نظام الأسد...بلا أسد- فهل ''الحل اليمني'' مخرج للأزمة السورية؟

في ظل اليأس من إمكانية إيجاد مخرج للصراع في سوريا، تدرس عدة دول الآن إمكانية تطبيق "الحل اليمني"، وذلك عبر التفاوض للوصول إلى انتقال مؤقت للسلطة إلى نائب الرئيس، مع نفي الأسد خارج البلاد، ليكون ذلك وسيلة لبدء حوار وطني حقيقي. الخبير الألماني المعروف فولكر بيرتس يسلط الضوء في هذه المقالة على إمكانية تطبيق "الحل اليمني" في سوريا.



لم يقم نظام بشار الاسد بأي شيء من أجل تنفيذ خطة المبعوث العربي والأممي كوفي عنان. فلا الأسلحة الثقيلة سُحبت، ولا قصف المناطق السكنية توقف، ولم يتم كذلك إطلاق سراح المعتقلين، ناهيك عن عدم السماح للناس بالتجمع والتظاهر بحرية. بعثة المراقبين التابعة للأمم المتحدة لا يمكن لها أن تتصرف إلا في حدود المهمة الموكلة لها. فهم يراقبون ولكن لا يمكنهم التدخل ولا توفير الحماية للمدنيين.

ومجزرة الحولة لن تكون بالتأكيد العمل الوحشي الأخير الذي يقوم به النظام في محاولة لخنق الثورة، ولكن الواقع الفعلي يشير إلى أن مثل هذه المجزرة تدفع البلاد إلى مزيد من الانزلاق في مستنقع الحرب الأهلية. ونشهد في الوقت الحاضر تكثيفا لنشاط المعارضة المسلحة، وبعضهم يعمل تحت راية "الجيش السوري الحر". واليوم يبدو أن لا أحدا يمتلك خطة بديلة، لا الأمم المتحدة ولا الدول العربية ولا منظمة حلف شمال الأطلسي ولا الاتحاد الأوروبي. ولكن مع كل جريمة وحشية جديدة ترتكب ضد السكان المدنيين السوريين تعلو الأصوات المطالبة بتدخل عسكري.

أي شكل من أشكال التدخل؟

أنان
"لم يقم نظام بشار الاسد بأي شيء من أجل تنفيذ خطة المبعوث العربي والأممي كوفي عنان. فلا الأسلحة الثقيلة سُحبت، ولا قصف المناطق السكنية توقف"

​​مجرد إظهار الغضب من أفعال النظام ليس دليلا كافيا على استعداد حقيقي للتدخل. وخاصة أولئك الذين يؤكدون، وهم محقون بذلك، على عدم استبعاد أي خيار، يجب أن يزنوا الأمور بدقة، لتحديد أي شكل من أشكال التدخل هو الصحيح ويجب تطبيقه. هناك الكثير مما يوحي بأن العمل العسكري المحدود نسبيا، كتوجيه سلسلة محدودة من الضربات الجوية مثلا، هو عمل سيحقق، في كل الأحوال، توازنا في القوى في "الحرب الأهلية"، ولكنه لن ينهي هذه الحرب. ومن يفكر بحملة واسعة النطاق للإطاحة بالنظام، كتوجيه ضربات جوية على غرار ليبيا تستمر لعدة أشهر، أو بهجوم مدعوم من قبل حلف شمال الأطلسي، فيجب أن يعلم بأنه يتحمل مسؤولية عن البلد. أما مجرد عقد الآمال على أن الأمم المتحدة ستتدبر الأمر وتصل بطريقة ما إلى تحقيق السلم الأهلي والمصالحة وإعادة البناء السياسي، فسيكون ذلك أمرا غير مسؤول.

ولهذه الأسباب فإنه يمكن القول بأنه لا الولايات المتحدة ولا دول الجوار لديها مصلحة في الانجرار إلى نزاع عسكري في سوريا. كما أن هناك أمرا له نفس القدر من الأهمية، وهو أن مثل هذا التحرك يفتقر للشرعية الإقليمية والدولية اللازمة؛ وهذه الشرعية لا تتحقق إلا بصدور قرار صريح من الجامعة العربية وتفويض من مجلس الأمن. وكلا القرارين لن يتم اتخاذاهما، ما لم يتم استنفاد جميع الاحتمالات الدبلوماسية. وهذا هو السبب الذي يجعل دولا عدة تدرس الآن إمكانية تطبيق "الحل اليمني" بالنسبة لسوريا، وذلك عبر التفاوض للوصول إلى انتقال مؤقت للسلطة إلى نائب الرئيس، مع نفي الأسد والمقربين منه خارج البلاد، ليكون ذلك وسيلة لبدء حوار وطني حقيقي حول المستقبل السياسي للبلاد برعاية تامة من الجامعة العربية والأمم المتحدة.

طريقة للحل لاتخلو من العيوب

مظاهرات عربية ضد المجازر
"مجرد عقد الآمال على أن الأمم المتحدة ستتدبر الأمر وتصل بطريقة ما إلى تحقيق السلم الأهلي والمصالحة وإعادة البناء السياسي، فسيكون ذلك أمرا غير مسؤول"

​​مثل هذه الطريقة للحل لا تخلو من النقائص، لأنها ستسمح للأسد أن يترك منصبه دون ملاحقة، ليفلت من العقاب. ولكن بنفس الوقت يمكن عبرها إنهاء "الحرب الأهلية". إلا أن هذه الطريقة لا يمكن أن تنجح إلا إذا أدركت الشخصيات الكبرى في النظام بأن الوضع في سوريا وصل إلى طريق مسدود فعلا، ورأت بنفسها أن سوريا، كما أشار كوفي عنان، قد وصلت إلى نقطة التحول الحاسمة، فإما أن يتوقف القتل وتبدأ عملية سياسية، أو أن تزداد العزلة والفوضى وفي نهاية المطاف سيأتي التدخل العسكري الأجنبي؛ هذه هي النتائج المحتملة.

لذلك فإنه ليس من الخطأ أن يتم اللجوء للتهديد بسيناريو عسكري. فربما تساعد هذه الاستراتيجية في إقناع الأسد وأتباعه أن زمنهم قد ولّى. والأمر الأكثر أهمية هو التطبيق الصارم لحصار اقتصادي عام وفرض عزلة سياسية على النظام. ولكن ينبغي أن لا يتم قطع كل قنوات الاتصال. فالبعض ينسى أحيانا بأنه لم يتم التوصل للحل في اليمن إلا عبر التفاوض مع كبار الشخصيات في النظام اليمني. وهذا يعني أنه يقع على عاتق كل من كوفي عنان وممثلي الحكومة الروسية ومبعوثي الدول الأخرى، التي لا زالت موضع ترحيب في دمشق، مسؤولية مواصلة الحوار مع الأسد والمقربين منه.

وفي هذا الصدد، تلعب روسيا دورا حاسما. ولا تعود أهمية هذا الدور إلى امتلاكها حق النقض في مجلس الأمن فقط. فطالما أن الأسد لم يسمع من موسكو أن اللعبة قد انتهت وأنه ليس هناك سوى مخرج واحد للتفاوض، يضمن السلامة له ولمؤيديه، فمن غير المرجح أن يشعر الأسد بأنه معزول حقا، وربما سيستمر في الاعتقاد بأنه قادر على تحقيق النصر.

نظام باتت نهايته قريبة

بيرتس    المركز الألماني للشؤون السياسية والأمنية في برلين.
"في موسكو بات الروس يتوقعون زوال نظام الأسد، ولكنهم يخشون، في الوقت نفسه، من خسارة استراتيجية"

​​وحتى في موسكو بات الروس يتوقعون زوال نظام الأسد، ولكنهم يخشون، في الوقت نفسه، من خسارة استراتيجية. وهنا قد يكون يلعب الدبلوماسيون الألمان دورا مهما في إقناع القيادة الروسية بأنه يمكنها الحفاظ على مصالحها بصورة أفضل على المدى الطويل، إذا ما ساهمت في عملية التحول في سوريا، بدلا من التشبث ببقاء الأسد.

ولكن الأمر لا يقتصر، بالطبع، فقط على مصالح الأنصار الدوليين للأسد. فيجب ألاّ ننسى أن ربما عشرين بالمائة من سكان سوريا، هم موالون فعلا للنظام، وأن نسبة أكبر من ذلك تخشى بشكل كبير من البدائل ومن الفوضى التي ربما تحدث عقب سقوط الأسد. الطريقة الوحيدة لضمان عدم اندلاع حرب أهلية وعدم استمرار نزيف الدماء بشكل أكبر من الآن، عقب تغيير النظام، هي إعطاء ضمانات واضحة للأقليات والجماعات الأخرى التي تدعم حاليا بشار الأسد، بأنه سيكون لها أيضا مستقبل في سوريا الجديدة ما بعد الأسد.

 

فولكر بيرتس
ترجمة: فلاح آل ياس
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

فولكر بيرتس خبير شؤون الشرق الاوسط ويعمل مديرا للمركز الألماني للشؤون السياسية والأمنية في برلين.