القوى الثورية في مصر...هل ينجح المارد ويصبح البديل الثالث؟

يؤكد زياد العليمي، أحد أهم نشطاء ائتلاف شباب الثورة المصرية والمتحدث الرسمي باسمه في تعليقه التالي، أن غالبية المصريين يبحثون عن بديل لنظام مبارك، ولجماعة الإخوان التي يخشى معظمهم من قمعها للحريات العامة ومن برنامجها الاقتصادي النيو ليبرالي. ويعتبر هذا البديل الثالث قادرا على حشد المصريين للاصطفاف خلفه بهدف بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة عمادها العدالة الاجتماعية.

الكاتبة ، الكاتب: Ziyad al-Alimi



في 25 يناير2011 خرج ملايين الشباب المصريين في أنحاء جمهورية مصر العربية ينادون بإسقاط النظام. فقد حرمهم الحزب الحاكم آنذاك من حقهم في الحياة الكريمة، وكان اختيارهم لانطلاق ثورتهم يوم عيد الشرطة أول صفعة يتلقاها مبارك ونظامه.

وعلى الرغم من إعلان المعارضة التقليدية؛ ممثلة في أحزاب المعارضة الرسمية وجماعة الإخوان المسلمين عدم مشاركتها في تلك المظاهرات، ومحاولاتها تهدئة الوضع بعقد لقاءات مع نائب الرئيس السابق، والاتفاق على تعديلات شكلية من خلال تعديل بعض القوانين المقيدة للحريات، وتعهد الرئيس المخلوع بعدم ترشحه أو ابنه لكرسي الرئاسة، إلا أن ذلك لم يرض الثوار، واستمروا في ميادينهم حتى إعلان تخلي مبارك عن الرئاسة.

 

القوى الثورية: تواصل مع الجماهير وافتقار للخبرة التنظيمية الانتخابية

وعلى الرغم من أن القوى الثورية مازالت القوى الأكبر تأثيراً في مصر ـ حيث تمكنت، خلال عام ونصف العام، من الضغط لإقالة ثلاث حكومات متتالية، بينما عجز مجلس الشعب ذو الأغلبية التقليدية عن إقالة حكومة واحدة، إلا أن هذه الكتلة الكبيرة لم تمثل بشكل جيد نتيجة لافتقادها الخبرة التنظيمية، حيث نشأ معظمها كحركات غير قانونية، تستمد شرعيتها من التواجد بين المواطنين، ومطالبتها بالتغيير وتمسكها بحق التنظيم، الذي صادره نظام مبارك. لكنها اكتسبت ـ خلال سنوات نضالها ـ خبرات التواصل مع الجماهير وحشدهم، من أجل الضغط لتحقيق مطالبهم والمواجهة مع نظام بوليسي وحشي، إلا أنها مازالت تفتقر إلى الخبرة التنظيمية الانتخابية.

ويبدوا أن هذه القوى بدأت تكتسب بعض هذه الخبرات في الآونة الأخيرة. فعلى الرغم من أن نتيجة المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية لا يمكن أن تصلح للقياس عليها، لأنها تصويت بالرفض وليست بالقبول ـ حيث صوت من يخشون وصول الإسلاميين للسلطة لمرشح النظام السابق وصوت من يخشون استعادة نظام مبارك لمرشح الإخوان المسلمين، ولو كرهوه ـ وانتشرت عبارة "انتخب أخف الضررين" بين المصريين. إلا أن الفارق بين ما حصلت عليه القوى المختلفة في الانتخابات البرلمانية، وما حصل عليه من تبنوا نفس الخطاب في المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة يؤكد أن تغيراً كبيراً أصاب الكتلة التصويتية المصرية.

 

لا عودة لنظام مبارك

والحقيقة الأولى التي أكدتها هذه الانتخابات، تتمثل في أن معظم المصريين لا يقبلون عودة نظام مبارك ولو بوجوه جديدة. فعلى الرغم من حل الحزب الوطني الحاكم، وخوض الانتخابات البرلمانية تحت مظلة أحزاب أخري جديدة، وعلى الرغم من استخدام هذه الأحزاب القبلية العائلية في الريف والأموال الكثيرة في المدن، الا أنها لم تستطع أن تحصد سوى خمسة مقاعد في مجلس الشعب، ومقعد واحد في الشورى، كما كما خسرت كل رموزها المعروفة في تلك الانتخابات، التي لم تتمكن من حشد التصويت الكافي لإنجاح مرشحها في الانتخابات الرئاسية. هذا يعني أن هذه القوى انتهت بانتهاء سيطرتها على مقاليد الأمور في مصر، فلم يجمعها يوماً أي رابط أيديولوجي، وانتهت شبكة المصالح التي كانت تجمعها بانتهاء سيطرتها على الدولة المصرية.


يتبقى في الخارطة السياسية المصرية قوتان رئيستان، وهما جماعة الإخوان المسلمين التي حصلت على 36.4% من انتخابات القوائم، و61.7%من المقاعد الفردية في مجلس الشعب، كما حصدت 58.6 % في انتخابات مجلس الشورى. وحصل الإخوان والسلفيون معاً على 83.97%.


ولكن بعد خمسة أشهر من الممارسة النيابية، خاضت الجماعة معركة الانتخابات الرئاسية، مستعينة بقدراتها وخبراتها الانتخابية ـ حيث يرى بعض المحلليين أن الجماعة ليست أكثر من ماكينة انتخابية ضخمة ـ وتحالفها الإسلامي مع القطاع الأكبر من القوى السلفية، وإنفاق هائل وصل في متوسط التقديرات إلى ما يزيد عن الحد الأقصى للإنفاق الذي حددته اللجنة العليا للانتخابات بما يتراوح بين عشرة أضعاف وخمسة عشر، إلا أنها لم تحصل سوى على 24.8% بخسارة 27.4% خلال خمسة أشهر فصلت بين الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية.

وعلى الرغم من عدم مشاركة كثير من الجماعات الثورية والليبرالية واليسارية، بالإضافة إلى الدكتور محمد البرادعي، المرشح الرئاسي الرئيسي لهذا التيار، في الانتخابات الرئاسية، لاعتراضها على إجراء انتخابات قبل صدور الدستور، وحالة الاضطراب التشريعي التي تعيشها مصر، إلا أن من شارك منها في الانتخابات حصل على ما بين 5 - 7% من المقاعد في الانتخابات البرلمانية. كما تمكن المرشحون المحسوبون على تيار الثورة والدولة المدنية في الانتخابات الرئاسية، من الحصول على 39% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات ـ على الرغم من أن أياً منهم لم يكن يحظى بشعبية تذكر قبل بدء الانتخابات ـ فنجح تيار الثورة والدولة المدنية في انتخابات الرئاسة، وانهزم مرشحوه نتيجة لتفتيت الأصوات بين أكثر من مرشح.

 

"مواجهة نظام مبارك" أم مواجهة أسلمة مصر

 

وفي الجولة الثانية من الانتخابات، سعت جماعة الإخوان المسلمين لجذب أكبر قدر من هذه القوى للتحالف معها في انتخابات الإعادة تحت شعار "مواجهة نظام مبارك"، بينما حاول مرشح نظام مبارك بث الرعب من تكرار تجربة إيران بعد وصول الإخوان للسلطة.

ويحاول الرئيس المنتخب مرسي الآن جذب عددا من أفراد هذه القوى، لتولي مناصب قيادية في الدولة من أجل طمأنة الرأي العام، فعلى الرغم من عدم تمثيل القوى المدنية تمثيلاً انتخابياً كافياً، إلا أنها مازالت تتمتع بدعم شعبي.

تغير نسبة التصويت في الانتخابات يؤكد أن المصريين يبحثون عن خيار آخر جديد بديلاً عن كل من نظام مبارك، وجماعة الإخوان التي يخشى معظم المصريين من افتئات حكمها على الحريات العامة، كما يخشى من برنامجها الاقتصادي النيو ليبرالي، الذي لا يختلف كثيراً عن برنامج لجنة سياسات الحزب الوطني بقيادة مبارك الإبن، في بلد يعيش مايزيد على 40%من أبنائه تحت خط الفقر. ويعتبر هذا البديل الثالث المارد القادر على حشد المصريين للاصطفاف خلفه بهدف بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة عمادها العدالة الاجتماعية.


ويظل تشكيل البديل الثالث، القادر على الوصول للسلطة وقيادة الوطن، رهناً بقدرة هذه المجموعات على اكتساب خبرات تنظيمية، تمكنها من توحيد جهودها وتنظيم صفوفها لخوض أي انتخابات قادمة. وهو ما اكتشفه عدد من الأحزاب الجديدة والقوى الشبابية والديمقراطية التي تحاول بلورته في تيار بدأ تشكيله في الأيام القليلة الماضية، يحمل عنوان "البديل الثالث".

 

زياد العليمي
 

زياد العليمي نائب بمجلس الشعب المصري حاليا ووكيل مؤسسي الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وعضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة، والمتحدث الرسمي باسم الائتلاف.

حقوق النشر: مجلة دي تسايت الألمانية 2012