"صحافة النظام السابق" تركب الموجة وتلعن "النظام"

"الكذب حصري على التلفزيون المصري"، عبارة شاعت منذ اندلاع ثورة 25 يناير، غير أن "الكذب" لم يقتصر على الشاشة، بل كان منتشراً أيضاً في الصحف التابعة للدولة. سمير جريس وقراءة في الصحف "الحكومية" بعد سقوط نظام مبارك.

"الكذب حصري على التلفزيون المصري"، عبارة شاعت منذ اندلاع ثورة 25 يناير، غير أن "الكذب" لم يقتصر على الشاشة، بل كان منتشراً أيضاً في الصحف التابعة للدولة. سمير جريس وقراءة في الصحف "الحكومية" بعد سقوط نظام مبارك.

​​لم يصدق كثيرون أعينهم: صحيفة "الأهرام" شبه الرسمية تصدر في اليوم التالي على رحيل مبارك، يوم السبت (12/2/2011)، بعنوان رئيسي عريض بخط الرقعة وباللون الأحمر يقول: "الشعب أسقط النظام"، وتحته باللون الأحمر أيضاً، "ثورة الشباب أجبرت مبارك على الرحيل".

"سبحان مغير الأحوال"، هتف كثيرون وهم يضربون كفاً بكف. أليست هذه هي الجريدة التي كانت تطلق على "شباب التحرير" الفئة المُضَلَلة التي تخرب الوطن لأنها تتبع "أجندات خارجية"؟ ألم يتناقل الإعلام الرسمي أن كل فرد من "شباب التحرير" يتلقى يومياً مئة يورو من جهات أجنبية ووجبات من الدجاج المحمر من محلات سلسة" كنتاكي" من أجل البقاء في ميدان التحرير؟ كان المتظاهرون قبل أيام يُنعتون في الصحف الرسمية والتلفزيون الرسمي بأنهم "شوية عيال"، أما الآن فقد أضحوا "أبطال الثورة". التحول في صحيفة "الأهرام" بلغ مئة وثمانين درجة، حتى أن الجريدة العريقة أصبحت تصدر ملحقاً بعنوان "شباب التحرير"، كان عنوانه غداة رحيل مبارك: "انتصرنا".

مات الملك، عاش الملك

عقب صدور العدد امتلأت صفحات الفيسبوك بالتعليقات الساخرة على هذا "التحول التاريخي" للجريدة الأولى في مصر والتي تأسست عام 1876. في صفحة "كلنا خالد سعيد" على موقع الفيسبوك نقرأ على سبيل المثال: "أخيراً تحررت الأهرام" أو "مات الملك، عاش الملك".

الصورة : دويتشه فيله
قبل سقوط نظام مبارك كان أغلب المصريين يشترون الجرائد القومية لقراءة صفحة الوفيات فحسب

​​كانت صحيفة "الأهرام" قد أضحت في السنوات الأخيرة إلى لسان حال الحزب الوطني الحاكم، وإلى "بوق" للنظام المخلوع ومحاولة تجميله. ويتذكر كثيرون الصورة التي زورتها الأهرام لكي يظهر الرئيس المخلوع حسني مبارك متقدما على الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خلال اللقاء الذي جمع بينهم في الولايات المتحدة العام الماضي، بينما ظهرت الصورة نفسها في وسائل الإعلام العالمية ومبارك يجر خطواته الثقيلة خلف الزعيمين.

غير أن الصحيفة لم تجد بأساً عقب سقوط نظام مبارك ورحيل رأسه في التحدث عن "تنظيف مصر" و"كنس عهد مبارك"، كما راحت تتكلم عن "الفرعون الأخير" و"العبور الثاني"، وانهمكت الصحيفة في التحدث عن "انتصار ثورة الشعب". كما تحدث رئيس التحريرالجريدة أسامة سرايا يوم الأحد (13/2/2011) عن "قدر مصر" في أن تكون "ملهمة شعوب الأرض"، وأن يقارن "ثورة الشباب" في عام 2011 بثورة يوليو 1952. وفي الموجة ذاتها راح يسبح عدد من المحررين، فنقرأ في العدد نفسه تحت عنوان "عادت شمسك الذهب" ما لم يكن متخيلاً قبل أيام من سقوط النظام؛ إذ يقول مدير تحرير جريدة" الأهرام" نصر القفاص عن حسني مبارك – بعد أن كان يشيد بـ"حنكته العسكرية" - أنه "كان سياسياً ساذجاً".

"التضليل والتلفيق وخيانة المهنة"

وفي العدد نفسه نقرأ الخبر الذي يحدثنا بوضوح عن حالة الإعلام المصري في عهد الوزير المستقيل أنس الفقي، حيث قرر مجلس نقابة الصحفيين إحالة الصحافية نجاة عبد المنعم إلى لجنة التأديب بالنقابة بتهمة التضليل والتلفيق وخيانة المهنة. وفي تفاصيل الخبر نقرأ أن الصحفية المذكورة ظهرت في أحد برامج التلفزيون المصري لتقول إنها ناشطة إلكيترونية تلقت تدريباً "على أيدي الموساد في أمريكا بأموال قطرية بهدف زعزعة الاستقرار في مصر وتحريض الشباب على الثورة". ولا تنسى الصحيفة، التي لا يخلو تقريرها من نبرة نقد ذاتي، أن تقول إن صحفياً بـ"الأهرام" هو الذي قدمها للقناة رغم أنه كان يعلم حقيقة الصحافية.

ثروة آل مبارك لا تتعدى ثلاثة مليارات

وتستفيض "الأهرام" في عدد يوم الاثنين (14/2/2011) في الحديث عن "فساد رجال الحكم"، مثل صفوت الشريف وحبيب العادلي وعمر سليمان. كما تتحدث الصحيفة عن ثروة آل مبارك، فيتذكر القارئ على الفور الصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير جريدة "الدستور" السابق وموقع "الدستور الأصلي"حاليا، الذي كان قد أحيل للقضاء وحكم عليه بالسجن لأنه تجرأ وتحدث عن "صحة الرئيس".

ولم تتوقف "الأهرام" عن الحديث بشكل عام عن ثروة مبارك، بل نقلت أيضاً عن "ديلي تلغراف" البريطانية خبراً يقول إن مبارك أمضى الأيام السابقة في "نقل وتحريك ثروته إلى بنوك لا يمكن تتبعها"، كما نقلت الصحيفة "الشائعات" التي تقول إن نجلي الرئيس المخلوع، علاء وجمال، كانا يحصلان على نسبة تتراوح بين عشرين وخمسين في المئة عن أي مشروع يقام في مصر. وركزت "الأهرام" على أن ثروة مبارك – حسب النيويورك تايمز – لا تتعدى ثلاثة مليارات دولار، لا 70 مليار دولار كما ذكرت "الغارديان".

موجة عابرة، أم تحول جذري؟

الصورة:دويتشه فيله
هل هذا التحول في الخطاب الإعلامي للصحف القومية بعد إسقاط النظام مجرد موجة عابرة؟

​​التحول في لغة الخطاب في "الأهرام" هو الأوضح، غير أنه ليس الوحيد في الصحف "الحكومية" التي كانت تُسمى "قومية"، فنقرأ في عدد "الأخبار" الصادر اليوم (14/2/2011) عن "حل برلمان أحمد عز" – وأحمد عز كان مهندس السياسات في الحزب الوطني الحاكم وقائد الحملة الانتخابية الأخيرة، كما أنه مقّرب للغاية من جمال مبارك – وتصف الصحيفة الدستور الحالي بأنه "مشوه"، كما تكشف الجريدة عن مستندات تتهم وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بغسل الأموال. أما صحيفة "الجمهورية" – التي كانت أيضاً أحد أبواق "النظام السابق" – فكان عنوانها اليوم: "حل البرلمان المزور". وفي داخل الصحيفة نقرأ تحقيقاً حول أسر "شهداء ثورة 25 يناير" يطالب بـ"القصاص السريع والعادل من القتلة".

السباحة في موجة انتقاد النظام السابق تشمل جميع الصحف الرسمية. ولكن هل تعبر عن تحول جذري في الخطاب الإعلامي؟ أم أنها موجة عابرة، ستنحسر، وعندئذ ستردد "الصحف القومية" الخطاب الإعلامي الرسمي؟ الإجابة على هذا السؤال تتوقف على ما ستفرزه الفترة الانتقالية الحالية، وما سيتولد عنها بعد انسحاب الجيش من الحياة المدنية. وسنرى: هل "ستعود ريما إلى عادتها القديمة"، أم ستصبح السلطة الرابعة في مصر أداة مستقلة في الكشف عن الفساد والفاسدين.


سمير جريس - القاهرة
مراجعة: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر:دويتشه فيله 2011

Qantara.de
المحطات الفاصلة للثورة المصرية
سقط الفرعون!
لأول مرة في تاريخ مصر الحديث يتم الحديث عن رئيس سابق. فقبل أقل من شهر من اليوم لم يكن أحد يتوقع سقوط نظام الرئيس المصري محمد حسني مبارك، حيث أعلن مساء اليوم نائب الرئيس عمر سليمان تنحي محمد حسني مبارك بعد 30 سنة من الحكم وتسليمه السلطة إلى المجلس العسكري. ريم نجمي تستعرض اللحظات الأخيرة من الثورة المصرية.

شباب الفايس بوك في مصر
وائل غنيم رمز "ثورة جيل الفيسبوك"
الناشط المصري وائل غنيم اختفى في اليوم الأول من حركة المظاهرات التي تشهدها مصر منذ ما يعرف بـ"يوم الغضب". وأفرج عنه منذ بضعة أيام ليصبح بعد ذلك رمزاً من رموز "ثورة جيل الفيسبوك .هبة الله اسماعيل تسلط الضوء على هذا الناشط المصري".

قراءة في ثورة الشباب المصري:
فجر جديد بقيادة الشباب في الشرق الأوسط؟
ترى الكاتبة والمدونة اللبنانية فرح عبد الساتر أن الشباب العربي أصبح اليوم ليس مسلّحاً فقط بهاتف البلاك بيري النقال والآي فون والمدوّنات والفيسبوك، وإنما كذلك بالقناعة بأن التغيير أصبح ضرورة حتمية في المنطقة العربية في مؤشر على بداية صحوة شاملة