مصر بين شدّ الإسلاميين وجَذْب العلمانيين وخيبة أمل المهمشين

قُبَيل الاستفتاء الشعبي المصري في 15 و 22 ديسمبر على وثيقة الدستور الجديد، الذي صاغته أغلبية إسلامية، يتواجه الإسلاميون والليبراليون دون أمل في المصالحة ويتفاقم إحباط الفئات الفقيرة بسبب الحالة الاقتصادية الصعبة، كما تكتب كلاوديا منده من القاهرة.

الكاتبة ، الكاتب: Claudia Mende

كتبت الصحفية القبطية كريمة كمال في جريدة "المصري اليوم" المستقلة: "إمّا الإخوان المسلمون أو نحن. هذه هي القضية"، وتضيف: "لقد أصبح الحال الآن كالحرب، ويجب على كل واحد تحديد موقفه مع الطرفين أو ضده، وأنا أقف ضد الإخوان المسلمين. هذا ليس وقت المواقف الضبابية".

كريمة كمال. المصدر: كلاوديا منده
كتبت الصحفية القبطية كريمة كمال في جريدة "المصري اليوم" المستقلة: "إمّا الإخوان المسلمون أو نحن. هذه هي القضية": ينتاب الغضب الكثير من المثقفين والليبراليين في القاهرة، كما أنهم يخشون من تعرضهم للقمع على يد الإسلاميين، بعد إجراء الاستفتاء وتصويت أغلبية الناخبين على قبول الدستور الجديد ذي الصبغة الإسلامية.

​​ينتاب الغضب الكثير من المثقفين والليبراليين في القاهرة، كما أنهم يخشون من تعرضهم للقمع على يد الإسلاميين، بعد إجراء الاستفتاء وتصويت أغلبية الناخبين على قبول الدستور الجديد ذي الصبغة الإسلامية.

ورغم أن الرئيس محمد مرسي أصدر قراراً بسحب الصلاحيات الدكتاتورية التي منحها لنفسه، في أعقاب احتجاجات شعبية عارمة، إلا أن المعسكر الليبرالي لا يعيش حالة تخوف كبيرة فقط من قيام الإخوان المسلمين بقمع الحريات والحقوق، بل ومن اعتداء القوى المتطرفة دون حسيب أو رقيب على بعض الشخصيات التي تنتقدها، لاسيما في ظل التصعيد الذي يدعو إليه بعض المحرِّضين من الإسلاميين في القاهرة، ممن لا يُعرَف إنْ كانوا مدفوعين من قبل طرف ما، أو إنْ كانوا قد خرجوا عن السيطرة.

هذه التخوفات يغذيها أيضاً غياب الهيمنة الكاملة للدولة وانعدام الثقة في قوى الأمن. واتضح ذلك بشكل خاص خلال التظاهرات المؤيدة لمرسي في الأسبوعين الماضيين، التي جلب فيها الإخوان المسلمون الأشخاص المتعاطفين معهم من كافة أنحاء البلاد.

دعوات عدوانية

خلال هذه المظاهرات، ألهب المتحدثون صدور مؤيدي الرئيس بعبارات مناوئة للنخب العلمانية والليبرالية في البلاد، وهددوا بـ"تطهير الإعلام الليبرالي". كما أن إطلاق عبارات مثل "موعدنا المقبل في ميدان التحرير، ومن يُقتَل من الليبراليين مصيره جهنم" أشاعت جواً من الانزعاج في أوساط الليبراليين.

وتقول الناشطة المصرية والطبيبة النفسية بسمة عبد العزيز إن "هذا لا علاقة له بالدين". هذه الفتاة النحيفة، ذات خصلات الشعر السوداء القصير، تكتب عموداً صحفياً في جريدة "الشروق"، وتعتبر من الشخصيات المعروفة في القاهرة.

وتعتبر بسمة عبد العزيز أن التطورات الأخيرة "مخيفة"، إذ إنها لم تسمع أبداً عبارات تحريضية ضد الليبراليين، كتلك التي أطلقت في مظاهرة للإخوان المسلمين أمام جامعة القاهرة، والتي نقلها التلفزيون في بث حي إلى كل أرجاء مصر.

وتضيف بسمة عبد العزيز: "إطلاق مثل هذه الدعوات العدوانية أمام جمهور غفير يضم عدداً كبيراً من الأميين يشكل تهديداً حقيقياً". وبالنسبة للناشطة الشابة، فإن الحل لا يكمن في معركة بين الليبراليين والإسلاميين في ميدان التحرير أو أمام قصر الرئاسة بمنطقة هليوبوليس، بل إنها ترى أن على الليبراليين التوجُه إلى التعامل مع المشاكل الاجتماعية الملحة التي تعاني منها البلاد.

الاقتصاد هو الضحية

رغدة الإبراشي. المصدر: كلاوديا منده
تُلخص رغدة الإبراشي الوضع في مصر قبيل الاستفتاء على الدستور الجديد كالتالي: "الفقراء هم أكثر من يعاني بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور. وإذا لم يتم توفير حلول في القريب العاجل، فإننا سننزلق فعلاً إلى حرب أهلية".

​​

كان محمد مرسي قد تعهد أثناء حملته الانتخابية بتحقيق تحسن ملموس في الأوضاع المعيشية للمواطنين خلال المئة يوم الأولى من رئاسته. لكن حتى الآن لم يحصل أي شيء. وبينما يستمر الإسلاميون في شلّ حركة البلاد من خلال مقامرتهم بالسلطة، يتجه اقتصاد البلاد إلى الانهيار بتسارع مقلق.

فاحتياطيات العملة الصعبة تراجعت منذ الإطاحة بنظام مبارك إلى النصف، ووصل حجمها الآن إلى 15 مليار دولار. إن مصر بحاجة ماسة إلى المال من أجل المحافظة على الدعم الحكومي للمواد الغذائية مثلاً، والذي لن يتمكن فقراء البلاد من الحصول على الطعام بدونه.

وفي ذات الوقت لا يسير أي شيء على ما يرام في البلاد، حتى الإدارات. وتصف بسمة عبد العزيز الأوضاع في وزارة الصحة بالفوضوية، إذ منذ تولي مرسي منصب الرئاسة في يونيو 2012، تم استبدال وزير الصحة خمس مرات، ولم يقم أي وزير بعمل أي شيء لمواجهة المشاكل التي يعاني منها قطاع الصحة.

وإضافة إلى ذلك، فإن الفساد مازال منتشراً، ولا تستطيع بسمة عبد العزيز أن تتذكر أي جهد قامت به الحكومة لتحسين النظام الصحي في البلاد.

خيبة أمل الفقراء

وبينما انقسمت نُخَب البلاد في صراع ثقافي بين التوجهين الليبرالي والإسلامي، بدأ الإحباط بالتفاقم في أوساط الفقراء، لاسيما وأن الثورة لم تجلب لهم أي تحسن يُذكر؟
إذ مازال 35 في المئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات البنك الدولي، ومازال 40 في المئة من المصريين أميين.

هذا الإحباط هو ما قد يسبب انفجاراً اجتماعياً، بحسب رغدة الإبراشي، أستاذة استراتيجيات الإدارة في الجامعة الألمانية بالقاهرة، والتي تقول: "مشكلتنا الأساسية في مصر هي تفشي الفقر".

إلى جانب منصبها الجامعي، تنشط الإبراشي من أجل تحسين فرص العاطلين عن العمل في سوق العمل المصرية المنهكة. إنها ترتدي الحجاب وتنحدر من عائلة ميسورة الحال، إلا أنها تعرف رغم ذلك اليأس الذي يصيب العاطلين عن العمل والمحرومين.

تلخص رغدة الإبراشي الوضع في مصر كالتالي: "الفقراء هم أكثر من يعاني بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور. وإذا لم يتم توفير حلول في القريب العاجل، فإننا سننزلق فعلاً إلى حرب أهلية".

 

كلاوديا منده
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2012