجدد، وذلك: بعد انقضاء شهور عديدة من اكتشاف خليتهم الإرهابية.

لقد فقد الكثير من المواطنين، لاسيما المهاجرون منهم، ثقتهم في الدولة الألمانية، وهل مِن أحد يريد لومهم على ذلك؟ ففي مقابلة مع صحيفة "تاغِستسايتونغ" الألمانية، سُئِلَت سمية شيمشِك، ابنة أخ أحد ضحايا خلية النازيين الجدد الإرهابية، عما إذا كانت تعتقد أن الأتراك في ألمانيا باتوا أقل قيمة من بقية المواطنين، فكان جوابها كالآتي: "هكذا تبدو الأمور".

سمية شيمشِك (يمين) وغمزة كوباشيك ، د أ ب د
هل الأتراك وبقية المهاجرين في ألمانيا أدنى قيمة من غيرهم؟ إن جرائم القتل التي ارتكبتها خلية النازيين الجدد الإرهابية وفشل جهاز حماية الدستور أدت إلى زعزعة ثقة كثير من الألمان في هذا الجهاز الأمني. في الصورة: سمية شيمشِك (يمين) وغمزة كوباشيك على هامش الحفل الذي أقيم في برلين يوم الثالث والعشرين من فبراير 2012، إحياءً لذكرى ضحايا النازيين الجدد.

​​

وحين ينشأ انطباع كهذا ويبدأ هذا الانطباع بالانتشار، فإن ذلك يضر إضراراً مخيفاً بالسِّلْم الاجتماعي في البلاد، وهو ما يصُبّ، للأسف الشديد، في مصلحة الإرهابيين اليمينيين.

استغرب الناس، في البداية ، من أمر مجموعة إرهابية كانت تزرع القنابل وتقتل المهاجرين طوال السنوات الماضية، دون أن تترك أية رسائل تتبنى فيها هذه الجرائم، ويبدو أنها انتظرَت حتى لقِيَتْ هي نفسها مصيرها المحتوم في النهاية.

وسواء أكانت هذه نهاية مُدبَّرة بهذا الشكل أم لا: فقد تلقَّى الرأي العام صدمة عنيفة، تجاوزت عاقبتُها الوخيمة جرائمَ القتل التي اقترفتها الخلية بدم بارد؛ وها هو الخوف من الإرهاب يَنخُر في رؤوس المواطنين.

لقد أفلحَت خلية النازيين الجدد الإرهابية في زعزعة الثقة بالدولة، وفي جعل الكثير من المهاجرين يشعرون بعدم الأمان. أما السلطات الألمانية، فلم تتمكّن بعد من التصدي بمصداقية لفقدان هذه الثقة.

وزير داخلية لا يُحسِن الدّق على الوتَر الحسّاس

ويتحمل وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش جزءاً من مسؤولية ذلك. فكثيراً ما جانَبَهُ الصوّاب منذ توليه منصبه. وها هو يُفضّل إثارة النقاش حول ما يعتبره استغلالاً لقانون اللجوء، بدلاً من تسليط الضوء على حِسّ المسؤولية المفقود، أو حتى العنصرية الخفيِّة، الموجودة في المؤسسة الأمنية الألمانية.

في بداية العام الجاري، أُقيمَ حفْل وَقُور بذكرى ضحايا النازيين الجدد، وصَفت فيه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل جرائم الخلية

 وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش، د أ ب د
وزير داخلية لا يُحسِن الدّق على الوتَر الحسّاس: فبدلاً من مناقشة الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أجهزة المخابرات، أثار وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش نقاشاً حول ما يعتبره استغلالاً لقوانين اللجوء، بحسب ما يرى تانييف شولتز.

​​ الإرهابية بأنها "وصمة عار على بلادنا"، وقالت إنَّ كل السنين، التي كان فيها أقرباء الضحايا أنفسهم على قائمة الاشتباه، مرَّت بأهل الضحايا وكأنها كابوس لا يريد الانتهاء. لكن الحقيقة المُحزنة هي أن كابوسهم متواصل.

فأقرباء الضحايا يشاركون في جهود لجان التحقيق الحميدة لكشف الحقائق، وبالتالي فهم على علم بأن الشرطة استعانت بشخص متخصص في استحضار أرواح الموتى، في إطار التحقيقات بجرائم القتل، دون أن يفكّر رجال الأمن في ملاحقة النازيين الجدد، المختفين عن الأنظار. وما عسى أن يظنّ أقرباء الضحايا بجهاز شرطة ألماني يحوي أفراداً ذوي صِلة بمنظمة "كوكلوكس كلان" العنصرية؟ وما عساهم أن يظنوا بدولة لا تثق فيها، إلى أقصى درجة، هيئةُ حماية الدستور بالشرطة، ولا هذه بتلك؟

لنا أن نتفهّم دفاع المتفانين من رجال الأمن عن سمعتهم، كي لا يوصَموا مع زملائهم جميعاً بالإخفاق أو حتى بالعنصرية. لكن المتفانين في عملهم بالذات: هم مَن يجب أن يكونوا في طليعة المهتمين، بألا تبقى الحال في أوساط الشرطة والمخابرات كما كانت إلى اليوم. وهنا يبرز السؤال: أين تغيب انتفاضة الشُّرَفاء في صفوف الأجهزة الأمنية؟

تانييف شولتز
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2012