مصر العسكر...شيطنة للإسلاميين وحرب شعواء على الديمقراطيين

شَيْطَنَتْ المؤسسة العسكرية، ووسائل الإعلام، في مصر الإخوان المسلمين وألجمت كل من نادى بالحلول السلمية واضعةً الكثير من المصريين في حالة انتقام وتحريض وحقد ضدهم، وفق تعليق يورغن شترياك لموقع قنطرة في رؤيته لإرهاصات ما قبل الفضّ الدامي لاعتصامات مؤيدي مرسي.

الكاتبة ، الكاتب: Jürgen Stryjak

من الصعب تصور أن القيادة العليا للإخوان المسلمين لا تزال تعتقد بأنها ستنجح في إعادة رئيسها المعزول محمد مرسي إلى منصبه مرة أخرى، لأن الحقائق التي خلقها عزل مرسي من قبل الجيش والشعب قبل لا يمكن عكسها مرة أخرى. ولا بد من أن يعاني المرء من انفصال تام عن الواقع كي لا يلاحظ ذلك.
 
وإذا فكر الإخوان المسلمون في مستقبلهم القريب، فسيكون الهدف الأساسي لهم هو عدم فقدان المزيد من تضامن المصريين معهم. لكن بدلاً من ذلك، يستمر خطباء الإخوان ومحرضوهم بإثارة مشاعر مناصريهم في أماكن الاعتصام. كما تم اللجوء إلى عدد من السبل التي تصفها الجماعة بـ"العصيان المدني"، والتي لا تتعدى كونها طرقاً للاستفزاز الأعمى ذات عواقب مؤسفة.
 
هذا بدوره يدفع قوات الأمن أو البلطجية أو كليهما إلى الانقضاض على المعتصمين، والنتيجة هي وقوع قتلى في صفوف عناصر الإخوان على الأرض، بينما يلعب قادتهم دور الضحية بسخرية متزايدة.

أعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية بعد المذبحة ضد أنصار مرسي في السابع والعشرين من يوليو أن حوالي 80 في المئة قتلوا برصاصات مباشرة في الرأس والصدر.

 
"إعدام متعمد من قبل قوات الأمن"
 
في صباح السابع والعشرين من يوليو، قُتل 80 شخصاً على الأقل من أنصار مرسي قرب مقر اعتصامهم في مدينة القاهرة على يد قوات الأمن ومسلحين يرتدون ملابس مدنية. وأعلنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في أعقاب حمام الدم هذا أن نحو 80 في المئة من الضحايا قتلوا بطلقات استهدفت الرأس والصدر.
 
وفي نفس يوم السبت هذا، كان بالإمكان مراقبة ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي وهم يصوبون أسلحتهم باتجاه أنصار مرسي دون اللجوء إلى ساتر. لقد كان من الواضح أنهم لم يكونوا يخشون أي رد لإطلاق النار. وتقول "هيومن رايتس ووتش" إنه يصعب تصور وقوع هذا العدد الكبير من القتلى إذا لم تكن هناك نية للقتل.
 
والمذنبون في ذلك هم القناصة ومن أعطوهم الأوامر. لكن على الإخوان المسلمين أن يتقبلوا سؤالاً عن مسؤوليتهم في التصعيد اللامسؤول الدموي الذي لا يؤدي أي غرض سوى إمدادهم بصور شهداء يستخدمونها في دعايتهم.
 
والغريب في هذا الأمر على الأخص هو أنه لا يبدو أن أي أحد من قيادات الإخوان يتساءل عما إذا كانت الجماعة تتقمص دوراً تم إعداده لها مسبقاً.

يرى يورغن شترياك أن "على الإخوان المسلمين أن يتحملوا السؤال حول مسؤوليتهم تجاه التصعيد اللامنطقي والدموي الذي لا يؤدي أي غرض، عدا أن يزودهم بصور شهداء لاستخدامها في دعايتهم".

 
لا وجود لبداية ديمقراطية جديدة بعد مرسي
 

في نهاية يونيو الماضي، شعر ملايين المصريين بأن عليهم استخدام فرامل الطوارئ وإنهاء حكم الإخوان، لأنهم كانوا يخشون – وهم محقون في ذلك برأيي – من أن الإخوان لن يقبلوا التخلي عن السلطة في الانتخابات القادمة. أما الجيش، فقد وقف إلى جانب الشعب وعزل مرسي. لكن هل لدى الجيش والشعب نفس المصالح؟
 
ما حدث بعد عزل مرسي لا يمكن تسميته بداية ديمقراطية جديدة أو تصحيحاً لمسار الثورة. فالمؤسسة العسكرية عمدت إلى تصوير الإخوان المسلمين على أنهم خطر داهم وأسود، مثلما كان الحال أثناء حكم مبارك. وفي وسائل الإعلام التي تلتزم بخط الجيش، وهذا يعني تقريباً جميع وسائل الإعلام المصرية، اُصطُلح على تسمية أنصار مرسي والإخوان "الإرهابيين". ما قام به الجيش هو وضع الكثير من المصريين في حالة من السعي للانتقام والتحريض والحقد.
 
وفي خضم هذه الفوضى، لا تلاحظ إلا قلة أن هناك إعادة تعريف لكل ما له صلة بالثورة. فالجنرالات يقدمون أنفسهم على أنهم قادة الثورة، وفي مياههم أعيد تطهير المؤسسات التي كانت تعتبر معاقل لنظام مبارك، والمتمثلة في مؤسسات الشرطة والقضاء والنخب الاقتصادية ووسائل الإعلام الحكومية، إضافة إلى قنوات التلفزيون الخاصة، التي يمتلك معظمها رجال أعمال جمعوا ثروتهم في عهد مبارك. كل هذه المعاقل تمكنت في العامين والنصف بعد الثورة من النجاة، وإن كان بعضها قد قضى كل تلك الفترة في الظلال. والآن عادت تلك المعاقل إلى نشاطها السابق.
 
بعد ساعات من حمام الدم في السابع والعشرين من يوليو، أعلن وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم، الذي كان مسؤولاً عن مصلحة السجون في عهد مبارك، عن أن أجهزة أمن الدولة التي تم حلها بعد الثورة عادت إلى عملها مرة أخرى. وبعد ذلك بيوم واحد، حذرت حركة "تمرد" المقربة من الجيش، والتي أطلقت شرارة الاحتجاجات المليونية في الثلاثين من يونيو ضد مرسي، من عودة هذه الأجهزة الأمنية السيئة السمعة. وتَعتبر هبة مريف من منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن إلغاء جهاز أمن الدولة في مصر سنة 2011 لم يكن سوى ذراً للرماد في العيون.

بعد أن وصف السياسي الليبرالي عمرو حمزاوي الجو السياسي في البلاد بالفاشي، تعرض لموجة من الشتائم والكراهية.

 
"إما معنا أو علينا"
 
المزاج العام ضد الإخوان المسلمين – دون غض النظر عن نواياهم القمعية – يشبه المزاج الذي كان سائداً في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، عندما كان شعار "إما معنا أو علينا" منتشراً وكان كل نقد أو شك أو اختلاف في الرأي يُنظر له على أنه غير وطني. ويصف الليبرالي المصري المعروف عمرو حمزاوي الجو السائد في بلاده منذ أسابيع بالفاشي، محذراً من أن بعض أجزاء النظام الحالي تستغل التقلب في الأهواء للقضاء على ثورة 25 يناير.
 
لذلك تم وصف حمزاوي بـ"الخائن" و"عميل الغرب". لقد بات نوع من الملاحقة الشعواء يطارد كل سياسي وناشط ينتقد الجيش والإخوان بنفس القدر، حتى ضد نائب الرئيس محمد البرادعي بسبب مطالبته بإشراك الإسلاميين في العملية السياسية. وكتب عمرو حمزاوي مؤخراً في تغريدة على موقع "تويتر" أن الهدف هو إسكات كل من يطالبون بنشر الديمقراطية الحقيقية.
 
إن انطلاق الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير 2011 لم يكن بالمصادفة في يوم عيد الشرطة، إذ إن وحشية الشرطة بشكل خاص هي التي أثارت جلّ غضب المصريين. وفي صيف 2013، بعد عامين ونصف فقط، حمل المتظاهرون في ميدان التحرير أفراد الشرطة فوق الأعناق واحتفلوا بهم، وسط شعارات مثل "الشعب والجيش والشرطة يد واحدة".
 
ومن أجل تحقيق هذا التغيير في الوجهة، تعيّن على الجنرالات تقديم وجه شرير جديد لمحاربته سوياً، والإخوان المسلمون كانوا أنسب مجموعة لإعطائها هذا الدور.


 
يورغن شترياك
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013