هل يحق إجراء مفاوضات مع حركات إسلامية تستعمل العنف؟

الإسلام السياسي يشكل عامل قوة لا يسع أحد إنكاره في إطار دعم الديموقراطية في الشرق الأوسط، هذه هي خلفية اتفاق وزراء خارجية الاتحاد الأوربي على جواز إجراء حوار مع منظمات إسلامية متطرفة، حسب رأي الباحث والصحفي ميشائيل لودرس

أنصار حماس، الصورة: أ ب
القاعدة الجماهيرية للحركات الإسلامية ترتكز في المقام الأول على الخدمات التي توفرها في القطاع الاجتماعي.

​​الإسلام السياسي يشكل في منطقة الشرق الأوسط عامل قوة لا يسع أحد إنكاره في إطار في دعم الديموقراطية في المنطقة، هذه هي خلفية اتفاق وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في لقائهم الأخير على جواز إجراء حوار مع منظمات إسلامية متطرفة، حسب رأي الباحث والصحفي ميشائيل لودرس

هل يمكن أو هل يحق إجراء مفاوضات مع حركات إسلامية متطرفة كحماس وحزب الله؟ بناء على رؤية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لا يحق ذلك في أي حال من الأحوال، إذ أن "حركة المقاومة الإسلامية (حماس)" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني في نظرهما منظمتان إرهابيتان يتعين مكافحتهما عسكريا وعزلهما سياسيا.

أما الاتحاد الأوروبي فإنه يعتبر حركة حماس وحدها لا حزب الله منظمة إرهابية. وحتى هذا الموقف فهو في الوقت الحاضر موضع المراجعة. ففي اللقاء الذي جرى منتصف شهر أبريل/نيسان بين وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 25 دولة في لوكسمبورغ تم الاتفاق على إجراء حوار مع مجموعات المعارضة الإسلامية.

هذا الخرق الجزئي للتابوات يعني على الأجل المتوسط بأن الأوروبيين سوف يحيدون عن الحظر الذي فرضوه من الناحية الشكلية على اتصالاتهم بحزب الله وحماس.

خطر الإسلام السياسي

خلفية هذا الموقف هي القناعة بكون الإسلام السياسي يشكل في منطقة الشرق الأوسط عامل قوة لا يسع أحد إنكاره في إطار التفكير في دعم الديموقراطية في المنطقة. ليس هناك مبرر للتعاطف مع حماس أو حزب الله. لكن هاتين الحركتين لهما ثقل جماهيري.

فحماس حازت في انتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في قطاع غزة قرابة 70 بالمائة من الأصوات، كما أن حزب الله يشكّل في صفوف الشيعة في جنوب لبنان عامل القوة الرئيسي. وهذا الأمر يخلق عددا من المشاكل العملية المحددة على سبيل المثال بالنسبة لمنظمات المساعدة الغربية.

فالمؤسسة الألمانية للتعاون الفني GTZ لم "تخاطر" حتى الآن في بذل النشاط في قطاع غزة رغم وجود حاجة ماسة هناك للحصول على مساعدة منها. وهذا الوضع يعود إلى كون ممثلي حركة حماس بصورة حتمية الشريك المحلي لهذه المنظمة.

مقاومة وخدمات إجتماعية وتبرعات

لكن الذي ينشد تحقيق تغيرات في المنطقة لا يمكنه أن يغفل النظر عن الوقائع القائمة، خاصة وأنه ليس بالإمكان اعتبار حماس أو حزب الله بمثابة من لا وجود له من خلال محض تقييمهما كمحور للشر.

صحيح أنه بالإمكان مكافحتهما بالطرق العسكرية، الأمر الذي حاولته كافة الحكومات الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يكلل بالنجاح، بل قوى على عكس ذلك من ساعدهما.

وكانت حركتا حماس وحزب الله قد ظهرتا إلى حيز الوجود كحركتي مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية ولجنوب لبنان كما أنهما لم تدخرا وسعا في استخدام الوسائل الإرهابية بما فيها احتجاز الرهائن والقيام بالأعمال الانتحارية.

على الرغم من ذلك فإن تقييمهما كمحض منظمتين إرهابيتين يتسم بالتبسيط. فلو غض المرء النظر عن انطلاقهما العقائدي من مفهوم الجهاد لاتضح بأن قاعدتهما الجماهيرية ترتكز في المقام الأول على الخدمات التي توفرهما في القطاع الاجتماعي.

وكحال كافة المنظمات الإسلامية الأخرى فإنهما تكتسبان الشعبية لا من خلال الإيديولوجية المطروحة منهما بل من خلال عروض المساعدات المادية التي لا يمكن الاستهانة بمفعولها كالرعاية الاجتماعية وتوفير مرتبات التقاعد وتقديم العون للجار الخ.

هذا وتم تمويل هذه النشاطات عبر التبرعات التي يتم جمعها في الداخل والخارج، أما في حالة حزب الله فإن التبرعات تأتي بصورة خاصة من إيران.

المقاومة والخيارات السياسية

في نفس الوقت يدرك قادة حماس وحزب الله بأنه يتعين عليهم التكيف مع المعطيات السياسية القائمة وإلا أصبحوا عرضة لفقدان نفوذهم. فالمقاومة والإرهاب قد يكون لهما من وجهة نظرهم ما يبررهما في ظروف زمنية معينة، لكنهما لا يحلان محل الخيارات السياسية.

لهذا السبب حدث تحول في رؤى حماس في غضون الشهور الماضية مما سيجعلها تشارك دون قيد أو شرط في الانتخابات التي ستجري مستقبلا في المناطق الفلسطينية. في نفس الوقت يستخدم ممثلو حماس عبارة "الهدنة" أي وقف إطلاق النار المرحلي مع إسرائيل.

ولو لم تتكلل جهود قادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح العلمانيين بقيادة الرئيس محمود عباس بالنجاح فيما يختص بالحصول من الإسرائيليين على خطة زمنية واضحة بشأن إنشاء الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، فإن هذا من شأنه جعل حماس تكسب مجددا في الانتخابات التي تقرر إجراؤها غضون الصيف القادم في الضفة الغربية مزيدا واضحا من أصوات الناخبين.

القيمة الأخلاقية والكسب الجماهيري

هناك سبب آخر يجعل كلا من حماس وحزب الله ينالان احترام أوساط واسعة من السكان هو كونهما لا يتسمان بالفساد والرشوة على عكس الحال لدى الأطراف السياسية المنافسة لهما. فالسفراء الغربيون في بيروت (ما عدا السفير الأمريكي) يقرون بكون زعيم حزب الله، الشيخ حسن نصر الله، لا يوصم بالرشوة كما يتسم بالبرغماتية.

وعلى الرغم من التطرف البلاغي الذي تعكسه فضائية "المنار" التابعة لحزب الله فإن هناك ما يدل على قناعة حزب الله بضرورة التعامل بصفة الحزب السياسي، خاصة وأن الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قد ولى الأدبار منذ سنوات خمس.

وقد أثبت اللبنانيون في الأسابيع الأخيرة الماضية على وجه خاص بأنهم لا يرجحون كفة العنف. لكن المتطرفين دينيا أو سياسيا سيتواجدون مع ذلك دوما، وذلك في كلا الجبهتين. والأهم من ذلك أنهم لا يمسكون بزمام الأمور.

الموقف الأوربي الوسطي

هناك سؤال يتسم بطابع أكاديمي نظري وهو عما إذا كان يتوجب على الحكومات الأوروبية أن تتحاور مع حماس وحزب الله أم لا، نظرا لأن الاتصالات قائمة عمليا بين الطرفين منذ سنوات عديدة. من ناحية أخرى لا يمكن الإجابة على هذا السؤال دون مراعاة الرؤى المختلفة المتعلقة بنزاع الشرق الأوسط.

هناك في هذا الصدد قراءتان على الأقل تعكسان كنموذجين تقييم كل من الطرفين للأزمة. القراءة اليهودية الإسرائيلية تكاد لا ترى في حماس وحزب الله سوى نمط إقليمي للحزب النازي وقراءة عربية إسلامية تعتبر هاتين المجموعتين حركتي مقاومة شرعية ضد احتلال إسرائيلي مهين.

وهنا ينبغي على السياسة الأوروبية إن شاءت أن تتسم بالتوازن ألا تتبنى لا القراءة الأولى ولا الثانية بل أن تعمل على اتخاذ موقع الوسيط بين الطرفين المتنازعين وإيجاد حلول برغماتية للمشاكل القائمة. وهذا يتضمن السعي لجعل حماس وحزب الله تصبحان من أطراف عملية السلام لهدف رئيسي هو جعلهما تلتزمان بتحقيق السلام.

بقلم ميشائيل لودرس
ترجمة عارف حجاج

ميشائيل لودرس باحث في الدراسات الإسلامية، كاتب وصحفي مقيم في برلين.

قنطرة

يجب أن يتحاور الغرب مع الإسلاميين
يطالب عمرو حمزاوي، الباحث المصري في الدراسات السياسية، حوارا نقديا يمكن من خلاله التأثير على الحركات السياسية الإسلامية التي تعد الأكثر نشاطا ودينامية في العالم العربي اليوم.

حزب الوسط
من الممكن أن تشهد مصر قوة سياسية جديدة: حزب الوسط الذي كثيرًا ما يُقارن مع حزب العدالة والتنمية التركي الإسلامي-المعتدل. مراسلنا في القاهرة يورغن شتروياك تحدث مع مؤسس الحزب أبو العلا ماضي.