''جهاد عاريات الصدر''...رسالة صعبة الترجمة إلى العربية

أرادت ناشطات من حركة فيمِن النسوية، بحملة "جهاد عاريات الصدر"، الاحتجاج من أجل الدفاع عن حقوق النساء المسلمات. ولكن المسلمات لا يجدن أية ضرورة لذلك، وجاء جوابهن سريعاً في حملة على الإنترنت تحت شعار: "التعرِّي لا يحرِّرنا". وفي المقابل شخَّصت ناشطات حركة فيمن حالة النساء المسلمات هذه بمعاناتهن من "متلازمة ستوكهولم" التي يدافع فيها السجين عن جلاّده، التفاصيل مع نادية بانتل.

الكاتبة ، الكاتب: Nadia Pantel

إنَّ نقيض الفعل الحسن هو ما كان من المفترض فعله "بنوايا حسنة". والآن يظهر من خلال النزاع بين ناشطات من حركة فيمن FEMEN النسوية ونساء مسلمات إلى أي مدى من الممكن أن يخطئ تأثيرَه هذا الفعلُ الذي كان من المفترض أنَّه جاء "بنوايا حسنة". وفي الواقع تعتبر ناشطات حركة فيمن هن صاحبات النوايا الحسنة - اللواتي يدافعن عن الليبرالية والحرية والتحرُّر.

نذكّر للتوضيح ولكي يكون الأمر مفهومًا للجميع أنَّ ناشطات حركة فيمن يتظاهرن في كلِّ مناسبة وهن عاريات ومن دون أية حماية.

وكان ظهورهن الأوَّل وبنجاح كبير مع العديد من النشاطات التي قمن بها على مدار مباريات بطولة كرة القدم الأوروبية 2012 في أوكرانيا - منشأ حركة فيمن، وذلك احتجاجًا على التمييز ضدّ المرأة والاتجار بالنساء. متظاهرات عاريات ولكنهن لسن متاحات (للرجال): لقد نجحت هذه الصورة في الاحتجاج ضدّ الدعارة.

ولكن مع ذلك لا يمكن ترجمة رسالة الصدور العارية في كلِّ الثقافات. وهذا ما أظهره النشاط الكبير الذي قامت به ناشطات فيمن مؤخرًا: أي "يوم جهاد عاريات الصدر".

فقد وقفت في الرابع من شهر نيسان/أبريل 2013 نساء بصدور عارية كتب عليها "اللعنة على أخلاقكم" أمام بعض المساجد والسفارات التونسية في جميع أنحاء العالم.

وكذلك أيضًا في ألمانيا في كلّ من برلين وهامبورغ. ومنذ ذلك الحين تنتشر بشكل ملفت للانتباه على موقع ناشطات حركة فيمن صورة لامرأة بصدر عار لوِّن باللون الأخضر دلالة على الإسلام وكتب عليه تحت شعار "حلَمة إسلامية" (Titslamism) وعبارة "أمنية الحُرّة" أو "أمينة حُرّة".

تصوَّرت الناشطة التونسية أمينة تايلر بصدر عار وكتبت على صدرها وبطنها باللون الأسود "جسدي ملكي. ليس شرف أحد".

وبعد أن نشرت الصور على الفيسبوك، دعا الداعية الإسلامي عادل علمي إلى جلد الناشطة أمينة تايلر أو رجمها. وفي لقاء أجراه معها التلفزيون التونسي في منتصف شهر آذار/مارس 2013، قالت أمينة تايلر التي يبلغ عمرها تسعة عشر عامًا إنها تريد الاحتجاج من أجل تحرّر النساء.

إحدى المسلمات في مسجد تركي في برلين. د ب أ
تصدي الناشطات المسلمات لمحاولة استغلالهن وفرض الوصاية عليهن - تحوّلت حملة "نساء ضدّ مضطهديهن" التي دعت إليها ناشطات حركة فيمن إلى نزاع يخوضه "الغرب ضدّ المسلمين".

​​

رأي النساء المسلمات: "لسنا في حاجة إليكنّ"

وبينما شكرت أمينة تايلر في مقابلة مسجلة مع قناة التلفزية الفرنسية كانال بلوس ناشطات حركة فيمن على دعمهن لها وقالت إنَّها تلقّت تهديدات على الفيسبوك وعلى الهاتف بقتلها وحرق وجهها بالأحماض، عارضت آلاف من النساء المسلمات حركة فيمن ونشاطها.

وفي رسالة احتجاج مفتوحة تقول أعضاء مجموعة "نساء مسلمات ضدّ فيمن": "نحن لسنا في حاجة إليكن".

وباتت قضية أمينة تايلر التي تسببت بإطلاق حملة يوم "جهاد عاريات الصدر" لا تشكِّل سوى أهمية هامشية. وفي رسالتهن المفتوحة عارضت النساء المسلمات تصويرهن من قبل ناشطات حركة فيمن على أنَّهن مجموعة عاجزة في حاجة إلى المساعدة والتحرير من الخارج.

وجاء في هذه الرسالة: "النساء المسلمات قادرات على الدفاع عن أنفسهن. عارضْنَ هيمنة الذكور، ولكن لا تعارضْنَ الإسلام".

ولكن الناشطة في حركة فيمن، إينا شيفتشينكو، لا تَدعْ حالة الغضب التي عبَّرت عنها ناشطات حركة "كبرياء مسلمة" (Muslimah Pride) في آلاف الرسائل على موقعي فيسبوك وتويتر وفي كثير من الاحتجاجات العامة تثنيها عن طريقها.

وقالت في هذا الصدد: "في كلِّ تاريخ البشرية ينكر العبيد أنَّهم عبيد". وكذلك أصرَّت الناشطة إينا شيفتشينكو التي شاركت في تأسيس حركة فيمن على تحديد من هو العبد أو العبدة.

وذكَرت لصحيفة هافينغتون بوست في طبعتها الإنكليزية: "هن يكتبن على ملصقاتهن أنَّهن لسن في حاجة إلى تحريرهن، ولكن في عيونهن مكتوب ساعدونا".

"الحجاب كدليل على الاستعباد"

والآن تحوّل هذا النشاط الذي كان من المفترض أن يكون نشاطًا مشتركًا من أجل تحرير المرأة إلى نزاع حول فرض الوصاية والجهل.

وهكذا كتبت النساء الداعمات لحملة "يوم كبرياء مسلمة" التي تم إطلاقها على الإنترنت بعد يوم من إطلاق حملة "يوم جهاد عاريات الصدر": "لا يجب علينا التكيّف معكن لكي نكون متحرِّرات".

وكذلك قامت مئات من النساء بنشر صور لهن على الصفحة الخاصة بهذه الحملة على موقع فيسبوك كُتِبَ عليها: "التعري لا يحرِّرني وأنا لست في حاجة إلى الإنقاذ" أو ببساطة "أنا حرة".

​​

وكون العديد من هؤلاء النساء يرتدين الحجاب في هذه الصور، فقد اعتبرت ناشطات حركة فيمن ذلك دليلاً على استعبادهن.

وعلى صفحة "MuslimahPride" في موقع تويتر كتبت إحدى المستخدمات معلقة: "هذه متلازمة ستوكهولم". وقد ضربت بذلك على الوتر نفسه مثل الناشطة شيفتشينكو في خطابها حول العبيد. تشير "متلازمة ستوكهولم" إلى ظاهرة دفاع الرهائن عن جلاديهم أو مختطفيهم.

وهذا المنطق بالذات، الذي ينكر قدرتهن على الحكم بعقل صافٍ، يغضب ناشطات الحركة المناهضة لحركة فيمين.

وفي رسالتهن المفتوحة الموجهة ضدّ حركة فيمن كتبت الناشطات المسلمات: "لقد سئمنا من قيام النساء المميَّزات مرارًا وتكرارًا بترويج الصور النمطية نفسها عن المرأة المسلمة العاجزة التي تحتاج الدعم من الغرب".

وبذلك تحوّلت حملة "نساء ضدّ مضطهديهن" التي دعت إليها ناشطات حركة فيمن إلى نزاع يخوضه "الغرب ضدّ المسلمين".

حركة فيمن تغضب الناشطات النسويات في ألمانيا

وربما تبدو مساواة حركة فيمن، التي يعود أصلها إلى أوكرانيا، "بالاستعمار الغربي" أمرًا غريبًا، من وجهة النظر الألمانية.

ولكن في المقابل من المعروف للألمان أنَّ حركة فيمن لا تعبَأ كثيرًا بالخصائص والحساسيات الثقافية في محاولتها رفع الدمج بين الصدور العارية والشعارات المختصرة إلى علامة احتجاج دولية.

وعندما تظاهرت بعض الناشطات الأوكرانيات في شهر كانون الثاني/يناير 2013 أمام شارع هربرت المخصص لبيوت الدعارة في مدينة هامبورغ، أثرن غضب الناشطات النسويات الألمانيات من خلال هتافهن شعار "العمل يجعلك حرًا" والذي كان مكتوبًا في الماضي على بوابات المعتقلات النازية وكذلك من خلال استبدالهن حرف "x" في كلمة Sexindustrie (صناعة الجنس) بالصليب (النازي) المعقوف.

وعلى أية حال يبدو أنَّ الانتقادات الأخيرة لم تهدِّئ انفعال ناشطات حركة فيمن. إذ حين قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بافتتاح معرض هانوفر، اقتربت العديد من الناشطات بصدور عارية من الرئيس الروسي وهن يهتفن "اللعنة على الدكتاتور".

ولكنْ لم يبدُ بوتين الذي تم وصفه بالدكتاتور متأثرًا، وقال: "هذا العمل أعجبني. ولا يوجد فيه شيء مخيف".

 

نادية بانتل
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ قنطرة 2013